مستكشفًا و ملاحًا إيطاليا بدأت حياته مع البحار في سن مبكرة و سافر من خلاله إلى أقصى الشمال وصولا إلي الجزر البريطانية و إلى الجنوب في قارة أفريقيا فيما يعرف الآن بدولة غانا ثم بعد ذلك بدء مرحلة جديدة في الإبحار تجاه الغرب عبر المحيط الأطلسي منطلقا من إسبانيا علي رأس بعثة مدعومة من ملوكها و مسلحا بمعارفه و خبراته الجغرافية و التاريخية و الفلكية على أمل العثور على طريق جديد يصل إلى الهند الشرقية بغرض الإستفادة من تجارة التوابل المربحة في ذلك الوقت و خلال الفترة ما بين عامي 1492 و 1504م قام بأربع رحلات إجمالية إلى منطقة البحر الكاريبي و أمريكا الجنوبية و يعتبر كريستوفر كولومبوس هو من ينسب إليه الفضل في إستكشاف الأمريكيتين و إجراء أول إتصال أوروبي معروف مع تلك المنطقة التى كانت لا تزال مجهولة إلي العالم و هو ما دفع الكثيرين في القرون التي أعقبت وفاته إلي تكريمه علي نطاق واسع نظرا لمجهوداته في إكتشاف العالم الجديد و فتحه أفاق جديدة للمستكشفين اللاحقين الذين ساروا علي نهجه حيث يطلق إسمه علي العديد من الأماكن في نصف الكرة الغربي أبرزها دولة كولومبيا و مقاطعة كولمبيا البريطانية في كندا و مع حلول القرن الحادي و العشرين تبدلت تلك النظرة بإلقاء اللوم عليه بإعتباره سببا في الأضرار و الخطايا التى أرتكبت في ظل مراحل إستكشافاته لا سيما توجيه أعين الدول الإستعمارية لتلك المناطق و هجرة الأوروبيين إليها و الذين قاموا بقمع السكان الأصليين و إستعبادهم و نشر أمراض العالم القديم التى أودت بحياة الملايين منهم مع نهب خيراتهم و طمس حضاراتهم و هويتهم .
سنوات كريستوفر كولومبوس الأولي
ولد “كريستوفر كولومبوس” عام 1451 في جمهورية “جنوة” التى تعتبر حاليا جزء من “إيطاليا” و خلال فترة مراهقته عمل في البحر و شارك في العديد من الرحلات التجارية في البحر الأبيض المتوسط و بحر إيجة و كادت رحلته الأولى إلى المحيط الأطلسي عام 1476 أن تكلفه حياته حيث تعرض الأسطول التجاري الذي كان يبحر معه لهجوم من قبل قراصنة فرنسيين قبالة سواحل “البرتغال” حيث أحترقت سفينته و أضطر إلى السباحة للشاطئ البرتغالي .
و خلال فترة العشرينيات من عمره عاش بمدينة ” لشبونة ” في ” البرتغال ” و تزوج من “فيليبا بيريستريلو” التى أنجب منها إبنا واحدا و هو ” دييجو ” و بحلول عام 1480 توفيت زوجته و بعد فترة وجيزة ترك ” البرتغال ” و أستقر في “إسبانيا” التي ظلت موطنه طوال حياته و فيها رزق بإبن ثاني له عام 1488 و هو ” فرناندو ” من عشيقته ” بياتريس إنريكيز دي أرانا ” و بعدها بدء فى المشاركة بالعديد من الرحلات الإستكشافية إلى إفريقيا و التى منها أكتسب ” كريستوفر كولومبوس ” معرفة بالتيارات الأطلسية المتدفقة شرقا و غربا من جزر الكناري .
محاولات كريستوفر كولومبوس لتجهيز البعثة الإستكشافية
فى تلك الأثناء كانت الجزر الآسيوية القريبة من “الصين” و “الهند” وجهة جذابة للأوروبيين لكن هيمنة المسلمين على طرق التجارة عبر الشرق الأوسط جعلت السفر إليها من إتجاه الشرق أمرًا صعبًا لذلك أبتكر ” كريستوفر كولومبوس ” طريقًا للإبحار غربًا عبر المحيط الأطلسي للوصول إلى قارة آسيا معتقدًا أنه سيكون أسرع و أكثر أمانًا لذلك أقترح القيام برحلة إستكشافية مكونة من ثلاثة سفن عبر المحيط الأطلسي و طلب الدعم أولاً من ملك البرتغال ثم من ملك جنوة و أخيراً ملك البندقية لكن مقترحه لم يكن يلقي قبولا لديهم و في عام 1486 ذهب إلى الملكة الإسبانية “إيزابيلا” حاكمة قشتالة و “فرديناند الثاني” ملك “أراجون” الذين كان تركيزهم منصبا في ذلك الوقت علي الحروب مع المسلمين و ذلك لمحاولة إقناعهم بتلك البعثة لكن مستشاريهم الملاحيين كانوا متشككين من جدواها لذلك أمتنعوا عن تلبية طلبه في البداية و لم يرفضوا بشكل تام حيث أثارت الفكرة فضولهم و هو ما جعلهم يبقون علي طلب ” كريستوفر كولومبوس ” في وضع الإنتظار و من ناحيته لم ييأس حيث كان يواصل الضغط على البلاط الملكي و لحسن حظه مع إستيلاء الجيش الإسباني على آخر معاقل للمسلمين في “غرناطة” عام 1492 و إنتهاء الحرب وافق الملوك أخيرا على تمويل حملته الإستكشافية .
و في أواخر أغسطس عام 1492 غادر ” كريستوفر كولومبوس ” إسبانيا من ميناء “بالوس دي لا فرونتيرا” مبحرا في بعثة مكونة من ثلاثة سفن حيث كان متواجدا علي أكبرها و أسمها ” سانتا ماريا ” و هي نوع من السفن يعرف بإسم كاراك و كان برفقته سفينتين أخريين و هم ” بينتا ” و ” نينيا ” و كلاهما من نوع كارافلين المصنعين على الطراز البرتغالي .
رحلات كريستوفر كولومبوس
إستكشاف أمريكا
و في يوم 12 أكتوبر عام 1492 و بعد 36 يومًا من الإبحار غربًا عبر المحيط الأطلسي وصل ” كريستوفر كولومبوس ” و العديد من أفراد طاقمه إلى جزيرة من جزر الباهاما الحالية و طالبوا بها لصالح “إسبانيا” و هناك واجه الطاقم مجموعة ودودة من السكان الأصليين الذين كانوا منفتحين على التجارة مع البحارة و تبادل الخرز الزجاجي و القطن و الببغاوات و الرماح و لاحظ الأوروبيين أيضًا قطعًا من الذهب كان السكان الأصليين يرتدونه للزينة و بعد ذلك واصل “كريستوفر كولومبوس ” و رجاله رحلتهم حيث زاروا جزر “كوبا” و التى أعتقدوا فى البداية أنها البر الرئيسي للصين و “هيسبانيولا” التى تعد حاليا “هايتي” و جمهورية “الدومينيكان” و التي اعتقد “كولومبوس” أنها قد تكون “اليابان” و خلال ذلك الوقت تحطمت “سانتا ماريا” على الشعاب المرجانية قبالة سواحل “هيسبانيولا” و بمساعدة بعض من سكان تلك الجزر تمكن رجال “كولومبوس” من إنقاذ ما يمكن إنقاذه و بنوا مستوطنة “فيلا دي لا نافيداد” بالخشب المستخرج من أنقاض السفينة.
و بقي 39 رجلاً من أفراد بعثته لإحتلال تلك المستوطنة و أبحر ” كريستوفر كولومبوس ” عائدا إلى موطنه و هو مقتنعًا بوصوله إلى “آسيا” مع السفينتين المتبقيتين و بعد عودته إلى “إسبانيا” عام 1493 قدم تقريرًا واعدا به العديد من المبالغات إلى حد ما و إستقبله الديوان الملكي بحرارة .
رحلاته الأخري
و في عام 1493 ذهب “كريستوفر كولومبوس ” فى رحلته الثانية و بدء في إستكشاف المزيد من الجزر في البحر الكاريبي و عند وصولهم إلى “هيسبانيولا” أكتشف مع طاقمه أن المستوطنة التى تركوها قد دمرت و تم ذبح جميع البحارة بها و خلافا لرغبات الملكة التى رأت أن العبودية أمر مذموما وضع ” كريستوفر كولومبوس ” سياسة العمل القسري على السكان الأصليين لإعادة بناء المستوطنة و إستكشاف الذهب معتقدًا أنه سيكون أمرا مربحًا إلا أن إعتقاده لم يكن في محلة حيث أنتجت تلك الجهود كميات صغيرة من الذهب بالاضافة إلي إكتساب كراهية كبيرة إليه من قبل السكان الأصليين .
و قبل أن يعود إلى “إسبانيا” ترك كولومبوس إخوته “بارثولوميو” و “دييجو” ليحكموا المستوطنة في “هيسبانيولا” و أبحر لفترة وجيزة حول جزر الكاريبي مقنعًا نفسه بأنه اكتشف الجزر الخارجية للصين لكنه لم يصل فعليًا إلى البر الرئيسي حتى رحلته الثالثة التى أستكشف فيها نهر أورينوكو في “فنزويلا” الحالية و لسوء الحظ تدهورت الظروف في مستوطنة “هيسبانيولا” إلى درجة شبه التمرد حيث أدعى المستوطنين بأن ” كريستوفر كولومبوس ” قد ضللهم بالثراء كما إشتكوا من سوء إدارة أخوته لها و هو ما دفع التاج الإسباني لإرسال مسؤولًا ملكيًا قام بإعتقاله و تجريده من سلطته و عاد إلى “إسبانيا” مقيدًا بالسلاسل لمواجهة الديوان الملكي و لاحقا تم إسقاط التهم ضده لكنه فقد ألقابه كحاكم لجزر الهند و أيضا للكثير من الثروات التي حققها خلال رحلاته .
الرحلة الأخيرة
و بعد ذلك نجح ” كريستوفر كولومبس ” في إقناع الملك “فرديناند” بأنه إذا قام بتمويل رحلة أخري فسوف تجلب إليه الثروات الوفيرة حيث ذهب في رحلته الأخيرة عام 1502 مسافرًا على طول الساحل الشرقي لأمريكا الوسطى في بحث فاشل عن طريق إلى المحيط الهندي و خلال رحلته دمرت إحدي العواصف واحدة من سفنه مما أدى إلى تقطع السبل به مع بحارته في جزيرة “كوبا” و رفض سكان الجزر المحليين الذين سئموا من معاملة الإسبان السيئة لهم و هوسهم بالذهب إعطائهم أي طعام و في شرارة من الإلهام و إعتمادا علي علوم الفلك إبتكر ” كريستوفر كولومبوس ” خطة لمعاقبة سكان الجزيرة من خلال إقناعهم بسحب القمر بالتزامن مع حدوث خسوف له في 29 فبراير عام 1504 و هو الأمر الذي أثار خوفهم و قلقهم من إختفائه و يوافقوا علي التعامل معهم مرة أخري حتى يرجع القمر إلي أن وصل فريق الإنقاذ أخيرًا و أعيد مع رجاله إلى “إسبانيا” في نوفمبر من نفس العام و خلال العامين المتبقيين من حياته بعد رحلته الأخيرة إلى الأمريكتين كافح ” كريستوفر كولومبوس ” لإستعادة ألقابه المفقودة و على الرغم من أنه أستعاد بعض من ثرواته في مايو عام 1505 إلا أنه لم تتم إعادة ألقابه.
وفاة كريستوفر كولومبوس
يعتقد أن ” كريستوفر كولمبوس ” قد توفي بسبب إلتهاب المفاصل الحاد بعد إصابته به في 20 مايو عام 1506 و مات و هو لا يزال يعتقد أنه اكتشف طريقًا أقصر إلى آسيا .
و بعد وفاة ” كريستوفر كولومبوس ” أصبح تاريخه مثار جدال حيث يُنسب الفضل إليه في فتح إكتشاف الأمريكتين و تقديمهم للإستعمار الأوروبي و لكنه في نفس الوقت يقع عليه اللوم في تدمير الشعوب الأصلية للجزر التي أكتشفها بالإضافة إلي فشله في العثور على ما بدأ البحث عنه و هو طريق جديد إلى آسيا و الثروات التي وعد بها .
و أرتبطت أنشطة ” كريستوفر كولومبوس ” فيما يعرف بإسم التبادل الكولومبي حيث أطلقت رحلاته إنتشارًا واسع النطاق للأشخاص و النباتات و الحيوانات و الأمراض و الثقافات التي أثرت بشكل كبير على سكان تلك المناطق حيث سمح الحصان القادم من قارة أوروبا للقبائل الأصلية التى سكنت في السهول الكبرى بقارة أمريكا الشمالية بالإنتقال من أسلوب الحياة البدوي إلى أسلوب الحياة المعتمد علي الصيد كما أصبح القمح من العالم القديم مصدرًا رئيسيًا للغذاء للناس في الأمريكتين و أصبحت القهوة القادمة من إفريقيا و قصب السكر القادم من آسيا من المحاصيل الرئيسية لبلدان أمريكا اللاتينية بينما أصبحت الأطعمة القادمة من الأمريكتين مثل البطاطس و الطماطم و الذرة أغذية أساسية للأوروبيين و ساعدت في زيادة عدد سكانهم .
و في المقابل جلب التبادل الكولومبي أيضًا أمراضًا جديدة إلى نصفي الكرة الأرضية و كان الأشد تأثيرا علي الأمريكتين حيث أهلك الجدري القادم من العالم القديم ملايين من السكان الأمريكيين الأصليين و يعتبر هو أكبر عامل سمح للهيمنة الأوروبية على الأمريكتين لذلك كانت الفوائد الهائلة للتبادل الكولومبي من نصيب الأوروبيين في البداية ثم إلي بقية العالم بالإضافة الي قيام الإستعمار الأوروبي بتغيير ثقافات الحضارات الأصلية النابضة بالحياة مما حرم العالم من أي فهم كامل لوجودها .
مقتطفات عن حياة كريستوفر كولومبوس
- قدر ” كريستوفر كولومبوس ” أن المسافة بين “جزر الكناري” و “اليابان” حوالي 3700 كيلومتر و لكن في الواقع كانت المسافة 19535 كيلومتر .
- في مايو عام 2014 وردت أنباء عن أن فريقًا من علماء الآثار ربما عثروا على السفينة الغارقة “سانتا ماريا” قبالة الساحل الشمالي لهايتي و لكن بعد تحقيق شامل أجرته اليونسكو تم تحديد أن الحطام يعود إلى فترة لاحقة و لم يكن لتلك السفينة .
- بعد وفاة ” كريستوفر كولومبوس ” خاض ورثته معركة قانونية طويلة مع التاج الإسباني زاعمين أن النظام الملكي قد صادر الأموال و الأرباح المستحقة للمستكشف و تمت تسوية معظم الدعاوى القضائية بحلول عام 1536 لكن الإجراءات القانونية كادت أن تطول حتى الذكرى 300 لرحلة كولومبوس الشهيرة .
- على الرغم من أنه قام بثلاث رحلات ذهابًا وإيابًا إلى الغرب إلا أن “كريستوفر كولومبوس” لم يطأ قدمه فعليًا البر الرئيسي لأمريكا الشمالية.
- لم يكن “كريستوفر كولومبوس” هو اسمه الحقيقي حيث كان الإسم الذي أطلق عليه في الواقع عندما ولد في جنوة هو “كريستوفورو كولومبو” .
- بمجرد حصوله على المال و السفن كان يواجه صعوبة في محاولة العثور على طاقم حيث كان لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن الأرض كانت مسطحة و أن السفينة في وقت ما ستصطدم بشلال و تسقط من جانب الأرض.