حين وضع الإنسان قدمه علي سطح القمر كان ذلك بمثابة نقطة إنطلاق للتفكير نحو غزو الفضاء و إستعماره لذلك بدأت الأنظار في الإتجاه نحو كوكب المريخ رابع كواكب المجموعة الشمسية و الأقرب إلي كوكب الأرض و الذي شغل حيز كبير من مخيلة البشر الذين كانوا يعتقدون في السابق أنه مستعمر من قبل كائنات مثلنا قد تكون طيبة تقدم لنا يد العون في بعض الروايات و شريرة تسعي لغزونا في أخري إلي أن أثبت العلم الحديث عدم صحة تلك المعتقدات بعد أن أرسل العديد من المسابير لإستكشاف سطحه كمقدمة نحو إستعمار كامل له من قبل الإنسان مستقبلا حيث بدأت الإستعدادات نحو تحقيق ذلك تسير علي قدم و ساق من خلال المحطة البحثية هوتون – مارس المكرسة لإجراء الإختبارات الرائدة لأي تكنولوجيا مخصصة للإستخدام على سطح كوكب المريخ و مساعدة الرواد علي التعايش و التأقلم فيه .
و تقع محطة ” هوتون – مارس ” بجزيرة “ديفون” في ” كندا ” و يطلق عليها البعض إسم ” كوكب المريخ علي الأرض ” حيث يقام علي أراضيها إختبارات المركبات الفضائية و المسابير و الطائرات و الروبوتات التى ستقوم يوما في المستقبل بإجراء الإستكشافات علي سطح ذلك الكوكب بالإضافة إلي إجراء تجارب على الأجهزة الملحقة بها مثل مقاييس الطيف و الكاميرات و الرادارات و أدوات أخذ العينات من التربة كما تقوم أيضا بفحص و إختبار الأدوات التى سوف يستخدمها البشر بأنفسهم أثناء مهماتهم مثل بدلات الفضاء و العربات المريخية التى ستقوم بنقلهم من مكان إلي أخر على سطحه و حتى إجراء دراسات نفسية و سلوكية علي هؤلاء الرواد لتقييم حالاتهم أثناء وجودهم هناك لتنفيذ تلك المهمات نظرا لتغير الأجواء و الظروف عما هو معتاد علي الأرض .
و تعتبر جزيرة ” ديفون ” الكندية التي تستضيف أراضيها مشروع ” هوتون – مارس ” أكبر جزيرة غير مأهولة على وجه الارض حيث أنشئت عليها المحطة عام 1997 بدعم كامل من وكالة ناسا لعلوم الفضاء و تدار من قبل مجموعة من الشركاء الأكاديميين و الصناعيين و البحثيين الذين يشرفون على العديد من الأبحاث البيولوجية و الجيولوجيه بغرض فهم مراحل تطور “كوكب المريخ” منذ نشأته و حتي اللحظة بسبب تشابه تلك المنطقة تحديدا مع أجوائه كما يتم في ذلك المكان أيضا إختبار نوعية التقنيات التى سوف تستخدم فى إستكشافه و تدريب الرواد على كيفية التأقلم و التعامل مع الاجواء المريخية .
و يرجع سبب إختيار تلك البقعة لإنشاء محطة مشروع ” هوتون – مارس ” لتشابهها مع ظروف و أجواء كوكب المريخ فهى صحراء صخرية قاحلة و قطبية باردة و تكاد تكون خالية من النباتات و الحيوانات و تجتاحها الرياح بشكل منتظم و تنتشر بها الأشعة فوق البنفسجية بكثافة كما أنها تمتلئ بالحفر الناجمة عن النيازك و معزولة تماما حيث تعتبر الإتصالات بها قليلة جدا و درجات الحرارة بها أثناء النهار تشبه تلك الموجودة في اليوم الصيفي على سطح المريخ و علي الرغم من أن أجوائها بالتأكيد تعد أقل تطرفا من الكوكب الاحمر إلا أنها تعد مثالية كمحاكية له حيث فيها يتم إجراء الإختبارات و المهمات التي من الممكن أن ينجم عنها مجموعة من الأخطاء و يمكن معالجتها بحيث يتم تلافيها خلال الرحلات الحقيقية علي سطح الكوكب و التي سيكون من الصعب إصلاحها حينها مما سيجعلها تمثل خطورة على المهمة و منفذيها سواء كانوا بشرا أو روبوتات .
و تعتبر أبرز التجارب التي أجريت في مشروع ” هوتون – مارس ” هي إجراء إختبارات علي نوع من القفازات الذكية لرواد الفضاء التى تعمل على التحكم بالطائرات بدون طيار و المتوقع إستخدامها مستقبلا علي سطح المريخ من خلال إستخدام حركات بسيطة من اليد على ذلك القفاز حيث قال مطوريها أنهم أستفادوا من ظروف تلك الجزيرة القاسية على تجاربهم بسبب أنها أظهرت لهم نتائج و تحديات مختلفة عما ظهرت به فى مختبراتهم العادية و بشكل جعلهم يقتنعون بضرورة إجراء عدد من التعديلات على بعض أنظمة الملاحة بها بالإضافة الى ضرورة زيادة متانتها لعدم إمكانية تحملها طبيعة تلك الأجواء .
أقرأ أيضا : هل توجد حياة علي كوكب المريخ ؟
و لا تنحصر مهام المحطة فقط على كوكب المريخ بل و للقمر أيضا نصيب فى ذلك حيث توجد بها أبحاث تتعلق بإستكشاف المناطق القطبية لسطح القمر و هو ما سوف يقوم به برنامج ” أرتميس ” التابع لوكالة ناسا عام 2024 لإستكشاف القطب الجنوبى به و الذى يوجد فيه المياه إضافة إلي فوهة شاكيلتون التى تمثل لغزا حتى اللحظة للباحثين حيث تعد محطة ” هوتون – مارس ” مثالية لمحاكاة تلك المنطقة أيضا .