الجاذبية هي إحدى القوى الأساسية الموجودة و المؤثرة في ذلك الكون الفسيح و تعد جزء هاما من حياتنا اليومية لأنها المسئولة عن ثباتنا علي كوكب الأرض و عدم خروجنا إلي الفضاء كما أنها هي المتحكمة في عدد من الظواهر الطبيعية أبرزها المد و الجزر و تساعد في توجيه نمو النباتات بالإضافة إلي تأثيرها على دوران السوائل في الكائنات متعددة الخلايا و أظهرت الأبحاث العلمية مؤخرا أنها تلعب دورًا في وظيفة الجهاز المناعي داخل جسم الإنسان و بعيدا عن الأرض و الكائنات الحية الموجودة عليها فعند النظر إلي الجاذبية من زاوية أكبر فسنجد أنها هامة جدا لأنها من العوامل القليلة المؤثرة علي تطور الكون لأنها المسئولة عن إنهيار غيوم الهيدروجين و تحويلها إلي نجوم و تعمل علي ترتيب المجرات معًا و وضعهم بجوار بعضهم البعض كما أنها المعنية بحركة الكواكب و النجوم و المجرات و حتي الضوء و رغم أبحاثنا المستفيضة حول تلك القوي بشكل فيزيائي لفترة أمتدت لأكثر من 400 عام و معرفتنا بعض من خصائصها إلا أنها و حتي اللحظة لا تزال تحيط بها الكثير من الأسرار و ينظر إليها كأحد أعظم الألغاز الفيزيائية التي يعكف العلماء حاليا في حل غموضها .
و تعد الجاذبية إحدى القوى الأساسية الأربعة الموجودة في الكون جنبًا إلى جنب مع الكهرومغناطيسية و القوى النووية القوية و الضعيفة و منذ فترة طويلة بدأت تكهنات الناس تظهر حول وجود تلك القوي التي تؤثر علي كل شئ بدء من قطرات المطر و حتي قذائف المدفعية حيث لاحظ الفلاسفة اليونانيين و الهنود القدماء أن الأشياء تتحرك بشكل طبيعي نحو الأرض و بدأوا فى ذكر ذلك لكن من دون تفسير دقيق مثل “أرسطو” الذي قال أن للأجسام ميلًا طبيعيًا للتحرك نحو مركز الكون الذي يعتقد أنه وسط الأرض ثم أستغرق الأمر قرون إلي أن تمكن العالم الإنجليزي ” إسحق نيوتين ” من أخراج الجاذبية من حالة غموضها و تحويلها إلي ظاهرة قابلة للقياس و يمكن التنبؤ بها حيث أشار عام 1687 في أطروحته ” الأصول الرياضية في الفلسفة الطبيعية ” أن كل كائن موجود في الكون من حبة الرمل إلي أكبر النجوم يسحب كل شئ الأخر و هو ما كان بداية حل للكثير من التساؤلات لعدد من الظواهر اليومية مثل سقوط التفاحة على الأرض إلى الكواكب التي تدور حول الشمس كما وضع أسس لتلك القوي من خلال قانونه العالمي للجاذبية الذي نصه Fg = G (m1 ∙ m2) / r2 حيث F هي قوة الجاذبية و m1 و m2 هي كتل جسمين و r هي المسافة بينهما و G ثابت الجاذبية و هو ثابت أساسي يجب اكتشاف قيمته من خلال التجربة .
و رغم أن وصف “إسحق نيوتن ” لقوي الجاذبية كان دقيقا بما يكفي لإكتشاف وجود كوكب نبتون في منتصف القرن التاسع عشر قبل أن يتمكن أي شخص من رؤيته إلا أن قانونه لم يكن مثاليًا ففي القرن التاسع عشر لاحظ علماء الفلك أن القطع الناقص الذي يتبعه مدار كوكب عطارد كان يتحرك بسرعة أكبر حول الشمس عما توقعته نظرية نيوتن مما يشير إلى وجود عدم تطابق طفيف بين قانونه و قوانين الطبيعة و لحسن الحظ أنه تم حل ذلك اللغز في النهاية بواسطة نظرية النسبية العامة التي وضعها العالم ” ألبرت أينشتين ” و نُشرت عام 1915 حيث كان قبل وضع تلك النظرية يعرف الفيزيائيين كيفية حساب قوة الجاذبية للكوكب لكن فهمهم حول لماذا تتصرف الجاذبية بتلك الطريقة لم يتقدم إلا قليلاً عن ما كان لدي الفلاسفة القدامى حيث فهم هؤلاء العلماء أن جميع الأشياء تجتذب كل الأشياء الأخرى بقوة لحظية و بعيدة المدى بشكل لا نهائي كما أفترض “نيوتن” و كان العديد من علماء الفيزياء في عصر “أينشتاين” راضين عن ذلك لكن أثناء العمل على نظريته في النسبية الخاصة قرر “أينشتاين” أنه لا يمكن لأي شيء أن ينتقل على الفور و يجب ألا تكون الجاذبية إستثناءً.
و لقرون تعامل الفيزيائيين مع الفضاء كإطار فارغ و لكن عززت النسبية العامة فكرة المكان و الزمان فيه و اللذان يشكلان معا نسيج الكون و أن مادة “الزمكان” هذه يمكن أن تتمدد و تضغط و تلتف و تدور و تسحب كل شيء بداخلها طوال الرحلة حيث أقترح “أينشتاين” أن شكل الزمكان هو ما يولد القوة التي نختبرها كجاذبية فإذا نظرنا إلي تركيز الكتلة أو الطاقة مثل الأرض أو الشمس فسنجد أن الفضاء ينحني حولها مثل الصخور التي تعمل علي إنحناء مجري النهر و عندما تتحرك الأجسام الأخرى في مكان قريب فإنها تتبع إنحناء الفضاء و لذلك نرى الكواكب تدور في مداراتها و التفاحة تسقط لأنهم يسلكون مسارات عبر الشكل المكون للكون و تتطابق تلك المسارات مع القوة التي توقعها قانون “نيوتن” حيث حظيت معادلات “أينشتاين” الميدانية للنسبية العامة و هي مجموعة من الصيغ التي توضح كيفية إنحراف المادة و الطاقة في الزمكان بالقبول عندما تنبأت بنجاح التغيرات في مدار عطارد و كذلك إنحناء ضوء النجوم حول الشمس خلال كسوف الشمس عام 1919.
و في الوقت الحالي يتنبأ الوصف الحديث لقوي الجاذبية بدقة شديدة كيفية تفاعل الكتل بحيث أصبح دليلًا للاكتشافات الكونية حيث لاحظ عالما الفلك الأمريكيان “فيرا روبن” و “كينت فورد” في ستينيات القرن الماضي أن المجرات تبدو و كأنها تدور بسرعة كافية لتخرج النجوم منها و لكن بدا أن شيئًا ما يساعدهم على الإلتصاق ببعضهم البعض و قدمت ملاحظات روبن و فورد الشاملة دليلاً قوياً يدعم نظرية عالم الفلك السويسري “فريتز زويكي” السابقة التي وضعها في ثلاثينيات القرن الماضي و أشار فيها بأن بعض من الكتلة غير المرئية هي المسئولة عن ذلك حيث يشك معظم الفيزيائيين الآن في أن هذه “المادة المظلمة” الغامضة تشوه الزمكان بما يكفي للحفاظ على سلامة المجرات و العناقيد المجرية كما بدأ الباحثين مؤخرًا في إكتشاف أحد أكثر تنبؤات تلك النظرية دقة ألا و هي وجود موجات الجاذبية أو حدوث تموجات في الزمكان بسبب تسارع الكتل في الفضاء فمنذ عام 2016 قام فريق بحثي من “الولايات المتحدة” و أوروبا بقياس موجات جاذبية متعددة تمر عبر الأرض و هو ما سيعمل علي إطلاق حقبة جديدة من علم الفلك و الذي سيساهم في دراسة الثقوب السوداء البعيدة و النجوم النيوترونية ليس من خلال الضوء الذي تنبعث منه فحسب و لكن من خلال كيفية هز نسيج الفضاء عند إصطدامها .