فى بعض من الأحيان قد يحدث تناقضات بين الواقع الذى نعيشه و ما تظهره الأوراق و السجلات الحكومية و يقع الإنسان فى حيرة عن أيهما الأصح و الأدق لكن لحسن الحظ يأتى دور العلم الذى يقوم بتوضيح الحقيقة بشكل حاسم و يكون هو الفيصل لأي خلافات حول ذلك و يمتلئ عالمنا بكثير من القصص الغريبة التى تجسد طبيعة تلك التناقضات و لعل أشهرها هى ما حدث مع الأمريكية ليديا فيرتشايلد التي خاضت معركة قضائية شرسة من أجل إثبات نسب أبنائها رغم نفي نتائج تحليلات الحمض النووي لذلك و نظرا لتفاقم ذلك الخلاف كان من الضروري أن يكون للعلم كلمته و الذي أنهي تلك القضية بمفاجأة ضخمة .
بدأت القصة عام 2002 بـ ” ليديا فيرتشايلد ” و هى امرأة امريكية تبلغ من العمر 26 عاما و تعيش في ” الولايات المتحدة ” بولاية “واشنطن” حيث قررت الإنفصال عن صديقها ” جيمى تاونساند ” بعد علاقة متوترة معه استمرت لعدة سنوات أثمرت عن إنجاب طفلين و حملها فى الثالث و تبدء قصة كفاح من أجل رعايتهم و إعالتهم و تقدمت بطلب للحصول علي إعانة حكومية و التى تشترط قوانينها أن تجرى هى و صديقها تحليلا للحامض النووى لإثبات نسب أبنائهم و قامت ” ليديا فيرتشايلد ” بإجراء التحليل بشكل روتيني لأنهم فى كل الأحوال أبنائها و النتائج معروفة مسبقا ثم ذهبت بعدها لمكتب الخدمات الاجتماعية من أجل تسلم النتيجة لتتفاجئ بأن الموظفين و العاملين ينظرون إليها بنظرات متشككة و تسائلت عن السبب ليجيبوها بأن نتائج تحليل إثبات النسب للأب متطابقة بالفعل إلا أن نتائجها عكس ذلك و أن هؤلاء الأطفال ليسوا أبنائها .
كانت صدمة عنيفة لـ “ليديا فيرتشايلد” حتى أنها ضحكت إعتقادا منها بأنهم يمزحون معها إلا أنهم أجابوها بجدية عن دقة ذلك التحليل و بأنها ليست أمهم حتى أنهم بدأوا يسألوها أسئلة عما إذا كانوا أطفالها بالفعل و من أين حصلت عليهم و يتطور الأمر بالبدء فى أخذ منحي تحقيق جنائى و إتهامها بالإحتيال و قامت بالإتصال بوالديها و هى منهارة تقص عليهم ما حدث و تنقل إليهم مخاوفها من سحب أطفالها منها بدعوى أنها ليست أمهم حيث قالت والدتها أنها ظنت فى البداية أن إبنتها تمزح نظرا إلي أنها كانت موجودة لحظة ميلاد هؤلاء الأطفال فكيف هى لا تكون أمهم و قاموا بالتواصل مع طبيبها الذى قام بتوليدها و الذي أقر بأنهم أبنائها و طمأنها بأنه سوف يشهد لصالحها فى المحاكمة و من أجل التأكد من أنه لا يوجد أى خطأ فى التحليلات خضعت “ليديا فيرتشايلد ” لثلاث إختبارات اخرى لتحليل الحامض النووى فى معامل مختلفة و التي أكدت نتائجهم أيضا بشكل قاطع أن هؤلاء الاطفال ليسوا أبنائها .
كان أمرا غريبا على تلك المرأة إلا أنها كانت أولا و أخيرا أم و من أجل أبنائها قررت القتال من أجل المحافظة عليهم و الدخول إلي ساحات المحاكم لإثبات نسبهم و خلال تلك الإجرائات أنجبت طفلها الثالث و بعد إنجابه على الفور قام موظف تابع للمحكمة و الذى شهد عملية الولادة بأخذ عينات للحامض النووى منها و من الرضيع و بطبيعة الحال كان من المفترض أن يؤكد ذلك أنها أم ذلك الطفل بالفعل إلا أن النتائج كانت فى قمة الغرابة حيث أثبتت أن ” ليديا فيرتشايلد ” ليست أم ذلك الطفل أيضا .
كان لغزا محيرا و كانت “ليديا فيرتشايلد” مهددة بفقدان أطفالها بما فيهم من أنجبته رغم شهادة موظف المحكمة و أصبحت الأمور أكثر تعقيدا إلي أن قام محاميها ” ألان تيندل ” بتفجير مفاجأة من العيار الثقيل حين أشار إلي أن أم اخرى تدعى ” كارين كيجان ” كان لديها قصة مشابهة لقصة ” ليديا فيرتشايلد ” حيث كانت ” كارين ” و هى أم لثلاثة أبناء على وشك إجراء عملية زرع للكلي و كانت على أمل أن أحد أبنائها قد تكون جيناته متطابقة معها للتبرع لها و لذلك تم إجراء تحليل الحامض النووى و الذي فجر مفاجأة أن إثنان من أطفالها ليسوا أبناء لها و كان الأمر مريبا خاصة و أن الجميع يعلم أنهم أبنائها لذلك بدء مجموعة من العلماء فى البحث عن ذلك اللغز و محاولة الوصول إلي تفسير علمي له و توصلوا بعد إجراء سلسلة من الإختبارات أن “كارين” تعانى من حالة طبية شديدة الندرة تسمى ” الخيمريه ” و هى حالة لا توجد سوى فى ثلاثين شخصا حول العالم و التى تقول بأن الإنسان به نوعان من الخلايا المختلفة على الأقل أي شخصان بخصائص مختلفة يعيشان داخل جسد واحد كما و لو كانوا توأما .
أقرأ أيضا : جان هيلارد معجزة طبية تعرضت لخطر التجمد لمدة ست ساعات ثم كتبت لها النجاة مجددا
و نتيجة لقصة “كارين” التى تقدم بها المحامي الى المحكمة و تقديمه كافة الأدلة و الإثباتات العلمية حول ذلك خضعت “ليديا فيرتشايلد” للمزيد من الإختبارات و التى أشارت بالفعل إلي إصابتها هى الأخرى بالخيميريه و ذلك بعد أن أكدت الفحوصات إحتواء جسدها على مجموعات مختلفه من الحامض النووى و التي كانت كافية لإقتناع المحكمة بأن هؤلاء الأطفال هم أبنائها و الحكم بنسبهم إليها لتتنفس ” ليديا فيرتشايلد ” الصعداء و تعقب علي ذلك الحكم بأنها تشكر الله علي ذلك و لولا قصة “كارين” لما كان أبنائهم معها اليوم .