رغم أهمية الطعام و الغذاء لبقاء الإنسان علي قيد الحياة الا أنه في بعض من الأحيان قد يعد جزء هاما من ثقافات الشعوب حيث تستخدمه بعض من الدول للترويج السياحي من خلال تقديم أطباق شهيرة لها و قد يتم ربطه بالأعياد و الإحتفاليات التي يكون أغلبها تراثي أو ديني و يصبح حينها تناول تلك الأطعمة جزء من العادات الفلكلورية لتلك المناسبة إلا أنه في أحد البلدات الواقعة في إيطاليا يتم إستخدام الطعام بشكل أخر و هو من أجل التقاتل بين سكانها و ذلك من خلال فعالية سنوية تقام بها و تعرف بإسم معركة البرتقال حيث يقوم الأهالي بتقسيم أنفسهم إلي مجموعة من الفرق ثم يبدأون في خوض معركة فيما بينهم تمتد علي مدار ثلاثة أيام عبر إلقاء ثمرات البرتقال علي بعضهم البعض و ذلك لإحياء ذكري تحررهم من إستبداد الإقطاعيين .
و تقام إحتفالية معركة البرتقال في بلدة ” إيفريا ” التابعة لمدينة ” تورينو ” في شمال غرب ” إيطاليا ” و لا أحد تحديدا يعرف أصل ذلك الفلكلور إلا أن البعض يربطه بقصة قديمة حدثت فى القرون الوسطى لطاغية شرير كان يسكن فى تلك البلدة و حاول إغتصاب امرأة شابة تدعى ” فيوليتا ” إلا أنها دافعت عن شرفها و تمكنت من قطع رأسه و وقفت علي الشرفة ملوحة بها أمام الناس ثم تندلع بعدها ثورة عارمة على تلك الأسرة الإقطاعية و تنتهى بطردهم من البلدة و تصبح تلك القصة هى الملهمة لفعالية معركة البرتقال الحديثة و التى بدأت لأول مرة عام 1808 حين قرر المسئولين الفرنسيين حكام تلك البلدة فى ذلك الوقت تجميع كافة الكارنفالات الصاخبة و المنتشرة بها لتكون فى كارنفال واحد و تصبح عادة سنوية حتي وقتنا الراهن .
و يتم الإحتفال بفعالية معركة البرتقال فى أواخر شهر فبراير و أوائل مارس حيث يتم إختيار الأشخاص الذين سيمثلون الشخصيات الرئيسية من القصة و التى تبدء بشكل رسمي يوم الخميس بإختيار شخصية الجنرال الذى سيكون المسئول الرئيسي عن تلك الإحتفالات و الإعلان عن بدايتها و ختامها من شرفة مبنى البلدية و بعدها يركب الخيل و يتوجه إلي الأسقف من أجل تكريمه ثم تبدء فعالية مسائية تفتح فيها كرة ضخمة فى ساحة “أوتينيتي” و يحضر مجموعة مكونة من 10 أطفال يرتدون زي عصر النهضة و يمثلون الأبرشيات الخمس في “إيفريا” و فى يوم السبت يتم الإعلان عن هوية الفتاة التى ستقوم بتجسيد دور ” فيوليتا ” لتتجول فى جميع أنحاء البلدة في موكب مصحوب بالأضواء و الألعاب النارية و ذلك من أجل إضفاء مزيدا من الأصالة على ذلك الإحتفال .
و فى صباح يوم الأحد و الذى يعتبر يوم معركة البرتقال يتم طهى وجبة دسمة للمشاركين و مكونة من مئات الكيلوجرامات من الفاصوليا مع السلامي و جلود الخنازير ثم تبدء المعركة لاحقا بعد الظهيرة بإنطلاق صافرة الحكام لتشتعل الأحداث و يبدء تراشق المتحاربين للبرتقال و المكونين من تسعة فرق كل واحدة منهم يمثل منطقة من البلدة و مقسمين الى فئتين أحدهم يجسد الملكيين مناصري الإقطاع و الذين يحق لهم المشاركة فى المعركة على متن عربات و إشتراكيين يمثلون عامة الناس و مناصرى ” فيوليتا ” و ترتدى جميع الفرق الخوذات و الأدوات الواقية و يكون لكل فريق منهم موقعه و ملابسه الخاصة و بعد مرور وقت من القتال تشق الأذان صافرة جديدة معلنة توقفه و ذلك لإعطاء فرصة للمتحاربين لإلتقاط أنفاسهم و التأهب لإستكمال باقى المعركة و التى تظل مستمرة يومى الإثنين و الثلاثاء الذى يعد أخر يوما لذلك الكرنفال و الذي فيه يعلن الحكام عن الفريق الفائز بناء على شجاعتهم أثناء القتال و لعبهم النظيف ثم يقام بعد ذلك جنازة إفتراضية ضخمة لأولئك الذين سقطوا فى المعركة إلي أن يأتى يوم الأربعاء الذى يكون اليوم الأول من الصوم الكبير .
و يشير بعض المؤرخين أنه في بدايات إحياء ذلك الكرنفال كانت تستخدم الفاصوليا للقتال حيث يقال أن سبب ذلك يرجع إلي أن الإقطاعي كان يعطى الأهالى الفقراء كميات قليلة من الفاصوليا سنويا لدرء جوعهم إلا أن المشاركين فى مهرجان “معركة البرتقال” قاموا بإستبدال الفاصوليا كوقود للمعركة و يحل محلها ثمرة البرتقال بإعتبارها رمزا للحجارة التى ألقيت على قصر الإقطاعي و ذلك نتيجة وجود وفرة كبيرة من ذلك المحصول فى جزيرة “صقلية” بإيطاليا و منطقة نيس بفرنسا .
أقرأ أيضا : لا توماتينا .. مهرجان غريب تغرق فيه بلدة إسبانية فى الطماطم
و تعد “معركة البرتقال” هى أضخم المعارك التى تقام فى “إيطاليا” و رغم أنها أصغر من “مهرجان الطماطم” الذي ينظم سنويا فى “إسبانيا” إلا أنه خلال فعالياته يتم إستهلاك أكثر من 225 طنا من البرتقال و في بعض من الأحيان ينسحب منها بعض المشاركين بسبب إصابتهم بكدمات و جروح لذلك فإذا كنت حاضرا لتشاهد تلك المعارك فقط من دون المشاركة فيها فيجب عليك الإختباء خلف النوافذ التى تغطى المبانى حول ساحات القتال أو إرتداء نوعا من القبعات الحمراء لضمان عدم توجيه برتقالة إليك تقوم بتلطيخ وجهك و ملابسك بقشرها أو عصيرها .