دائما ما تكون الجزر وسط المحيطات مناطق جذب سياحية لإمتلاكها مناظر طبيعية تخلب لب الناظرين بالإضافة إلي تميزها بهوائها المنعش و أجوائها النظيفة و هدوئها البعيد عن صخب المدن إلا أن الوضع يختلف تماما لدي إحدي الجزر المعروفة بإسم جزيرة هندرسون الموجودة فى وسط المحيط الهادئ بعد أن مثلت شواطئها صدمة كبيرة لعدد من الباحثين الذين وصلوا على شواطئها مؤخرا لإجراء عدد من الدراسات بعد أن عثروا علي ما يقرب من 38 مليون قطعة من النفايات أى ما يوازى 18 طنا من القمامة و هى معدلات ضخمة تجعلها من أكثر المناطق تلوثا فى العالم من ناحية الكثافة .
و تقع “جزيرة هندرسون ” فى وسط المحيط الهادئ بأرخبيل ” بيتكيرن ” فى منتصف المسافة تقريبا بين دولتى “نيوزلاندا” التابعة لقارة ” أوقيانوسيا ” و دولة “تشيلى” فى ” أمريكا الجنوبية ” و هى جزيرة نائية و غير مأهولة تبلغ مساحتها 37 كيلومتر مربعا و تخضع للسيادة البريطانية و مسجلة كأحد مواقع التراث العالمى لليونسكو منذ عام 1988 نظرا الى أنها من أواخر الجزر المرجانية المرتفعة و تعد موطنا لأنواع نادرة من الحيوانات و الطيور و النباتات التى لا تتواجد فى أى أماكن أخرى حول العالم و تعد شواطئها بمثابة ملاذ أمن للسلاحف البحرية المهددة بالإنقراض و مع ذلك و للأسف بمجرد نزولك على شواطئها و خاصة فى الجانب الشرقى منها سوف تجد الكثير من القمامة المتناثرة على الرمال معظمها مصنعة من البلاستيك مثل العوامات و الزجاجات و فرش الأسنان و الولاعات و الأكواب و ألعاب للاطفال و غيرها بمتوسط 671 نفاية فى المتر المربع الواحد ملقاة أعلى الرمال و أكثر من 4400 قطعة أخرى مدفونة أسفلها بعمق 10 سنتيمترات فى نفس المساحة .
و يرجع البعض سبب تراكم تلك الملوثات على “جزيرة هندرسن ” إلى أنها تقع على منطقة تعتبر مركز تيار المحيط الهادئ الجنوبي و هو الأمر الذى يجعلها مركزا لإستقبال النفايات القادمة منه و التى يأتى معظمها من قارة أمريكا الجنوبية أو من السفن العابرة كما تم العثور أيضا على قطع تعود إلى دولا فى أقصى الشمال مثل “اليابان” و “الولايات المتحدة” حيث تقوم الأمواج بسحب تلك النفايات البلاستيكية التى تصبح هشه نتيجة تعرضها لأشعة الشمس و تقوم بدفعها الى شواطئ الجزيرة لتتكسر عليها بعد إصطدامها بالرمال و الصخور لتتراكم على مدار عقود بذلك الشكل المذهل .
و من جانبهم و لمحاولة مكافحة وجود تلك الملوثات على “جزيرة هندرسون” مكث 7 باحثين بها عام 2015 لفترة وصلت الى ثلاثة أشهر و نصف لإزالة تلك المخلفات التى وجدوا أن مجموعها يزن ما يعادل 18 طنا و رغم مجهوداتهم الا أنهم لم يتمكنوا سوى من تجميع نصفهم فى أقفاص للقمامة و إبعادها عن الشاطئ ثم أصدروا تقريرا عام 2017 أشاروا فيه إلى أنه “من خلال مسح جزء واحد من الشاطئ و تتبع معدل ظهور القطع الجديدة به فأنه من المرجح ان تلك الجزيرة تستقبل ما يقارب من 3500 قطعة جديدة من النفايات يوميا معظمها من البلاستيك” و فى أحد الأيام قام الفريق بتنظيف جزء من الشاطئ ليفاجئ فى اليوم التالى بوصول دفعة جديدة من النفايات من خلال أمواج المد حتى أن البعض منهم أعترف بأنه رغم ما يبذل فى عمليات التنظيف و إزالة تلك المخلفات الا أنهم يتوقعون أن تعود الشواطئ مرة أخرى لسابق عهدها و بنفس الكثافة فى غضون أربع أو خمس سنوات كما يبدون أسفهم من صعوبة نقل تلك المخلفات لخارج الجزيرة فى ذلك الوقت نظرا لإحاطتها بشعب مرجانية حادة بشكل يجعل الوصول اليها من خلال السفن أمرا غير ممكنا .
أقرأ أيضا : نقطة نيمو .. البقعة الغامضة على سطح كوكبنا التى لم يصل إليها أحد و أكثر البشر إقترابا منها هم رواد الفضاء
و مع ذلك لم تتوقف محاولات تنظيف الجزيرة ففى عام 2019 قامت بعثة أخرى تحت إشراف الحكومة البريطانية بالتوجه إليها لإزالة بعضا من تلك الملوثات حيث تم بالفعل جمع 6 أطنان الا أن تلك المجهودات قد تعطلت نتيجة سوء الأحوال الجوية و تحدد موعدا جديدا لبعثة أخرى عام 2020 الا انه تم تأجيله بسبب إنتشار وباء كورونا حيث تعلق البروفيسيرة ” جينيفر لافيرز ” بأنه يجب علينا إعادة التفكير فى علاقتنا بالمواد البلاستيكية فرغم أننا نقوم بصناعتها لكى تدوم فترة أطول الا أنه واقعيا يتم إستخدامها لبضع لحظات ثم نقوم بالتخلص منها لذلك فيجب علينا أن نكون أكثر وعيا بشأن إستخدامنا للبلاستيك و طرق التخلص منه للحفاظ على المزيد من الجزر من نفس ذلك المصير .