ليس بالضرورة أن تتسم جميع مباريات كرة القدم باللعب النظيف و هو الشعار الذي دائما ما يرفعه الإتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا ) نتيجة لجوء عدد من اللاعبين إلي إتباع طرق إحتيالية من أجل الحصول علي ضربات جزائية تعمل علي تحسين نتائج فرقهم أو تحميل خصومهم لأخطاء غير حقيقية قد ينالون عنها بطاقات حمراء تعمل علي طردهم من الملعب و إفقاد فريق الخصم لخدماتهم أو الإدعاء بالإصابة من قبل جماهير المنافس بغرض إلغاء المباراة و إحتساب النتيجة لصالحهم و هو ما حدث عام 1989 حين تظاهر حارس مرمى منتخب تشيلي روبرتو روخاس بإصابته بأحد الألعاب النارية التي ألقاها عليه أحد المشجعين البرازيلين من المدرجات خلال المباراة التي جمعت بين منتخبي تشيلي و البرازيل في تصفيات كأس العالم التي تنظمها إيطاليا عام 1990 و هو حادث عرف بإسم الماراكانازو و الذي يعتبره خبراء اللعبة أحد أكثر الأحداث خزيا في تاريخ كرة القدم العالمية و تسبب في حرمان تشيلي من المشاركة في تصفيات كأس العالم التالية عام 1994 في الولايات المتحدة و أنهاء مسيرة الحارس روخاس الرياضية بعد إيقافه مدى الحياة .
بدأت قصة حادث الماراكانازو في أواخر الثمانينيات عندما كانت تصفيات إتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم ( الكونيمبول ) لبطولة كأس العالم لا تزال تقام علي هيئة مجموعات منفصلة و ليست واحدة كما هو الحال اليوم و حينها أوقعت القرعة منتخبات “البرازيل” و “تشيلي” و “فنزويلا” في مجموعة واحدة و كما كان متوقعا كان المنتخب الفنزويلي خارج المنافسة بعد خسارته في مباريات الذهاب من ” البرازيل ” بأربعة أهداف نظيفة و من ” تشيلي ” بهدفين نظيفين و أصبح من الواضح أن المنافسة علي بطاقة التأهل محصورة بين البرازيليين الذين كانوا دائما مشاركين في تلك النهائيات و التشيليين الذين شاركوا في بطولة عام 1982 ثم غابوا عن بطولة عام 1986 التي نظمت في “المكسيك” و ألتقي المنتخبين في العاصمة التشيلية “سانتياجو” و أنتهت المباراة بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق بعد أن تخللتها أحداث مثيرة شهدت ثلاثة بطاقات حمراء إضافة إلي إضطرابات جماهيرية كان لها عواقب لاحقة على “تشيلي” .
بعد ذلك بدأت لقائات العودة و تغلبت “البرازيل” على “فنزويلا” في “ساو باولو” بنتيجة 6-0 ثم فازت “تشيلي” علي نفس المنتخب بنتيجة 5-0 في مباراة أقيمت في ” الأرجنتين ” بعد أن تم توقيع عقوبات علي التشيليين من قبل “الفيفا” بعد أحداث شغب جماهيرهم خلال مباراتهم السابقة مع البرازيليين و بتلك النتائج أصبح الحسم على ملعب “ماراكانا” في “البرازيل” و كان من الضروري علي التشيليين الفوز لأن فارق الأهداف كان كبيرا جدا لصالح البرازيلين لدرجة أن التعادل كان كافياً لهم للتأهل و في يوم 3 سبتمبر عام 1989 ملأ الملعب أكثر من 140.000 متفرج و خلال الشوط الأول لم يتمكن كلا الفريقين من تسجيل أي أهداف و بعد مرور أربع دقائق من بداية الشوط الثاني وضع “كاريكا” أصحاب الأرض في المقدمة و مع بقاء ما يزيد قليلاً عن عشرين دقيقة على النهاية كانوا ما يزالون متقدمين و تزداد مهمة التشيليين تزداد صعوبة بعد أن أصبح من الضروري إحراز هدفين للتأهل و من هنا بدأت أحداث الماراكانازو .
بدأت أحداث الماراكانازو بعد أن ألقيت لعبة نارية من قبل مشجع مجهول كان يجلس في مدرجات الجمهور البرازيلي و سقطت على منطقة جزاء “تشيلي” و فجأة شوهد حارس المرمى “روبرتو روخاس” و هو ملقى على الأرض بينما كانت النيران لا تزال مشتعلة بجواره و هرع لاعبو “تشيلي” إلى زميلهم في الفريق و طلبوا من الطاقم الطبي النزول إلى أرض الملعب حيث كان “روخاس” ينزف من رأسه ثم تم إخراجه و غادر معه زملاءه و رفضوا العودة بدعوى أنهم يخشون على سلامتهم و في النهاية قرر الحكم إلغاء المباراة و يصاب اللاعبين و المشجعين البرازيليين بالذهول و بدا من الواضح أمام الجميع أن حادث الماراكانازو سيكون له تداعيات سلبيه تتمثل في مواجهة “البرازيل” لعدد من العقوبات أبرزها حرمانها من التأهل لكأس العالم و في المقابل ستحصل ” تشيلي ” علي تلك البطاقة .
و رغم عدم إلتقاط أي من الكاميرات الموجودة في الملعب للحظة دخول تلك الشعلة التي أصابت ” روخاس ” حاول البرازيليين الدفاع عن أنفسهم بعد أن أدعي عدد من المصورين الموجودين على جانب الملعب بأنهم فوجئوا بتعرضه للإصابة علي الرغم من أن الشعلة بدت و أنها سقطت على بعد حوالي متر منه و مع ذلك كان يتدحرج و ينزف من إحدى عينيه و رغم شهادتهم إلا أنها لم تكن كافية طالما لم تكن هناك أدلة مادية ملموسة و التي ظهرت لاحقا بعد أن تمكن مصور أرجنتيني يدعي ” ريكاردو ألفيري ” و الذي كان موجودا علي أرض الملعب من إلتقاط حادثة الماراكانازو بعدة لقطات ثم قام بإرسالها إلي ” اليابان ” في اليوم التالي من دون معالجة أو تحميض و وصلت أخبار تلك الصور التي تدحض مزاعم الحارس ” روخاس ” إلى السلطات البرازيلية و سرعان ما طالب رئيس إتحاد كرة القدم البرازيلي “ريكاردو تيكسيرا” بالحصول علي تلك الصور و تحميضها و إلا فلن يُسمح للمصور بمغادرة البلاد .
و هكذا بدأت عملية تجهيز معمل لتحميض الأفلام و كانت المفاوضات جارية بشأن قيمة هذه الصور بين مسئولي ” البرازيل ” و المصور و في النهاية تم الإتفاق على مقابل مادي للحصول علي تلك الأفلام قدره 5000 دولار أمريكي و بمجرد التحميض كانت هناك أربع لقطات واضحة لحادث الماراكانازو بأكمله بدءًا من الشعلة في الهواء و حتى الهبوط على بعد متر من “روخاس” و فور صدور تلك الأدلة طار رئيس الإتحاد البرازيلي إلى “سويسرا” للقاء مسؤولي الفيفا الذين شاهدوا الصور و أصبح لديهم يقين بالتلاعب من قبل ” تشيلي ” لذلك منحوا الفوز للبرازيل بنتيجة 2-0 و بالتالي التأهل إلى كأس العالم بإيطاليا عام 90 كما أعتبروا أن “تشيلي” خرقت اللوائح بمغادرتهم الملعب و رفضهم العودة لإستكمال المباراة و بالتالي صدرت عقوبة ضدهم بمنعهم من المشاركة في تصفيات كأس العالم التالية عام 1994.
أما بالنسبة إلي الحارس “روخاس” فقد تسبب حادث الماراكانازو بإيقافه عن ممارسة كرة القدم مدى الحياة و معه المدرب “أورلاندو أرافينا” و طبيب الفريق “دانييل رودريجيز” ثم تم رفع الحظر عنه في النهاية عام 2001 و تولى تدريب فريق “ساو باولو” البرازيلي لفترة قصيرة عام 2003 و الغريب في الأمر أن ذلك الحارس لم يكن رجلاً مكروهًا في “البرازيل” التي عاش فيها لفترة طويلة حيث أعترف بذنبه فور العثور على الأدلة و كان هذا بالنسبة لمعظم البرازيليين أمر جيد بما فيه الكفاية كما أنه أعترف لاحقًا لوسائل الإعلام المحلية بأنه جرح نفسه بشفرة حلاقة و برر ذلك بأن العاطفة هي من تحكمت به عندما أراد أن تحصل ” تشيلي ” علي فرصة للصعود لكأس العالم .
و في تطور آخر لحادث المارلكانازو توصلت الشرطة في النهاية إلي هوية المشجع الذي ألقى الشعلة و كانت ” روزنيري ميلو دو ناسيمنتو ” و هي مشجعة تبلغ من العمر 24 عامًا و زُعم أن الخطة بأكملها كان قد تم إعدادها من قبل المدرب التشيلي و طبيب الفريق و لكن من غير المؤكد كيف تم تجنيد “ميلو” لتفعل ذلك ولكن كان من المخطط أنها ستطلق الشعلة بالقرب من “روخاس” و الذي بدوره سيقوم بتزييف الأمر برمته و الطريف أن حادث الماراكانازو قد ساهم في شهرتها حيث لُقبت بعدها بـ “صاروخ ماراكانا” و أستفادت لاحقًا من تلك الشهرة من خلال الظهور في مجلة البلاي بوي إلا أنها توفيت بشكل مأساوي بسبب تمدد الأوعية الدموية في الدماغ عام 2011 عن عمر يناهز 45 عامًا فقط .
و أنتهت قصة حادث الماراكانازو بصعود ” البرازيل ” التي قدمت أداء باهتا فى البطولة و ظهرت أنها أحد أضعف نسخ المنتخبات البرازيلية التي شاركت فى نهائيات كأس العالم أما بالنسبة إلي “تشيلي” فقد تم إستبعادها من المشاركة فى تصفيات كأس العالم عام 1994 التي كانت بمثابة البطولة الرابعة التي تحصل عليها “البرازيل” عبر تاريخها .