جائزة نوبل هي واحدة من أرقي الجوائز التي تُمنح بشكل سنوي للأشخاص الذين يقومون بإنجازات فكرية و علمية ذات طابع إيجابي على البشرية و تمول تلك الجوائز من صندوق أنشأه لهذا الغرض المخترع و الصناعي السويدي ألفريد نوبل الذي أمر فى وصيته التي صاغها عام 1895 بتخصيص معظم ثروته كصندوق لمنح خمس جوائز سنوية لأولئك الذين قد منحوا للبشرية أكبر فائدة خلال العام السابق و كانت الجوائز التي حددها بإرادته هي جائزة نوبل للفيزياء و الكيمياء و علم وظائف الأعضاء أو الطب و الأداب و السلام و منحت لأول مرة في ديسمبر عام 1901 خلال الذكرى الخامسة لوفاة صاحبها و بعد ذلك تم إضافة جائزة في العلوم الاقتصادية عام 1968 و تمول من قبل أحد البنوك السويدية و منحت لأول مرة عام 1969 و على الرغم من أنها ليست جائزة نوبل من الناحية الفنية إلا أنها مرتبطة بها بشكل أو بأخر و يتم الإعلان عن الفائزين بها مع الحاصلين على جائزة نوبل و تقدم فى نفس حفل توزيع الجوائز التقليدية .
تاريخ جائزة نوبل
بدأت قصة جائزة نوبل بصاحبها رجل الأعمال السويدي “ألفريد نوبل” الذى ولد في 21 أكتوبر عام 1833 في مدينة “ستوكهولم” بالسويد و الذى كان بجانب إدارته للأعمال كيميائيًا و مهندسًا و مخترعًا و في عام 1894 أشترى مصنع ” بوفورز ” للحديد والصلب و جعله مصنعًا رئيسيًا للأسلحة كما أخترع “الباليستيت” الذى كان مقدمة للعديد من المتفجرات العسكرية عديمة الدخان و خلال حياته تمكن من جمع ثروة كبيرة من خلال مخترعاته أبرزها الديناميت و في عام 1888 أندهش “نوبل” عندما قرأ نعيه في إحدى الصحف الفرنسية بعنوان “مات تاجر الموت” حيث كان فى الحقيقة أن أخيه “لودفيج” هو من توفي لذلك أربكته المقالة و جعلته متخوفًا من كيفية تذكره بعد وفاته و ألهمه ذلك لتغيير إرادته لذلك و قبل عام من وفاته و فى يوم 27 نوفمبر عام 1895 قام بكتابة وصية و وقعها في النادي السويدي النرويجي بمدينة “باريس” فى ” فرنسا ” و نصت على أن يتم إستخدام ثروته لإنشاء سلسلة من الجوائز لأولئك الذين يمنحون أكبر فائدة للبشرية في مجالات الفيزياء و الكيمياء و علم وظائف الأعضاء أو الطب و الأدب و السلام و ترك 94٪ من إجمالي أصوله التى كانت تقدر بـ 31 مليون كرونة سويدية (حوالي 186 مليون دولار أمريكي عام 2008) لتأسيس جوائز نوبل الخمس و في 10 ديسمبر عام 1896 توفي في فيلته بسان ريمو فى “إيطاليا” و كان يبلغ من العمر 63 عامًا .
و بعد وفاة “ألفريد نوبل” تم إنشاء مؤسسة “نوبل” لتنفيذ أحكام وصيته و إدارة أمواله حيث كان قد أشترط أن تكون أربع مؤسسات مختلفة (ثلاث سويدية و واحدة نرويجية) هى من تمنح الجوائز ففى “ستوكهولم” عاصمة “السويد” تمنح “الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم” جوائز الفيزياء و الكيمياء و الاقتصاد و يمنح “معهد كارولينسكا” جائزة علم وظائف الأعضاء أو الطب أما “الأكاديمية السويدية” فتمنح جائزة الأدب أما “لجنة نوبل” النرويجية و مقرها العاصمة “أوسلو” فتمنح جائزة نوبل السلام و تعتبر مؤسسة نوبل هي المالك القانوني و المدير الوظيفي للصندوق و تعمل كهيئة إدارية مشتركة مع المؤسسات المتخصصة التى تمنح تلك الجوائز و لكنها غير معنية بمداولات أو قرارات الجائزة التي تقع على عاتق المؤسسات الأربع حصريًا .
كيفية إختيار فائز جائزة نوبل
تنبع هيبة جائزة نوبل جزئيًا من البحث الكبير الذي يجري في إختيار الفائزين بالجائزة و على الرغم من أن الإعلان عنهم يكون في شهري أكتوبر و نوفمبر إلا أن عملية الإختيار تبدأ في أوائل خريف العام السابق عندما تدعو المؤسسات المانحة للجوائز أكثر من 6000 فرد لإقتراح أو ترشيح مرشحين للجوائز و يقدم حوالي 1000 شخص ترشيحات لكل جائزة و يتراوح عدد المرشحين عادة ما بين 100 إلى حوالي 250 و من الممكن أن يكونوا من بين المرشحين الحائزين على جائزة نوبل فى السابق أو أعضاء من المؤسسات المانحة للجوائز أنفسهم طالما كانوا من العلماء الناشطين في مجالات الفيزياء و الكيمياء و الاقتصاد و علم وظائف الأعضاء أو الطب بالإضافة إلي مسؤولين و أعضاء من جامعات و أكاديميات متنوعة و يجب أن يقدم المقترحين تقرير يوضح السبب فى جدارة مرشحهم لنيل تلك الجائزة كما يؤدي الترشيح الذاتي تلقائيًا إلى إستبعاد المرشح و يجب تقديم مقترحات الجائزة إلى لجان نوبل في أو قبل 31 يناير من عام الجائزة .
و فى الأول من فبراير تبدأ لجان الجائزة الست (واحدة لكل فئة من فئات الجوائز) عملها على الترشيحات المتلقاة و كثيرًا ما يتم إستشارة الخبراء الخارجيين أثناء العملية لمساعدة اللجان في تحديد أصالة و أهمية مساهمة كل مرشح و خلال شهري سبتمبر و أوائل أكتوبر تكون تلك اللجان قد أنجزت عملها و قدمت توصياتها إلى الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم و المؤسسات الأخرى المتخصصة و عادة ما يتم إتباع توصيات اللجان و لكن ليس بشكل ثابت و تكون المداولات و التصويت داخل هذه المؤسسات سرية في جميع مراحلها و يجب أن يتخذ الفائزين القرار النهائي بحلول 15 نوفمبر و يجوز منح الجوائز للأفراد فقط بإستثناء جائزة السلام التي يمكن أيضًا منحها لمؤسسات و لا يجوز ترشيح أي فرد بعد وفاته و لكن الفائز الذي يموت قبل إستلام الجائزة قد يتم منحها بعد وفاته كما هو الحال مع “داج همرشولد” الأمين العام للأمم المتحدة حين حصل على نوبل فى السلام (1961) و “إريك أكسل كارلفيلدت” فى الأدب (1931) و “رالف شتاينمان” فى علم وظائف الأعضاء أو الطب (2011) حيث تم إعلانه فائزا بعد عدة أيام من وفاته و هو الأمر الذي لم تكن تعرفه الجمعية لذلك تقرر أنه سيبقى حائزًا على جائزة نوبل كما أن فى تلك الجائزة لا يجوز إستئناف الجوائز بالإضافة الى أن الدعم الرسمي سواء كان دبلوماسيًا أم سياسيًا لا يؤثر فى إختيار مرشح معين على عملية فوزه لأن الحائزين على جائزة نوبل مستقلبن عن الدولة .
الجوائز
تتكون جائزة نوبل من ميدالية ذهبية و دبلومة تحمل اقتباسًا و مبلغًا من المال يعتمد مقداره على دخل مؤسسة نوبل و من الممكن أن تُمنح بالكامل لشخص واحد و أحيانا تُقسم بالتساوي بين شخصين أو يتقاسمها ثلاثة أشخاص و في الحالة الأخيرة يمكن لكل من الأشخاص الثلاثة الحصول على حصة ثلث الجائزة أو يحصل إثنان معًا على نصف حصة , و في بعض الأحيان يتم حجب الجائزة حتى العام التالي و يتم إرجاع قيمتها مرة أخرى إلى الصناديق و عندما لا يتم منح الجائزة أو حجزها يمكن بالتالي منح جائزتين في نفس المجال أي الجائزة المحجوبة عن العام السابق و جائزة العام الحالي و يكون الإثنان في عام واحد و إذا تم رفض الجائزة أو لم يتم قبولها قبل تاريخ محدد فإن أموالها تعود إلى الصناديق و على مدار تاريخ جائزة نوبل تم رفض بعض الجوائز من قبل الفائزين بها و في بعض الحالات رفضت الحكومات السماح لمواطنيها بقبولها و مع ذلك فإن أولئك الذين فازوا بجائزة نوبل يدخلون في قائمة الحائزين عليها مع وضع ملاحظة أنهم رفضوا الجائزة و قد تختلف دوافع عدم القبول لأسباب أو لأخري و لكن في أغلب الأحيان يكون السبب هو ضغوط خارجية فعلى سبيل المثال في عام 1937 منع “أدولف هتلر” مواطنيه مستقبلا من قبول جائزة نوبل لأنه كان غاضبًا لمنح جائزة السلام عام 1935 للصحفي المناهض للنازية “كارل فون أوسيتسكي” الذي كان في ذلك الوقت سجينًا سياسيًا في “ألمانيا” .
و فى بعض الأعوام قد يتم حجب الجائزة أو عدم منحها عندما لا يمكن العثور على مرشح جدير بمعنى إرادة نوبل أو عندما يمنع الوضع العالمي جمع المعلومات المطلوبة للتوصل إلى قرار كما حدث خلال الحربين العالميتين الأولى و الثانية و تكون الجوائز مفتوحة للجميع بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو العقيدة أو الأيديولوجية و يمكن منحها أكثر من مرة لنفس المستلم و تقام العروض الإحتفالية لجوائز “الفيزياء و الكيمياء و علم وظائف الأعضاء والطب و الأدب و الاقتصاد” في “ستوكهولم” و يقام العرض من أجل “السلام” في “أوسلو” يوم 10 ديسمبر فى الذكرى السنوية لوفاة نوبل و عادة ما يتلقى الفائزين جوائزهم شخصيًا و يقدم كل منهم محاضرة فيما يتعلق بحفل توزيع الجوائز.
و من الملاحظ أنه عند تقديم الجائزة تكون تحت وضع المبادئ العامة التي وضعها “ألفريد نوبل” في وصيته و لكن في عام 1900 تم الاتفاق على قواعد تكميلية للتفسير و الإدارة بين المنفذين و ممثلي المؤسسات المانحة للجوائز و عائلة نوبل و تم إقرارها من قبل الملك و ظلت هذه القواعد قانونية بشكل عام دون تغيير و لكن تم تعديلها إلى حد ما في التطبيق فعلى سبيل المثال كان من الواضح أن شرط نوبل بمنح الجوائز على الإنجازات التي تحققت خلال “العام السابق” هو أمر غير عملي فيما يتعلق بالعلماء و حتى الكتاب حيث قد تكون الأهمية الحقيقية لإكتشافاتهم أو أبحاثهم أو كتاباتهم غير ملموسة بشكل سوى بعد مرور عدة سنوات لذلك تم تفسير شرط نوبل الغامض الذي يقضي بمنح جائزة الأدب لمؤلفي الأعمال ذات “الاتجاه المثالي” بصرامة في البداية و لكن تم تفسيره لاحقا تدريجيًا بشكل أكثر مرونة كما أن أساس جائزة الاقتصاد يجب أن يكون علميًا أي رياضيًا أو إحصائيًا و ليس سياسيًا أو إجتماعيًا .
مقتطفات سريعة حول جائزة نوبل
- الناشطة الباكستانية “ملالا يوسفزاي” هي أصغر الحائزين على الجائزة و حصلت عليها فى السلام عام 2014 عن عمر يناهز 17 عامًا فقط .
- العالم الأمريكي “جون جودإيناف” هو أكبر حائز على الجائزة و حصل عليها في الكيمياء عام 2019 عن عمر يناهز 97 عامًا .
- الفيزيائي الأمريكي “جون باردين” هو الوحيد الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء مرتين عامي 1956 و 1972 بينما العالم الأمريكي “فريدريك سانجر” هو الوحيد الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء مرتين عامي 1958 و 1980 .
- العالمة البولندية/الفرنسية “ماري كوري” هي المرأة الوحيدة التي تم تكريمها مرتين حيث حصلت على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903 و جائزة نوبل في الكيمياء عام 1911.
- حصلت 54 امرأة فقط على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2019.
- كان ثلاثة من الحائزين على الجائزة في السجن عندما حصلوا عليها و جميعهم كان فى فئة السلام و هم الناشط السلمي و الصحفي الألماني “كارل فون أوسيتسكي” عام 1935 و السياسي البورمي “أونج سان سو كي” في عام 1991 و الناشط الصيني في مجال حقوق الإنسان “ليو شياوبو” في عام 2010.
- دفع الملياردير الروسي “أليشر عثمانوف” 4.7 مليون دولار لشراء ميدالية نوبل الذهبية الممنوحة لعالم الأحياء “جيمس واتسون” عن عمله في فك رموز الحلزون المزدوج للحمض النووي لكنه أعاد الميدالية إلى الفائز و قال عثمانوف إن الميدالية يجب أن تبقى مع الفائز و أن الأموال التي دفعها يجب أن تذهب للبحث.