منذ نشأة هولييود و توجد علاقة تعاون بين صانعى الافلام السينمائيه و الجيش الامريكى و التى بدأت منذ عام 1927 بإنتاج الفيلم الحربى الصامت “الاجنحه” و هو أول فيلم حائز على جائزة الأوسكار حصل على مساعدات حربيه من الجيش من أجل تصويره و من بعدها بدء سعى الكثير من المخرجين و المنتجين فى تدعيم تلك العلاقة للحصول على دعم عسكري لمنح معاركهم الحربيه مظهرا اكثر واقعيه و الاعتماد على نصائحهم لضمان تصوير الجيش الأمريكى بأكبر قدر ممكن من الدقة فى مقابل الدعاية للجيش الامريكى و سرد بطولاته حتى و ان كانت غير حقيقيه .
و رغم تمتع هولييود باستقلاليتها فى انتاج افلامها من دون رقيب الا انه عند تناول الشأن الحربى فهى تعد حرية مقيده و لها حدود غير مسموح على الاطلاق بتجاوزها حيث يحق لوزارة الدفاع الامريكيه التدخل فى اى عمل درامى بغرض تعديله او الاضافة عليه و اذا وصل الطرفان لطريق مسدود فمن سلطاتهم التدخل و الغاء العمل بالكامل على الفور … و فى ذلك المقال سوف نستعرض عددا من الافلام الحربية التى تدخلت وزارة الدفاع الامريكيه فى تعديلها و كانت لها فيه السلطة العليا .
سقوط الصقر الاسود Black Hawk Down
فيلم شهير انتج عام 2001 و استند على قصة حقيقية لمعارك خاضها الجيش الامريكى فى العاصمة الصومالية مقديشيو و انتهت بمقتل 18 جنديا امريكيا وعدد غير معروف من الصوماليين حيث ينظر البعض الى تلك المعارك بأنها سببت احراجا كبيرا لوزارة الدفاع الامريكيه نظرا لما حدث لجنودها فى ذلك المكان و كان الامر مدهشا فى ان منح “البنتاجون” تصريحا للمخرج ” ريدلى سكوت ” لاخراج مثل ذلك العمل الا انه فى واقع الامر كان ذلك التصريح بغرض اظهار شجاعة الجنود بدلاً من التفاصيل الدموية للعملية الفاشلة امام الرأى العام الامريكى و من اجل ظهور ذلك العمل الى النور قامت وزارة الدفاع بتزويدهم بمستشارين تقنيين و 100 جندي حقيقي و ثماني مروحيات بلاك هوك كما استخدم “البنتاجون” مسؤولي العلاقات العامة التابعين لهم بالترويج للفيلم و حتى ترتيب عروضه في القواعد العسكرية.
و رغم كل تلك التسهيلات الا ان الجيش الأمريكى قد وضعت شرطا من اجل اتمام ذلك العمل حيث ضغطوا على كاتب السيناريو لتغيير جوانب معينة من النص وأبرزها طلبهم بتغيير اسم احد الجنود الحقيقين و هو “جون ستيبينز” و الذى تمت محاكمته أمام محكمة عسكرية في يونيو 2000 لاغتصابه فتاة أقل من 12 عامًا حيث اراد البنتاجون إزالة اسمه لتجنب الجدل عما اذا كان يستحق التكريم ام لا, لذلك تم تغيير ” جون ستيبينز ” ليكون باسم جديد و هو ” جون جريمز ” و الذى تم تخليده على الشاشة الفضية كمثال على الشجاعة والبسالة.
بيرل هاربور Pearl Harpor
الفيلم الذى انتج عام 2001 و الذى يحكى قصة الهجوم على الميناء الحربى الامريكى من قبل الطائرات اليابانيه مخلفة ورائها واحدا من اكبر الكوارث فى تاريخ الولايات المتحدة و سببا لدخولها رسميا الحرب العالمية الثانيه , و رغم استقباله بشكل فاتر من قبل النقاد الا انه حقق الكثير من الايرادات فى شباك التذاكر حيث حصل ذلك الفيلم على دعم عسكرى كبير من قبل وزارة الدفاع الامريكيه وصل الى درجة السماح بالتصوير فى ميناء “بيرل هاربور” الحقيقي مع توفير مستشارين و مؤرخين أهمهم “جاك جرين” عضو المركز البحري التاريخي و الذى قضى ثمانية أسابيع كاملة مع فريق عمل الفيلم لتقديم كافة المعلومات بشأن التشكيل البحري الياباني وأدق تفاصيل حياة الجنود الذين كانوا متواجدين فى الميناء حتى انه تدخل بضوء اخضر من “البنتاجون” لتغيير احدى شخصيات الفيلم حيث كان من المفترض ان يتم تصوير الملازم أول “جيمي دوليتل” في السيناريو على أنه شخصية كريهة المعشر الا ان جرين كان غير راضٍ عن هذا التصوير وطلب إعادة كتابة الشخصية لجعل الملازم أكثر طيبة لينال تعاطف الجمهور حيث استمع المنتجون اليه وتم تغيير الشخصية لتتناسب بشكل أفضل مع رؤية جرين .
المتحولون Transformers
ليس بالضرورة مشاركة الجيش الأمريكى فى الافلام الحربية فقط الا انهم فى السنوات الاخيرة أصبحوا اكثر انفتاحا على الانواع الاخرى من الافلام لا سيما الخيالى منها و خاصة عندما يواجه الجيش الامريكى غزاة من كواكب اخرى لذلك دخل “البنتاجون” بثقله من اجل المساهمة فى انتاج الجزء الثانى من فيلم المتحولون Transformers: Revenge of the Fallen و الذى وصف بأنه أحد أكبر الأفلام المشتركة التي تم إنتاجها مع الجيش حيث تم تخصيص ظابط اتصال له و هو المقدم ” جريجورى بيشوب ” بالاضافة الى تحطيمه الرقم القياسي فى مشاركة أغلب الاسلحة و الافرع الرئيسية بالجيش لتظهر في فيلم واحد حيث اثار الظهور الضخم للقوات المسلحة الامريكيه في الفيلم بعض من الانتقادات حيث زعم البعض أن دعم الجيش لامتياز موجه أساسًا إلى الأطفال هو محاولة واضحة للتأثير على المجندين في المستقبل ليرد الجيش الامريكى على لسان قيادة له على تلك الانتقادات بأنه امرا حقيقى و وجود رسالة التجنيد والردع داخل الفيلم رغم انها عمل ثانوى لكننا لا نستطيع انكار وجودها .
العين الذهبيه و الغد لا يموت ابدا Golden Eye And Tomorrow Never Die
و هما من أشهر الأفلام للعميل البريطانى ” جيمس بوند ” و الذى قام بتجسيده الفنان “بيرس بروسنان ” فمع عرض النص الاصلى لفيلم ” العين الذهبيه ” و الذى انتج عام 1995 ابدى مسئولى وزارة الدفاع الامريكيه استيائهم من تصوير أميرال أمريكي غير كفء يتم إغوائه و قتله من قبل المرأة القاتلة للفيلم “زينيا اوناتوب” حيث امتثل القائمون على العمل و قاموا بإعادة كتابة المشهد على عجل و تغيير جنسية الأدميرال من أمريكي إلى كندي .
اما الفيلم الثانى و هو الغد لا يموت و الذى انتج عام 1997 فقد كان احد المشاهد الاصلية الموجودة فى السيناريو تتعلق بفيتنام حيث كان من المفترض فى المشهد ان يقول احد عملاء وكالة المخابرات المركزيه الامريكيه لجيمس بوند “أنت تعرف ما سيحدث .. ستكون الحرب .. وربما هذه المرة قد نفوز ” كان نصا مسببا لحرجا كبيرا لدى “البنتاجون” حيث كانت العلاقات الدولية مع فيتنام قد أعيدت للتو ومن الواضح أن ذلك الحوار في فيلم تجسسى كان من الممكن أن يثير ازمة ديبلوماسية كبيرة الامر الذى اقتضى تدخلهم من اجل الضفط على تغيير الحوار و بالفعل لم يظهر في الفيلم النهائي .
خطر واضح و حاضر Clear And Present Danger
و هو فيلم حربى انتج عام 1994 و يتناول قصة حرب سرية بين مهربي المخدرات الكولومبيين و الولايات المتحدة الامريكيه و نظرًا لاتساع نطاق الفيلم و تفاصيله فقد قام عدد من الفروع العسكرية و الامنيه المختلفه بمراجعة السيناريو حيث طلبوا احداث تغييرات كبيرة أثرت على الفيلم النهائي , فمن ناحيه لم تكن البحرية الامريكيه راضية عن مشهد فى السيناريو كان فيه أفرادها يتجاهلون الخسائر المدنية بعد غارة جوية بالاضافة الى إثارة الجيش الأمريكى اعتراضات على الطريقة التي تم بها تصوير الحكومة الكولومبية حيث كانوا قلقين من أن التصوير السلبي لتلك الحكومة من الممكن أن يضر بالعلاقات الأمريكية الكولمبيه و بسبب هذه المخاوف تم تغيير احد المشاهد و المتعلقة بقصف بحري لهدف مدني و أزيلت جميع الاشارات الداله إلى أن الحكومة الكولومبية متواطئة مع تجار المخدرات .
و لم يتقصر الامر على ذلك فقط بل ان الإدارات العسكرية كانت قلقة أيضًا من تصوير الرئيس الأمريكي في النص الأصلي بإصدار اوامره للقيام بعمليات سرية في “كولومبيا” وهو الأمر الذي حظره الكونجرس حيث كان عدم ارتياح الجيش يعود جزئيًا إلى التشابه الوثيق بين الأحداث في الفيلم والدعم غير القانوني لإدارة الرئيس الامريكى “ريجان” للكونترا في أمريكا الوسطى خلال فترة الثمانينيات حيث خصص ريجان أموالًا سرية وغير قانونية للكونترا و ذلك للمساعدة في قتالهم ضد حكومة الساندينستا اليسارية في نيكاراغوا و نتيجة لذلك تم تعديل المشاهد التي تظهر الرئيس الأمريكي بحيث اعتبرت ان العملية سرية للغاية ولكنها قانونية.
أقرأ أيضا : أشهر ممثلى هولييود الذين تطوعوا فى الخدمة العسكريه بالجيش الأمريكى
الأنواع الصحيحه The Right Stuff
فيلم انتج عام 1983 و يحكى قصة طيارين في القوات البحرية و الجوية الذين شاركوا في أبحاث الطيران قبل انطلاق أول رحلة مأهولة لأمريكا إلى الفضاء حيث كان الفيلم مستندا على رواية “توم وولف” و التى تحمل نفس الاسم و صدرت عام 1979 الا ان السيناريو الاصلى كان يحتوى على العديد من الكلمات البذيئة التى لم ترضى الجيش الامريكى حيث تلقى منتجو الفيلم خطابًا منهم يشكون فيه من كثرة استخدام اللغة البذيئة حيث كانت وزارة الدفاع الامريكية قلقة من أن ذلك الابتذال الفيلم سوف يضعه فى تصنيف مشاهدة الكبار فقط و تقليل عدد المراهقين الذين يمكنهم رؤيته و هم المستهدفون من الفيلم لانهم كانوا الركيزة الاساسيه للمجندين العسكريين الامر الذى اضطر صناع الفيلم الى الامتثال و تخفيف الكلمات المبتذلة و الموجودة فيه .
1984
بإنتهاء الحرب العالمية الثانية و دخول العالم مرحلة الحرب الباردة قامت وكالة المخابرات المركزيه الامريكيه بتمويل عددًا كبيرًا من الأنشطة الثقافية المؤيدة للديمقراطية و المعادية للشيوعية و التى تضمنت كتبًا ومجلات وأفلامً حيث حصلت الوكالة فى خمسينيات القرن الماضى على حقوق فيلم مقتبس من رواية ل “جورج أورويل ” اسمها 1984 و انتج عام 1956 الا انها تدخلت بالتعديل على الرواية الاصليه خاصة فى نهاية الفيلم لتكون مختلفة تماما بغرض تحقيق اهدافها حيث كانت الروايه تتحدث عن هزيمة البطل من قبل الدولة الشمولية او الشيوعيه اما فى الفيلم فقد انتصر البطل عليها و لسنوات كان الفيلم ضائعًا ثم في أوائل عام 2010 تم توفيره مجانًا على موقع اليوتيوب.
مجموع المخاوف The Sum Of All Fear
ربما يعد ذلك الفيلم و الذى انتج عام 2002 فى حد ذاته معجزة فى الحفاظ على تماسكه الدرامى نظرا لكثرة التدخلات التى حدثت فى السيناريو الأصلى حيث يستند الفيلم على رواية للكاتب ” توم كلانسى ” و التى تحمل نفس الاسم و صدرت عام 1991 و التي تحكي قصة مجموعة فلسطينيه تخطط لتفجير ملعب كرة قدم حيث بدأ الفيلم في تلقي الشكاوى من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية حول احتمال استخدام الفيلم كذريعة لوصف المسلمين بالتطرف و الارهاب و نتيجة لذلك تم الضغط بتغيير الفلسطنيين في رواية كلانسي إلى مجموعة نازية جديدة بالفيلم و الذى حصل على مساعدة الجيش الأمريكى بتزويدهم بترسانة من الأسلحة و توفير قاذفات B-2 وطائرات F-16 وطائرات هليكوبتر عسكرية وحاملة طائرات مع طاقمها المكون من 5000 جندي للتصوير و لكن لم يتم توفير هذه المعدات المتخصصة باهظة الثمن دون أن يكون للجيش يد في كيفية تصويرها على الشاشة حيث اعترضت وكالة المخابرات المركزية والمستشارين العسكرين في الفيلم على مشهد لحاملة طائرات تعرضت لهجوم وإغراق من قبل مقاتلين أعداء لهم حيث كان الجيش الأمريكى لا يشعر بإرتياح من تقبل فكرة إمكانية تدمير حاملة طائرات أمريكية بسهولة و تم تغيير المشهد بحيث تم اقتصاره على تدمير الطائرات الموجودة على الحاملة فقط في الهجوم.
صفر الظلام ثلاثون Zero Dark Thirty
فيلم رشح لجائزة الاوسكار عام 2012 و يتناول قصة مطاردة “أسامة بن لادن ” في جميع أنحاء العالم و فى أثناء كتابة السيناريو نشأت علاقة بين كاتب الفيلم ومخرجه من طرف وأعضاء من وحدة مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية و في أعقاب وفاة بن لادن مباشرة بدأ كاتب سيناريو الفيلم ” مارك بوال ” في الاجتماع مع مسؤولي وكالة المخابرات المركزية لكتابة عناصر الفيلم و حضر حفل توزيع الجوائز الخاص لتكريم الجنود المسئولين عن تلك الغارة التي قتلت “بن لادن” و بعد اكتمال السيناريو طلبت وكالة المخابرات المركزيه الامريكيه اجراء سبعة تغييرات كان أهمها هى تغيير المشهد الذي تعرض فيه أحد المحتجزين بالتهديد بالكلاب حيث زعمت الوكالة أنها لم تستخدم الكلاب لتخويف السجناء مطلقا و هو امر منافى للحقيقيه بعد التسريبات الخاصه لسجن ابو غريب و ظهور صور تعذيب باستخدام الكلاب و بأوامر من قيادات بالوكالة حيث اضطر الكاتب الى الامتثال و تم اجراء تلك التغييرات .