الإتحاد الأوروبي EU هو منظمة دولية أوروبية مسئولة عن التحكم فى السياسات الإقتصادية و الإجتماعية و الأمنية للدول أعضاءه و تأسس بموجب معاهدة ماستريخت التي دخلت حيز التنفيذ في 1 نوفمبر عام 1993 بهدف الوصول إلي التكامل السياسي و الإقتصادي الأوروبي من خلال إنشاء عملة موحدة و هى اليورو و التشاور من أجل التوافق علي سياسات خارجية و أمنية بالإضافة إلي تعزيز المواطنة المشتركة و التعاون في مجالات الهجرة و اللجوء و الشؤون القضائية و نظرا للكثير من المجهودات التى قام بها الإتحاد الأوروبي نحو تعزيز السلام و الديموقراطية فى دول قارة أوروبا حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2012 .
و من الملاحظ أن الإتحاد الأوروبي كان فى بداياته محصورا على دول أوروبا الغربية و بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي بدء فى التوسع إلى وسطها و شرقها و حتى اللحظة وصل تعداد الدول المنضمة إليه حاليا بعد إنسحاب المملكة المتحدة التى كانت عضو مؤسس به عام 2020 إلي 27 دولة و هم النمسا و بلجيكا و بلغاريا و كرواتيا و قبرص و جمهورية التشيك و الدانمارك و إستونيا و فنلندا و فرنسا و ألمانيا و اليونان و المجر و أيرلندا و إيطاليا و لاتفيا و ليتوانيا و لوكسمبورج و مالطا و هولندا و بولندا و البرتغال و رومانيا و سلوفاكيا و سلوفينيا و أسبانيا و السويد .
تاريخ الإتحاد الأوروبي
فكرة الإتحاد الأوروبي
يمثل الإتحاد الأوروبي واحدة في سلسلة من المجهودات التى بذلت لدمج دول أوروبا مع بعضها البعض منذ الحرب العالمية الثانية فعقب نهايتها سعت العديد من دول أوروبا الغربية إلى توثيق العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية لتحقيق النمو الإقتصادي و الأمن العسكري و تعزيز المصالحة الدائمة بين “فرنسا” و “ألمانيا” و تحقيقا لهذه الغاية و في عام 1951 وقع زعماء ستة بلدان و هم “بلجيكا و فرنسا و إيطاليا و لوكسمبورج و هولندا و ألمانيا الغربية” معاهدة باريس و عندما دخلت حيز التنفيذ عام 1952 أسسوا الجماعة الأوروبية للفحم و الصلب ( ECSC) و تمت دعوة “المملكة المتحدة” للإنضمام و في عام 1955 أرسلت ممثلًا لمراقبة المناقشات حول تطورها المستمر لكن حكومة حزب العمل الممثلة فى رئيس وزرائها “كليمنت أتلي” رفضت العضوية ربما بسبب مجموعة متنوعة من العوامل أبرزها رغبة البريطانيين في الحفاظ على الإستقلال الإقتصادي و لكن على أى حال أنشأت (ECSC) منطقة تجارة حرة للعديد من الموارد الإقتصادية و العسكرية الرئيسية و هى الفحم و فحم الكوك و الصلب و الخردة و خام الحديد كما أنشأت تلك المعاهدة أيضا عدد من المؤسسات التى تتحكم فيها و تقوم بإدارتها مثل (1) السلطة العليا للإدارة و (2) مجلس الوزراء للتشريع و (3) جمعية مشتركة لصياغة السياسة و (4) محكمة عدل لتفسير المعاهدة و حل نزاعاتها ذات الصلة و بعد ذلك تم توقيع سلسلة من المعاهدات الدولية الأخرى مع إجراء تعديلات على معاهدات أستندت إلى حد كبير على هذا النموذج حيث أصبحوا جميعا فى النهاية مبادئ إنشاء الإتحاد الأوروبي .
إنشاء المجموعة الإقتصادية الاوروبية
في 25 مارس عام 1957 وقع الأعضاء الستة في الجماعة الأوروبية للفحم و الصلب (ECSC) معاهدتي “روما” اللتان أسسا المجتمع الأوروبي للطاقة الذرية Euratom و الذي تم إنشائه لتسهيل التعاون في تطوير الطاقة النووية و البحث و الإستفادة منها و أيضا تأسيس المجموعة الإقتصادية الأوروبية (EEC) التى أنشأت سوقًا مشتركة تتميز بإزالة معظم الحواجز التي تعترض حركة السلع و الخدمات و رأس المال و العمالة كما حظرت معظم السياسات أو الإتفاقيات التي تمنع المنافسة في السوق و دعت إلي العمل على وضع سياسة زراعية و تجارة خارجية مشتركة .
و تطلبت المعاهدة المنشئة للمجموعة الإقتصادية الأوروبية (EEC) من الدول الأعضاء إلغاء أو مراجعة عدد من القوانين و اللوائح التى كانت داخل دولهم و العمل على القيام بإصلاحات جذرية للتعريفات و السياسات التجارية بحلول يوليو عام 1968 كما طلبت من الحكومات إلغاء اللوائح الوطنية التي تفضل الصناعات المحلية عن الأجنبية و التعاون في المجالات التي كانت تتصرف فيها الدول تقليديًا بشكل مستقل مثل التجارة الدولية (أي التجارة مع دول خارج المجموعة الاقتصادية الأوروبية) كما دعت المعاهدة أيضا إلى العمل بقواعد مشتركة بشأن السلوك المناهض للمنافسة و الإحتكارات و أنشأت الصندوق الإجتماعي الأوروبي الذي تم تصميمه لتعزيز فرص العمل من خلال تسهيل التنقل الجغرافي و المهني للعمال على إعتبار أن السياسة الإجتماعية هى عنصر أساسي في التكامل الاقتصادي .
و رغم وضع تلك المعاهدة لسياسات زراعية مشتركة الا أنه كان من الواضح بشكل ملحوظ صعوبة إمتداد تلك الإصلاحات الى المجال الزراعي حيث كان من الضروري على الدولة أن تتدخل لحماية مستويات معيشة المزارعين و تعزيز الإكتفاء الذاتي الزراعي و ضمان إمدادات موثوقة من المنتجات بأسعار معقولة و كما حدث مع منظمة (ECSC) سابقا فقد تم إنشاء أربع مؤسسات حاكمة رئيسية للمجموعة الإقتصادية الأوروبية (EEC) و هى (1) لجنة حاكمة و (2) مجلس وزاري و (3) مجلس و (4) محكمة و بحلول عام 1965 وقع أعضاء اللجنة الإقتصادية الأوروبية على معاهدة “بروكسل” التي دمجت لجنتي المجموعة الإقتصادية الأوروبية و المجتمع الأوروبي للطاقة الذرية و السلطة العليا للجنة الأوروبية للفحم و الصلب في لجنة واحدة كما جمعت مجالس المنظمات الثلاث في مجلس وزراء مشترك و أصبحت EEC و Euratom و ECSC يشار إليها مجتمعة بإسم الجماعات الأوروبية و التى أصبحت فيما بعد المؤسسات الرئيسية الخاصة بالإتحاد الأوروبي.
و بحلول فترة خلال السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي وسعت (EEC) بشكل تدريجي عضويتها و نطاقها ففي عام 1973 تم قبول “المملكة المتحدة و الدانمارك و أيرلندا” تلاها “اليونان” عام 1981 ثم “البرتغال و إسبانيا” عام 1986 و نظرا لوجود سياسة تجارية خارجية مشتركة للمجتمع الأوروبي فقد ولد ذلك ضغوطًا من أجل سياسات خارجية و تنموية مشتركة لذلك و في أوائل السبعينيات من القرن الماضي أنشأت مجموعة التعاون السياسي الأوروبي (EPC) التى أعيد تسميتها لاحقا الى منظمة السياسة الخارجية و الأمنية المشتركة و تدار من خلال إجتماعات منتظمة لوزراء خارجية كل دولة لتنسيق السياسة الخارجية و في عام 1975 تم إنشاء الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية لمعالجة التفاوتات الاقتصادية الإقليمية و لتوفير موارد إضافية للمناطق الأكثر حرمانًا في أوروبا كما قام الأعضاء أيضًا بعدة محاولات لإدارة أسعار الصرف الخاصة بهم بشكل جماعي مما أدى إلى إنشاء النظام النقدي الأوروبي عام 1979.
القانون الأوروبي الموحد
نتيجة صدور القانون الأوروبي الموحد (SEA) الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو عام 1987 عمل ذلك على توسيع نطاق المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) بشكل كبير و قد أعطى إجتماعات (EPC) أساسًا قانونيًا أدى إلى طلب المزيد من التنسيق المكثف للسياسة الخارجية بين الأعضاء و على الرغم من إتخاذ قرارات السياسة الخارجية خارج مؤسسات المجتمع الأوروبي الا أن ذلك القانون كان قد جلب صندوق التنمية الإقليمية الأوروبية رسميًا إلى معاهدات المجتمع الأوروبي كجزء جديد يهدف إلي التماسك الإقتصادي و الإجتماعي بغرض تشجيع تنمية المناطق المحرومة إقتصاديًا و نتيجة لهذا القانون أيضا كانت هناك زيادة كبيرة في تمويل البرامج الإجتماعية و الإقليمية.
و بشكل عام نستطيع القول أن القانون الأوروبي الموحد وضع جدولاً زمنياً لإستكمال السوق المشتركة رغم وجود مجموعة متنوعة من الحواجز القانونية و التقنية و المالية و المادية التى عملت على تقييد حرية حركة السلع و العمالة و رأس المال و الخدمات فعلى سبيل المثال كانت الإختلافات في معايير الصحة و السلامة الوطنية للسلع الإستهلاكية عائقًا محتملاً أمام التجارة و لتسهيل إستكمال السوق المشتركة كان من المفترض أن تقترح لجنة التشريع ذلك التعديل ثم يتم إستشارة البرلمان و بعدها يتخذ مجلس الوزراء قرارًا نهائيًا و للوصول إلي ذلك القرار كان من الضروي الإجماع عليه هو أمر صعب نظرا لأن كل عضو يمتلك حق النقض على جميع التشريعات لذلك قام القانون الأوروبي الموحد بإختصار ذلك و أعتمد إعتماد التصويت بحسب الأغلبية حيث أصبح يتطلب للموافقة على التشريع ما يقرب من ثلثي أصوات جميع الأعضاء و أدى ذلك الإجراء الجديد أيضًا إلى زيادة دور البرلمان الأوروبي.
معاهدة ماستريخت أو معاهدة الإتحاد الأوروبي
أنشأت معاهدة ماستريخت (المعروفة رسميًا باسم معاهدة الاتحاد الأوروبي) التي تم التوقيع عليها في 7 فبراير عام 1992 مفهوم الإتحاد الأوروبي بشكل رسمي حيث واجهت تلك المعاهدة مقاومة كبيرة في بعض البلدان مثل الدانمارك على سبيل المثال بعد أن رفض الناخبين الذين كانوا قلقين بشأن التعدي على سيادة بلادهم الإستفتاء على المعاهدة الأصلية في يونيو عام 1992 على الرغم من الموافقة على المعاهدة المنقحة في مايو التالي كما وافق الناخبين في “فرنسا” بفارق ضئيل على تلك المعاهدة في سبتمبر و في يوليو عام 1993 أضطر رئيس الوزراء البريطاني “جون ميجور” إلى الدعوة إلى تصويت على الثقة من أجل تأمين تمريرها ثم دخلت نسخة معدلة من المعاهدة حيز التنفيذ رسميًا في 1 نوفمبر عام 1993.
و تتألف المعاهدة من ثلاث ركائز رئيسية و هى (1) المجموعات الأوروبية و (2) السياسة الخارجية و الأمنية المشتركة و (3) تعزيز التعاون في الشؤون الداخلية و العدالة , كما غيرت المعاهدة اسم المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) إلى المجموعة الأوروبية (EC) و التي أصبحت المكون الأساسي للإتحاد الأوروبي الجديد و أعطت الإتفاقية للمفوضية الأوروبية سلطات أوسع بما في ذلك الرقابة الرسمية على سياسات المجتمع بشأن التنمية و التعليم و الصحة العامة و حماية المستهلك و حماية البيئة و التماسك الإجتماعي و الإقتصادي و البحث التكنولوجي كما أنشأت جنسية الإتحاد الأوروبي و التي تعطي مواطني ذلك الكيان الحق في التصويت و الترشح للمناصب في إنتخابات البرلمان المحلي و الأوروبي في بلد إقامتهم بغض النظر عن الجنسية الوطنية .
و بالإضافة الى ما سبق فقد حددت معاهدة ماستريخت جدول أعمال لدمج السياسة النقدية في المجموعة الأوروبية و التخطيط الرسمي الذي بدأ في أواخر الثمانينيات لإستبدال العملات الوطنية بعملة مشتركة تديرها المؤسسات النقدية المشتركة و حددت المعاهدة مجموعة من معايير التقارب التي حددت الشروط التي بموجبها يكون العضو مؤهلاً للمشاركة في تلك العملة الموحدة حيث كان يجب على البلدان أن يكون لديها عجز سنوي في الميزانية لا يتجاوز 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي و أن يكون الدين العام أقل من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي و معدلات التضخم في حدود 1.5 في المائة و إستقرار سعر الصرف و على الرغم من فشل العديد من البلدان في تلبية معايير التقارب (على سبيل المثال تجاوز الدين العام في إيطاليا و بلجيكا 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) فإن المفوضية مؤهلة لجمع الأعضاء تقريبًا للإتحاد النقدي و في 1 يناير عام 1999 قامت 11 دولة و هى “النمسا و بلجيكا و فنلندا و فرنسا و ألمانيا و أيرلندا و إيطاليا و لوكسمبورج و هولندا و البرتغال و إسبانيا” بتبنى عملة اليورو و تخلت عن السيطرة على أسعار الصرف بينما فشلت “اليونان” في التأهل لذلك و أختارت “الدانمارك و السويد و المملكة المتحدة” عدم التقدم بطلب للعضوية و لكن تم قبول “اليونان” في اليورو اعتبارًا من عام 2001 و كان يتم إستخدام تلك العملة في البداية فقط من قبل الأسواق المالية و الشركات ثم تم تقديمها للإستخدام من قبل عامة الناس في 1 يناير 2002.
و بالاضافة الى ما سبق فقد عدلت معاهدة ماستريخت بشكل كبير مؤسسات المجموعة الإقتصادية الأوروبية و عمليات صنع القرار و تم إصلاح اللجنة لزيادة مساءلتها أمام البرلمان و إبتداء من عام 1995 تم تمديد فترة ولاية المفوضين الذين يتعين الآن الموافقة عليهم من قبل البرلمان إلى خمس سنوات لتتوافق مع الشروط التي يخدمها أعضاء البرلمان و مُنحت محكمة العدل الأوروبية سلطة فرض غرامات على الأعضاء بسبب عدم الامتثال و تم إنشاء العديد من المؤسسات الجديدة بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي و النظام الأوروبي للبنوك المركزية و معهد النقد الأوروبي كما أنشأت المعاهدة أيضًا لجنة إقليمية عملت كهيئة إستشارية للمفوضين و مجلس الوزراء بشأن القضايا ذات الصلة بالدوائر دون الوطنية أو الإقليمية أو المحلية.
و كجزء من الركيزة الثانية للمعاهدة تعهد الأعضاء بتحديد و تنفيذ السياسات الخارجية و الأمنية المشتركة و أتفقوا حيثما أمكن على تبني سياسات دفاعية مشتركة و التي سيتم تنفيذها من خلال الاتحاد الأوروبي الغربي و هي منظمة أمنية تضم العديد من أعضاء الإتحاد الأوروبي كما تضمنت الدعامة الثالثة للمعاهدة التى أنشأت الإتحاد الأوروبي عدة مجالات ذات اهتمام مشترك تتعلق بحرية تنقل الأشخاص داخل حدود الإتحاد .
التوسيع و إصلاحات ما بعد ماستريخت
في 1 يناير عام 1995 أنضمت “السويد و النمسا و فنلندا” رسميا إلى الإتحاد الأوروبي تاركة “آيسلندا و النرويج و سويسرا” بإعتبارها الدول الأوروبية الغربية الرئيسية الوحيدة خارج المنظمة و حاولت حكومة النرويج مرتين (1972 و 1994) الإنضمام لكن ناخبيها رفضوا العضوية في كل مناسبة و قدمت “سويسرا” طلبها في أوائل التسعينيات و لكن على أى حال تعتبر “النرويج و أيسلندا” و أعضاء الاتحاد الأوروبي (إلى جانب ليختنشتاين) هم أعضاء في منطقة تجارة حرة تسمى المنطقة الاقتصادية الأوروبية و التي تسمح بحرية الحركة للسلع والخدمات و رأس المال و الأشخاص.
و بعد معاهدة ماستريخت قامت معاهدتان لاحقتان بمراجعة سياسات و مؤسسات الإتحاد الأوروبي حيث تم التوقيع على المعاهدة الأولى و هي “معاهدة أمستردام” عام 1997 و دخلت حيز التنفيذ في 1 مايو 1999 و التى بناءً على البروتوكول الإجتماعي لمعاهدة ماستريخت حددت أهداف الإتحاد الأوروبي لتعزيز التوظيف و تحسين ظروف المعيشة و العمل و الظروف الملائمة مع إضافة حماية ضد التمييز على أساس الجنس و نقل اللجوء و الهجرة و السياسة القضائية المدنية إلى إختصاص المجتمع و منح مجلس الوزراء سلطة معاقبة الأعضاء على الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الأساسية و منح البرلمان حق النقض (الفيتو) على مجموعة واسعة من سياسات المفوضية الأوروبية بالإضافة إلى سلطة رفض مرشح المجلس الأوروبي لمنصب رئيس المفوضية و بعد ذلك تم التوقيع على معاهدة ثانية و هى “معاهدة نيس” عام 2001 و دخلت حيز التنفيذ في 1 فبراير 2003 و تم التفاوض عليها إستعدادًا لقبول أعضاء جدد من أوروبا الشرقية و تضمنت إصلاحات رئيسية مثل تحديد الحد الأقصى لعدد المقاعد في اللجنة بـ 27 و تحديد عدد المفوضين المعينين من قبل الأعضاء و منح رئيس اللجنة استقلالية أكبر عن الحكومات الوطنية و تمديد التصويت بالأغلبية المؤهلة في مجلس الوزراء إلى عدة مناطق جديدة .
و بعد نهاية الحرب الباردة تقدم العديد من الدول الشيوعية السابقة في شرق و وسط أوروبا بطلب للحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي و مع ذلك و نتيجة إفتقارهم النسبي إلى التنمية الإقتصادية التى هددت بإعاقة إندماجهم الكامل في مؤسسات الإتحاد الأوروبي فقد تم النظر في نظام غير مكتمل تشارك بموجبه تلك البلدان في بعض مكونات التكامل الاقتصادي (على سبيل المثال منطقة التجارة الحرة) و لكن ليس في مكونات أخرى (على سبيل المثال العملة الموحدة) كما تقدمت “تركيا” الواقعة على أطراف أوروبا بطلب للحصول على العضوية على الرغم من أن طلبها كان مثيرًا للجدل لأنها كانت دولة ذات أغلبية إسلامية و لأنها اتُهمت على نطاق واسع بإنتهاكات لحقوق الإنسان و لأن علاقاتها مع “اليونان” متوترة تاريخيًا (بسبب مشكلة قبرص) و من ناحية أخرى و على الرغم من معارضة أولئك الذين كانوا يخشون أن يؤدي توسع الإتحاد الأوروبي إلى خنق الإجماع و منع تطوير السياسات الخارجية و الأمنية على مستوى أوروبا فقد وافق الإتحاد الأوروبي عام 2004 على قبول 10 دول “قبرص و جمهورية التشيك و إستونيا و المجر و لاتفيا و ليتوانيا و مالطا و بولندا و سلوفاكيا و سلوفينيا” و كانت جميعها بإستثناء دولتين “قبرص و مالطا” من الدول الشيوعية السابقة ثم أنضمت “بلغاريا و رومانيا” في عام 2007 و بدأت المفاوضات بشأن طلب عضوية “تركيا” في عام 2005 لكنها واجهت العديد من الصعوبات .
و بناءً على الأهداف الاقتصادية و السياسية المحدودة للجنة (ECSC) حققت دول أوروبا الغربية مستوى غير مسبوق من التكامل و التعاون و وصلت درجة التكامل القانوني و السلطة السياسية فوق الوطنية و التكامل الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي الى درجة تفوق تجاوزت بحد كبير تلك التي تتمتع بها المنظمات الدولية الأخرى و على الرغم من أن الإتحاد الأوروبي لم يحل محل الدولة القومية إلا أن مؤسساته أصبحت تشبه بشكل متزايد نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا برلمانيًا على المستوى فوق الوطني.
و في عام 2002 تم تأسيس إتفاقية مستقبل أوروبا برئاسة الرئيس الفرنسي السابق “فاليري جيسكار ديستان” لصياغة دستور للاتحاد الأوروبي الموسع و كان من بين أصعب المشكلات التي واجهت واضعي الوثيقة كيفية توزيع السلطة داخل الإتحاد الأوروبي بين الأعضاء الكبار و الصغار و كيفية تكييف مؤسسات المنظمة لإستيعاب عضوية أكبر بأربعة أضعاف من عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية الأصلية كما أحتاج واضعى البرامج أيضًا إلى تحقيق التوازن بين نموذج التكامل الأعمق و هدف حماية التقاليد الوطنية للأعضاء و أثارت عملية الصياغة جدلًا كبيرًا لا سيما حول مسألة ما إذا كان الدستور يجب أن يذكر الله و التراث المسيحي فى الوثيقة النهائية ( لم تذكر لاحقا ) حيث تم التوقيع على الدستور المقترح عام 2004 لكنه تطلب تصديق جميع أعضاء الإتحاد الأوروبي ليصبح ساري المفعول و رفضه الناخبون في “فرنسا و هولندا” عام 2005 مما أدى إلى إفساد الدستور على المدى القصير على الأقل حيث كان من المفترض أن يخلق رئيسًا متفرغًا و وزير خارجية أوروبيًا و مدعيًا عامًا و ميثاقًا للحقوق الأساسية و بموجب ذلك الدستور أيضا كان من الممكن توسيع صلاحيات البرلمان الأوروبي بشكل كبير و إعطاء الإتحاد الأوروبي “الشخصية القانونية” التي تنطوي على الحق الوحيد في التفاوض بشأن معظم المعاهدات نيابة عن أعضائه.
و تحت قيادة ” ألمانيا ” بدأ العمل في أوائل عام 2007 على معاهدة إصلاح تهدف إلى إستبدال ذلك الدستور الفاشل و قد تطلبت معاهدة لشبونة الناتجة و الموقعة في ديسمبر من نفس العام موافقة جميع الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 دولة حتى تصبح سارية المفعول حيث أنشئت المعاهدة التي أحتفظت بأجزاء من مسودة الدستور رئاسة للاتحاد الأوروبي و وطدت تمثيل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي و وضع صلاحيات إضافية إلى المفوضية الأوروبية و محكمة العدل الأوروبية و البرلمان الأوروبي و على عكس مشروع الدستور فإن معاهدة لشبونة ستعدل المعاهدات القائمة بدلاً من أن تحل محلها و فشلت المعاهدة في المدى القصير في يونيو 2008 بعد أن رفضها الناخبين في إستفتاء وطني في “أيرلندا” و مع ذلك في استفتاء ثانى في أكتوبر 2009 وافق الناخبين بأغلبية ساحقة على المعاهدة حيث كانوا قلقين على ما يبدو من أن تصويت “لا” آخر سيعرض الإقتصاد الأيرلندي المتعثر للخطر و بعد أسبوع من التصويت الأيرلندي أكملت “بولندا” تصديقها على المعاهدة أيضًا التى بقيت في إنتظار المصادقة عليها من قبل دولة واحدة فقط و هى “جمهورية التشيك” فعلى الرغم من أن البرلمان التشيكي قد وافق بالفعل على المعاهدة الا أن رئيس الدولة “فاتسلاف كلاوس” أعرب عن قلقه من أن ذلك سيهدد السيادة التشيكية و رفض التوقيع عليها و في أوائل نوفمبر و بعد أن قضت المحكمة الدستورية التشيكية بأن المعاهدة لا تعرض الدستور التشيكي للخطر أيد “كلاوس” الوثيقة على مضض و أستكمل عملية التصديق في البلاد. و بعد أن تمت الموافقة عليها من قبل جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 1 ديسمبر 2009 .
مكونات الإتحاد الاوروبي
و تتكون المفوضية (المعروفة رسميًا بإسم المفوضية الأوروبية) من خدمة مدنية دائمة يديرها المفوضون و كان لها ثلاث وظائف أساسية و هى (1)صياغة سياسات المجتمع الاوروبي و (2) مراقبة الإمتثال لقرارات المجتمع و (3) الإشراف على تنفيذ قانون المجتمع حيث كان في البداية يتم تعيين المفوضين من قبل الأعضاء لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد ثم تم تمديدها لاحقًا إلى خمس سنوات و يرأس اللجنة رئيس يتم إختياره من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات لأعضاء المنظمة , و بالتشاور مع الحكومات الأعضاء يعين الرئيس رؤساء المديريات العامة التي تدير مجالات محددة مثل الزراعة و المنافسة و البيئة و السياسة الإقليمية و تشارك المفوضية في وضع جدول الأعمال مع المجلس الأوروبي الذي يتكون من قادة جميع الدول الأعضاء و الذى تأسس عام 1974 و يجتمع مرتين على الأقل في العام لتحديد جدول الأعمال طويل المدى للتكامل السياسي و الاقتصادي الأوروبي و يكون على رأس المجلس الأوروبي رئيس و هو منصب يتناوب في الأصل بين رؤساء الدول أو رؤساء حكومات الدول الأعضاء كل ستة أشهر و عند إعتماد معاهدة لشبونة عام 2009 أصبحت الرئاسة دائمة حيث يتم إختيار صاحب المنصب من قبل أعضاء المجلس الأوروبي و يخدم الرئيس لمدة عامين و نصف قابلة للتجديد مرة واحدة و يكون بمثابة “واجهة” الإتحاد الأوروبي في المسائل السياسية و كان أول رئيس فى تاريخ الإتحاد الاوروبي هو رئيس الوزراء البلجيكي السابق “هيرمان فان رومبوي” .
و تعتبر مؤسسة صنع القرار الرئيسية للمجموعة الإقتصادية الأوروبية و الجماعة الأوروبية و الإتحاد الأوروبي لاحقا هو “مجلس الإتحاد الأوروبي” (مجلس الوزراء في الأصل) و الذي يتكون من ممثلين وزاريين و يتغير تكوينه بشكل متكرر حيث ترسل الحكومات ممثلين مختلفين حسب مجال السياسة قيد المناقشة و تتطلب جميع تشريعات المجتمع موافقة ذلك المجلس الذى يديره رئيس و يتناوب أعضاءه على رئاسة المجلس كل ستة أشهر حيث من يترأس إجتماعات ذلك المجلس هو وزير من الدولة التي تتولى الرئاسة حاليًا و يعد الإستثناء من هذه القاعدة هو مجلس الشؤون الخارجية الذي يخضع منذ التصديق على معاهدة لشبونة للإشراف الدائم للممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية و السياسة الأمنية أما بالنسبة إلي (الجمعية المشتركة) التي أعيد تسميتها لاحقا إلى “البرلمان الأوروبي” فقد كانت تتألف في الأصل من مندوبين من البرلمانات الوطنية و إبتداء من عام 1979 أصبح يتم إنتخاب الأعضاء مباشرة لمدة خمس سنوات حيث يختلف حجم وفود الأعضاء بحسب عدد السكان و يتم تنظيم البرلمان في مجموعات حزبية على أساس الأيديولوجية السياسية حيث يوجد فى البرلمان الأوروبي أحزاب الإشتراكيين الأوروبيين و حزب الشعب الأوروبي و الإتحاد الأوروبي لأحزاب الخضر و الحزب الليبرالي و الديمقراطي و الإصلاحي الأوروبي و حتى عام 1987 كان المجلس التشريعي بمثابة هيئة استشارية فقط على الرغم من أنه في عام 1970 مُنح سلطة مشتركة لصنع القرار (مع مجلس الوزراء) فى الامور الخاصة بنفقات المجتمع .
و بالنسبة إلي محكمة العدل الأوروبية (ECJ) فهى المسئولة عن تفسير قانون المجتمع و تسوية النزاعات بين مؤسسات المنظمة و تحدد ما إذا كان الأعضاء قد أوفوا بالتزاماتهم التعاهدية من عدمه و يختار كل عضو قاضًيا واحدًا يعمل لمدة ست سنوات قابلة للتجديد و يساعد ثمانية من المحامين العامين المحايدين محكمة العدل الأوروبية من خلال تقديم آراء حول القضايا المعروضة على المحكمة كما أنشأت محكمة العدل الأوروبية مبدأين قانونيين هامين أولاً و هو أن القانون الأوروبي له “تأثير مباشر” مما يعني أن أحكام المعاهدات و التشريعات ملزمة بشكل مباشر للمواطنين الأفراد بغض النظر عما إذا كانت حكوماتهم قد عدلت القوانين الوطنية وفقًا لذلك و ثانيًا يكون لقانون المجتمع “سيادة” على القانون الوطني في الحالات التي يتعارض فيها الإثنان و قد أشار إصدار معاهدة لشبونة إلى قبول هذه المبادئ القانونية من قبل المحاكم الوطنية و هو ما معناه إكتساب محكمة العدل الأوروبية سلطة قانونية فوق وطنية .
أزمات يواجهها الإتحاد الأوروبي
أزمة ديون منطقة اليورو
كانت أزمة الديون السيادية التي هزت منطقة اليورو بداية من عام 2009 هى التحدي الأكبر الذي واجهه حتى الآن أعضاء الإتحاد الأوروبي و لا سيما الهياكل الإدارية حيث بدأ الإنكماش الإقتصادي في “اليونان” و سرعان ما أنتشر ليشمل “البرتغال و أيرلندا و إيطاليا و إسبانيا” و هو ما هدد ببقاء العملة الموحدة و بالتالي الإتحاد الأوروبي نفسه و مع إستمرار تآكل الثقة في الاقتصادات المنكوبة قللت وكالات التصنيف من الجدارة الائتمانية لتلك البلدان و أرتفعت تكاليف الإقتراض مع إرتفاع عائدات السندات الحكومية و وجدت تلك البلدان صعوبة متزايدة في الحصول على التمويل و تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات المؤقتة من قبل الإتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي في محاولة لوقف إنتشار الأزمة و لكن سرعان ما أصبح من الواضح أن إستجابة أكبر و أكثر تنظيماً ستكون مطلوبة حيث حاولت أكبر قوتين إقتصاديتين و هم “ألمانيا ” و “فرنسا ” بذل الجهود لتحقيق الإستقرار في اليورو الذي هبط إلى أدنى مستوى له منذ أربع سنوات مقابل الدولار الأمريكي و لمحاولة الحفاظ على القدرة المالية لأعضاء منطقة اليورو المعرضين للخطر و تمت الموافقة على حزمة إنقاذ لليونان في مايو 2010 و على مدار العامين التاليين تم تجميع أموال إنقاذ مماثلة لأيرلندا و البرتغال و إسبانيا و قبرص و تسببت الأزمة الاقتصادية و تدابير التقشف المرتبطة بها في خسائر سياسية مروعة للأحزاب الحاكمة في جميع أنحاء القارة بين مارس 2011 و مايو 2012 و شهد أكثر من نصف أعضاء منطقة اليورو البالغ عددهم 17 دولة إنهيار حكوماتهم أو تغييرها.
أزمة أوكرانيا
في أوائل عام 2014 واجه الإتحاد الأوروبي ما قد يكون أكبر أزمة في السياسة الخارجية منذ إنهيار “يوغوسلافيا” ففي نوفمبر 2013 وقعت جمهوريتا “جورجيا و مولدوفا” السوفييتيتان السابقتان إتفاقية شراكة مع الإتحاد الأوروبي و تعهدا بعلاقات سياسية و إقتصادية أوثق و تراجعت أوكرانيا التي كان من المقرر أن توقع الإتفاق في اللحظة الأخيرة بضغط من “روسيا” و هو ما أثار موجة من الإحتجاجات الشعبية التي تحولت إلى أعمال عنف في فبراير 2014 و خلفت حملة القمع الحكومية الدموية العشرات من القتلى و المئات من الجرحى و مع تفكك القاعدة السياسية للرئيس ” يانكوفيتش ” فر إلى “روسيا” و تولت حكومة مؤقتة السلطة في العاصمة الأوكرانية “كييف” و سيطرت قوات مجهولة الهوية ترسل معدات روسية على مواقع رئيسية في شبه جزيرة القرم و هي جمهورية أوكرانية تتمتع بالحكم الذاتي أغلب سكانها من الروس و أستولى مسلحون على مبنى البرلمان الإقليمي و تم تنصيب رئيس وزراء موال لروسيا و مع استمرار حشد القوات الروسية أعلنت حكومة القرم من جانب واحد استقلالها عن “أوكرانيا” و تم تحديد موعد الاستفتاء على عجل و صرح 97 في المائة من ناخبي القرم عن تفضيلهم للانضمام إلى الاتحاد الروسي و دعا قادة الإتحاد الأوروبي إلى الحوار و فرضوا عقوبات إقتصادية على عدد من كبار مسؤولي الكرملين و الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الا أنه قرر ضم شبه جزيرة القرم في 21 مارس 2014 و في نفس اليوم وقع رئيس الوزراء الأوكراني المؤقت “أرسيني ياتسينيوك” جزءًا من إتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي التي أشعلت الأزمة في الأصل .
ثم توسعت أزمة أوكرانيا مع إحتلال المتشددين الموالين لروسيا المباني الحكومية في شرقها و تم توسيع حزمة عقوبات الإتحاد الأوروبي الحالية ضد الأفراد و الشركات الروسية و في أبريل عام 2014 تفاوض الإتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي على صفقة إنقاذ بقيمة 17 مليار دولار لتعزيز الاقتصاد الأوكراني المتعثر .
التشكيك فى جدوي الإتحاد الأوروبي
أصبح جدوي الإتحاد الأوروبي لدى العديد من مواطنيه محل شك حيث شهدت إنتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2014 إنتصارات غير مسبوقة من قبل حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP) في “بريطانيا” و الجبهة الوطنية في “فرنسا” حيث تحول الناخبين في جميع أنحاء أوروبا إلى أحزاب مناهضة للتأسيس بينما أحتفظ تحالف يمين الوسط و يسار الوسط بالأغلبية في البرلمان الأوروبي و أضطر قادة الإتحاد الأوروبي إلى معالجة الأداء الانتخابي القوي للأحزاب التي كانت أهدافها المعلنة إعادة الهيكلة الجذرية أو الإلغاء التام للسمات المميزة للاتحاد الأوروبي و بحلول عام 2015 أستفاد المناهضين من أزمة المهاجرين المستمرة في أوروبا حيث سعى مئات الآلاف من اللاجئين من الشرق الأوسط و أفريقيا إلى اللجوء في الإتحاد الأوروبي و لقي الآلاف حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط و وجد آلاف آخرون أنفسهم مدفونين في مخيمات مؤقتة حيث علقت البلدان مشاركتها في إتفاقية شنجن و أعادت فرض ضوابط على الحدود الداخلية حتى أن بعض من زعماء تلك الحركات ربطوا ما بين تدفق المهاجرين و الهجمات الإرهابية المميتة التى حدثت في باريس و بروكسل.
البريكست
في مواجهة ضغوط الحركة الراغبة فى الخروج من الإتحاد الأوروبي و كذلك الأعضاء المشككين من حزبه المحافظ أجرى رئيس الوزراء البريطاني “ديفيد كاميرون” إعادة التفاوض على العلاقة بين الإتحاد الأوروبي و “المملكة المتحدة” حيث أختتمت هذه المحادثات في فبراير عام 2016 و قام “كاميرون” بتحديد موعد الاستفتاء الذي طال إنتظاره بشأن إستمرار عضوية “بريطانيا” في الإتحاد الأوروبي و الذى كان في يونيو عام 2016 و على الرغم من النجاح النسبي لكاميرون في تحقيق “وضع خاص” لبريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي الا أنه في 23 يونيو صوت حوالي 52 في المئة من الناخبين البريطانيين بمغادرة الإتحاد الأوروبي و فى المقابل تعهد قادته بالتضامن في مواجهة خروج “بريطانيا” و حثوها على بدء إجراءات الفصل في أقرب وقت ممكن لإعادة الاستقرار إلى الإتحاد الأوروبي و في صباح اليوم التالي أعلن “كاميرون” أنه سيستقيل من منصب رئيس الوزراء و في يوليو خلفته “تيريزا ماي” التى تعهدت بخروج “بريطانيا ” من الإتحاد الأوروبي بشكل سلس .
و في نوفمبر عام 2016 قضت المحكمة العليا البريطانية بأنها لا تستطيع تفعيل المادة 50 من آلية معاهدة لشبونة لإنسحاب دولة من الإتحاد الأوروبي دون موافقة برلمانية و بعد شهور من الجدل بين حكومة “ماي” و المحاكم و مجلسي البرلمان أصبح من الواضح أن الإنفصال بين الطرفين لن يكون سهلاً أما في “أسكتلندا” حيث انتخب الناخبين بأغلبية ساحقة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي فقد أعربت الوزيرة الأولى “نيكولا ستورجون” عن دعمها لإستفتاء استقلال اسكتلندي ثانى كما أختار الناخبين في أيرلندا الشمالية أيضًا البقاء داخل الإتحاد الأوروبي و ربما كانت القضية الأكثر إلحاحًا في مفاوضات خروج “بريطانيا” هي الحدود بين أيرلندا (عضو في الاتحاد الأوروبي) و أيرلندا الشمالية ( و هي وحدة مكونة من المملكة المتحدة لم يتم تفويض حكومتها للتصرف بشكل مستقل فيما يتعلق بالمادة 50 حيث خلصت دراسات الى أن ما يقرب من 150 نشاطًا عابرًا للحدود سيتأثر سلبًا بإعادة فرض الضوابط الحدودية بالإضافة إلى ذلك كان هناك حوالي 275 معبرًا حدوديًا بريًا بين “أيرلندا الشمالية” و “أيرلندا” أي أكثر من ضعف عدد المعابر التي كانت موجودة على طول الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي التي يبلغ طولها 6000 كم و التي امتدت من “فنلندا” إلى “اليونان” .
و في محاولة لتعزيز أغلبيتها البرلمانية الضئيلة و تقوية يدها في مفاوضات خروج “بريطانيا” من الإتحاد الأوروبي دعت “ماي” إلى إجراء إنتخابات مبكرة في 8 يونيو عام 2017 و لكن جائت تلك الدعوة بنتائج عكسية حيث فقد حزبها المحافظ أغلبيته بالكامل و واجهت دعوات من أجل إستقالتها من منصب رئيس الوزراء و بعد أسابيع من المفاوضات تمكنت من تشكيل حكومة أقلية بدعم من الحزب الوحدوي الديمقراطي في “أيرلندا الشمالية” و لكن فى النهاية واجهت سلسلة من الرفض المحرج من حزبها و تم التصويت على خطة خروج “بريطانيا” من الإتحاد الأوروبي في ثلاث مناسبات منفصلة من قبل البرلمان و أستقالت “ماي” بعد أن أستنفدت خياراتها من منصبها كرئيسة للوزراء و جاء بعدها “بوريس جونسون” وزير خارجيتها السابق و أحد أبرز الوجوه المؤيدة لخروج “بريطانيا” من الإتحاد الأوروبي و كان أداءه أفضل قليلاً من ” ماي ” و أضطر إلى طلب تمديد ثالث لموعد خروج “بريطانيا” من الإتحاد الأوروبي و دخل رهانا هو الاخر على أنه يمكن أن ينجح حيث فشلت “ماي” و دعا إلى إنتخابات مبكرة في ديسمبر 2019 رافعا شعار “احصل على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” و أثبتت مقامرته نجاحًا هائلاً و فاز المحافظين بأغلبية برلمانية كبيرة و بعد أن قام بالفعل بتطهير صفوف الحزب من المعارضين الذين عرقلوا إقتراحه و لم يعد مدينًا بالفضل للحزب الديمقراطي الاتحادي فيما يتعلق بمسائل الحدود الأيرلندية و وجد “جونسون” نفسه الآن في وضع يسمح له بتحقيق رؤيته لخروج “بريطانيا” من الإتحاد الأوروبي و في 20 ديسمبر 2019 ، أقر البرلمان مشروع قانون “جونسون” بشأن خروج “بريطانيا” من الإتحاد الأوروبي و منح البرلمان الأوروبي موافقته على الإتفاقية بعد شهر و في 31 يناير عام 2020 غادرت “المملكة المتحدة” رسميًا و بدأت فترة تنفيذ و انتقال مدتها 11 شهرًا .
كورونا
بعد إنتشار وباء كورونا عالميا و في مارس عام 2020 أصبحت “إيطاليا” بؤرة إنتشاره و أعادت بلدان الإتحاد الأوروبي فرض ضوابط على الحدود في محاولة لوقف إنتشاره حيث تم تعليق حرية تنقل الأشخاص و هي إحدى الركائز الأساسية للاتحاد الأوروبي و تسابقت الحكومات لتطوير و توزيع لقاح فعال و سنت السلطات الوطنية و المحلية عمليات إغلاق و أغلقت المدارس و الشركات غير الضرورية كما تم تقييد حركة السفر الداخلي في محاولة لمنع تفشي المرض و تشير الدلائل إلى أن جهود التخفيف هذه أنقذت أرواحًا لا حصر لها لكن التكلفة الإجتماعية و الإقتصادية كانت هائلة حيث أرتفعت معدلات البطالة و أنكمش إقتصاد الإتحاد الأوروبي بأكثر من 6 في المائة و عندما أصبحت اللقاحات ضد كورونا متاحة على نطاق واسع في عام 2021 تمت إستعادة حرية الحركة داخل منطقة شنجن على أساس مشروط حيث تطلب العديد من البلدان إثباتًا للتطعيم أو يكون نتيجة تحليل الكورونا سلبية للدخول و بحلول نهاية عام 2021 تلقى ما يقرب من ثلاثة أرباع مواطني الإتحاد الأوروبي جرعة واحدة على الأقل من اللقاح و تم التراجع عن العديد من القيود و عادت إقتصادات الإتحاد الأوروبي إلى النمو لكن التكلفة البشرية للوباء كانت مذهلة حيث أصيب داخل دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 100 مليون شخص و بحلول يناير 2022 توفي أكثر من مليون لأسباب مرتبطة بالمرض.