الكرملين هو مجمع محصن يقع في وسط موسكو عاصمة روسيا أسسته سلالة روريك و يضم خمسة قصور و أربعة كاتدرائيات و حائط مُرفق بأبراجه الشهيرة و بداخل المجمع يوجد قصر الكرملين الكبير الذي كان سابقًا مقر إقامة القيصر حاكم البلاد و لا يزال يحمل تلك الصفة حاليا حيث يعد مقر الإقامة الرسمي لرئيس الإتحاد الروسي و يطل الكرملين على نهر موسكفا من الجنوب و كاتدرائية القديس باسيل و الساحة الحمراء من الشرق و حديقة ألكسندر من الغرب و غالبًا ما يستخدم ذلك الإسم للإشارة إلى نظام الحكم الروسي أو مسئوليه رفيعي المستوي أو حكومة الإتحاد السوفيتي سابقا كما يشير مصطلح علم الكرملين إلى دراسات السياسات السوفيتية و الروسية و نظرا لقيمة المبني التاريخية فهو مفتوح للجمهور و يقدم جولات إرشادية فردية و جماعية و به متحف يزوره سنويا 3 ملايين زائر يعرض مستودعات الأسلحة و مدافع القيصر و أجراسه و مقتنيات من منحوتات و لوحات فنية تبرز تراث تلك الدولة قديما و حديثا .
تاريخ الكرملين
قبل بناء مبني الكرملين كان ذلك الموقع مأهولًا بشكل مستمر من قبل الشعوب الفنلندية منذ القرن الثاني قبل الميلاد ثم أحتل السلاف الشرقيين الجزء الجنوبي الغربي من تل “بوروفيتسكي” في وقت مبكر من القرن الحادي عشر ثم شيد ” فياتشي ” مبني محصنًا (أو “جراد” كما يطلق عليه باللغة المحلية ) على ذلك التل حيث يتدفق نهر ” نيجلنيا ” إلي نهر ” موسكافا ” و بعدها قام الأمير “يوري دولجوروكي” بتوسيعه بشكل كبير عام 1156 ثم دمر على يد المغول عام 1237 ثم أعيد بناؤه مجددا بالبلوط عام 1339 و حتى القرن الرابع عشر كان الموقع يُعرف بإسم “جراد موسكو” إلى أن تم تسجيل كلمة “الكرملين” لأول مرة عام 1331 م (على الرغم من أن عالم الاشتقاق ماكس فاسمر ذكر ظهورًا سابقًا لذلك الإسم عام 1320 ) و هى كلمة بالروسية تعنى “حصن داخل مدينة” .
و خلال الفترة ما بين عامي 1366-1368 أستبدل “دميتري دونسكوي” جدران البلوط بقلعة قوية من الحجر الجيري الأبيض التى تعتبر هى أساس الجدران الحالية حيث صمد هذا الحصن في وجه حصار التتار ثم استأنف “فاسيلي ” أبن “دميتري الأول ” بناء الكنائس و الأديرة داخل الكرملين حيث تم بناء 3 كاتدرائيات ثم أستكملت أرملته ” إيودوكسيا ” بناء الرابعة و بعد ذلك نظم الأمير الكبير “إيفان الثالث” إعادة بناء الكرملين حيث قام بدعوة المهندسين المعماريين المهرة المنتمين إلى عصر النهضة في “إيطاليا” أبرزهم “بيتروس أنطونيوس سولاريوس” الذي صمم جدار الكرملين الجديد و أبراجه و “ماركوس روفوس” الذي صمم القصر الجديد للأمير و خلال فترة حكمه تم بناء ثلاث كاتدرائيات موجودة في الكرملين و كنيسة الترسيب و قصر الأوجه و كان أعلى مبنى في المدينة كلها هو برج جرس إيفان العظيم الذي تم بناؤه في الفترة من عام 1505 و حتى 1508 ثم زاد إرتفاعه إلى وضعه الحالي عام 1600 م و قد تم بناء أسوار الكرملين كما تبدو الآن بين عامي 1485 و 1495.
و بعد الانتهاء من بناء أسوار الكرملين الجديدة و الكنائس أصدر الأمير ” إيفان ” مرسوماً يقضي بعدم بناء أية مبانٍ في المنطقة المجاورة مباشرة للقلعة كما تم فصل الكرملين عن المدينة التجارية المسورة ” كيتاى جورود ” المجاورة بواسطة خندق بعرض 30 مترًا و و الذى تم فوقه تشييد كاتدرائية القديس باسيل و في عهد “إيفان الرهيب” قام بترميم بعض من قصور جده و أضاف قصرًا جديدًا و كاتدرائية لأبنائه و خلال فترة الاضطرابات أحتلت القوات البولندية الكرملين لمدة عامين خلال الفترة ما بين سبتمبر 1610 و أكتوبر 1612 الى أن تم تحريره من قبل جيش ا”ديمتري بوزارسكي” و “كوزما مينين” الذان مهدا الطريق لتولي “ميخائيل رومانوف” حكم البلاد كقيصر جديد و فى عام 1682م حدثت إنتفاضة شعبية فى “موسكو” و هرب القيصر “بيتر” بصعوبة كبيرة من الكرملين و نتيجة لذلك كره ذلك المكان و قرر التخلي عنه و الإقامة فى مدينة ” سان بطرسبرج ” و إعتبارها عاصمة جديدة للبلاد .
و على الرغم من أن الكرملين كان لا يزال يستخدم في احتفالات التتويج إلا أنه تم التخلي عنه و إهماله حتى عام 1773 عندما طلبت “كاثرين” العظيمة من المعمارى “فاسيلي بازينوف” بناء مسكنها الجديد هناك حيث بنى تصميمًا كلاسيكيًا جديدًا منمقًا أعتمد على هدم العديد من الكنائس و القصور بالإضافة إلى جزء من جدار الكرملين و إحلالهم بمبانى أخرى و بعد إنتهاء الإستعدادات تأخر البناء بسبب نقص الأموال و بعد عدة سنوات أشرف المهندس المعماري “ماتفي كازاكوف” على إعادة بناء الأجزاء المفككة من الجدار و بنى المكاتب الفسيحة و الفاخرة لمجلس الشيوخ حيث تم تكييفها لإستخدامها كمكان عمل رئيسي لحاكم “روسيا” و طوال الفترة الإمبراطورية من أوائل القرن الثامن عشر و حتى أواخر القرن التاسع عشر كانت جدران الكرملين مطلية تقليديًا باللون الأبيض وفقًا للموضة .
و بحلول الفترة من أوائل سبتمبر و حتى أواخر أكتوبر عام 1812 احتلت القوات الفرنسية الكرملين و عندما انسحب “نابليون بونابرت ” من “موسكو” أمر بتفجير المبني بأكمله حيث تضرر بشكل كبير و أستمرت الحرائق به لمدة ثلاثة أيام و لكن لحسن الحظ هطلت الأمطار و جعلت الأضرار أقل حدة عما كان مقصودا به و بدأت أعمال الترميم ما بين 1816-1819 تحت إشراف ” أوسيب بوف ” و خلال الفترة المتبقية من عهد “ألكسندر الأول” تم تجديد العديد من المباني القديمة بأسلوب قوطي جديد أما باقي المباني الأخرى فكان من الصعب ترميمها لذلك تم هدمها .
و مع قيام الثورة البلشفية و الإطاحة بقيصر “روسيا” انتقلت الحكومة السوفيتية من بتروجراد (سان بطرسبرغ الحالية) إلى “موسكو” في 12 مارس عام 1918 و أختار “فلاديمير لينين” مجلس الشيوخ في الكرملين ليكون مقر إقامته كما كان لـ “جوزيف ستالين” أيضًا غرفه الشخصية و كان حريصًا على إزالة جميع آثار النظام القيصري من مقره و تم البدء فى تفكيك الكاتدرائيات داخل المجمع لإفساح المجال للمدرسة العسكرية و خلال الحرب العالمية الثانية و من أجل إرباك الطيارين الألمان تم إعادة طلاء الأبراج بألوان مختلفة و تغطيتها بخيام خشبية و طلاء الأسقف و واجهات المباني باللون البني الصدئ حتى لا يمكن تمييزه عن الأسطح التقليدية في المدينة أما أرضه التى كانت مرصوفة بالحصى فتم تغطيتها بالرمل و بعد إنتهاء الحرب تم إغلاق مقر إقامة الحكومة السوفيتية أمام السياح حتى عام 1955 و لم يُفتح الكرملين أبوابه أمام الزوار الأجانب إلا في عهد ” نيكيتا خروتشوف ” ثم تم إنشاء متاحف الكرملين في عام 1961 و كان ذلك المجمع من بين أولى الموروثات السوفيتية المدرجة في قائمة التراث العالمي عام 1990 .
أما بالنسبة الى قصر الكرملين الرسمي (المعروف باسم قصر الكرملين للمؤتمرات) فقد تم بناءه بتكليف من “نيكيتا خروتشوف” ليكون مقرا لإجتماعات الحزب الشيوعي فى الفترة ما بين عامي 1959-1961 و هو من الخارج مكسو بالرخام الأبيض و ذات نوافذ مظللة و عاكسة و أثار بناءه جدل كبير لأنه حل محل العديد من المباني التراثية .
مبني الكرملين
تم بناء جدران و أبراج الكرملين الحالية من قبل أساتذة إيطاليين فى الفترة من عام 1485 إلى عام 1495 حيث يغطى الجدار مساحة 275 ألف متر مربع و يبلغ طوله الإجمالي 2235 مترًا و إرتفاعه يتراوح من 5 إلى 19 مترًا حسب التضاريس و يتراوح سمكه بين 3.5 و 6.5 متر أما بالنسبة للأبراج فكان فى الأصل هناك ثمانية عشر برجًا لكن إزداد عددهم إلى عشرين في القرن السابع عشر و يعتبر أعلى برج فيهم هو ” تروتيسكايا ” الذي بني حتى إرتفاعه الحالي البالغ 80 مترًا عام 1495 .
و فى قلب الكرملين يقع ميدان الكاتدرائية المحاط بستة مبان منهم ثلاث كاتدرائيات أولها كاتدرائية “دورميتيون” التى تم الإنتهاء من بنائها عام 1479م لتكون الكنيسة الرئيسية في “موسكو” و توج فيها جميع القياصرة و دُفن بها العديد من المطارنة و البطاركة المهمين أما الثانية فكاتدرائية البشارة المذهبة ذات القباب الثلاثة التى تم الإنتهاء من بنائها عام 1489 ثم أعيد بنائها بعد قرن من الزمان و تعديل تصميمها إلى تسع قباب و في الجنوب الشرقي من الساحة توجد الكاتدرائية الثالثة و هى رئيس الملائكة ميخائيل الأكبر التى انتهى بنائها عام 1508 و فيها يتم دفن جميع ملوك “موسكو” تقريبًا .
و يعتبر الهيكل البارز هو برج جرس إيفان العظيم و يقع في الركن الشمالي الشرقي من الساحة التى يشار الى أنها وسط “موسكو” و يشبه شمعة مشتعلة و تم الانتهاء منه عام 1600 بإرتفاع 81 مترًا و حتى الثورة الروسية كان أطول مبنى في المدينة حيث كان تشييد مبانٍ أعلى من ذلك ممنوعًا و كان مثبت عليه 21 جرسا يدقون ناقوس الخطر إذا أقترب أي عدو و دمر الفرنسيين الجزء العلوي من المبنى خلال الغزو النابليوني ثم أعيد بناؤه و يعتبر جرس القيصر هو أكبر جرس في العالم على قاعدة بجانب البرج .
و الزاوية الشمالية من الكرملين يحتلها الأرسنال الذى تم بناءه لبطرس الأكبر عام 1701م أما الجزء الجنوبي الغربي من المبني فيضم مبنى مخزن الأسلحة الذى تم تشييده عام 1851 على طراز عصر النهضة وهو حاليًا متحف يضم مقتنيات الدولة الروسية.
حديثا
نتيجة إضطرابات حركة المرور التي تسببها مواكب السيارات الرسمية فى العاصمة “موسكو” أذن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ببناء مهبط للطائرات العمودية في الكرملين و تم الانتهاء منه في مايو عام 2013 و أصبح من الممكن إنتقال الرئيس الروسي ذهابًا وإيابًا إلى الكرملين باستخدام مروحية و تم إختيار الموقع بعناية حتى لا يشكل أى تهديد على منشئات الكرملين .