رغم تولي مكتب المباحث الفيدرالية الأمريكية FBI التحقيق فى كثير من القضايا داخل الولايات المتحدة الا أن قضية واحدة مثلت أكبر تحديا له نظرا لشدة تعقيدها و مهارة و ذكاء منفذها الذي لا أحد يعلم أى تفاصيل عنه سوى أن اسمه دي بي كوبر الذى تمكن فى مطلع سبعينيات القرن الماضى من إختطاف طائرة ركاب من طراز بوينج و طلب فى المقابل الحصول على مبلغ مالي مقابل الإفراج عن الرهائن و بعد الحصول عليه و إقلاع الطائرة فى طريقها نحو المكسيك تمكن من القفز منها بمظلة فى مكان ما فوق شمال غرب المحيط الهادئ و بصحبته حقيبة ظهر تحتوي على 200000 دولار و يختفي تماما بعدها و لم يسمع عنه أحد مجددا و يصبح دي بي كوبر أمام الجميع شخصية أسطورية عجزت الأجهزة الأمنية الأمريكية فى تعقبه أو حتى الوصول إلى هويته الحقيقية و يظل لغزا لا يستطيع أحد فكه حتى اللحظة .
بدأت أحداث قضية “دي بي كوبر” فى يوم 24 نوفمبر عام 1971 عشية عيد الشكر حين أستقل رجل أبيض البشرة و ذات عيون بنية و شعر أسود رحلة طيران “نورث ويست أورينت رقم 305 ” المتجهة من مدينة ” بورتلاند ” التابعة لولاية ” أوريجون ” إلي ” سياتل ” فى ” واشنطن ” و أستقر في مقعده على الممر في الجزء الخلفي من الطائرة التى كانت من طراز بوينج 727 و أشعل سيجارة و طلب مشروب البوربون مع الصودا ثم سلم ورقة إلى المضيفة “فلورنس شافنر” التى كانت تبلغ العمر 23 عامًا مدونا عليها عبارة مرعبة و هى ” لدي قنبلة في حقيبتى و أريدك أن تجلس بجواري ” و أمتثلت المضيفة الى طلبه و جلست فى خوف و حينها أخبرها ” دي بي كوبر ” ببقية مطالبه بأنه يريد 200 ألف دولار نقدا بحلول الخامسة مساءً و 4 مظلات للهبوط و أنه بمجرد وصول الطائرة إلى مطار “سياتل” يجب أن تكون هناك شاحنة وقود جاهزة لتزويد الطائرة بها و أنه جاد جدا فى تهديده و لا يمزح .
و بعد إنتهاءه من حديثه قامت المضيفة بإبلاغ قائد الطائرة بما ينوي ” دي بي كوبر ” فعله و الذى قام هو الأخر بإعلام السلطات و بينما سارعت الشرطة و موظفى الخطوط الجوية على الأرض لجمع الأموال قام قائد الطائرة بالتحليق في دوائر فوق مدينة “سياتل” و قيل للركاب حينها أن هناك مشكلة ميكانيكية طفيفة أجبرت الطائرة على حرق الوقود مما أدى إلى إطالة الرحلة التي تستغرق عادة 30 دقيقة إلى ثلاث ساعات و نصف و أخيرا هبطت الطائرة على أرضية المطار و بعد أن تلقى أمواله و مظلاته أفرج ” دي بي كوبر ” عن جميع الركاب البالغ عددهم 36 و أثنين من أفراد الطاقم الستة و أعيد تزويد الطائرة بالوقود و أقلعت مجددا إلى الوجهة التالية التى حددها و كانت “المكسيك” و نظرا لطول مسافة الرحلة قام الطاقم بإقناعه بضرورة التزود بالوقود مجددا لأن ما هو موجود فى الطائرة لن يكفي و وافق على مضض و إتجهت الطائرة الى مطار “رينو” فى ولاية ” نيفادا ” برفقة مقاتلتين تابعتين للجيش الأمريكي و خلال وجود الطاقم بأكمله في قمرة القيادة فتح ” دي بي كوبر” الباب الخلفي للطائرة و قفز منها و معه الأموال في عاصفة رعدية و بعدها لم يتم العثور عليه قط .
و من ناحيتها قامت السلطات ممثلة فى مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق فى القضية و كان مسعاها الأساسي هو محاولة معرفة هوية ” دي بي كوبر ” و معرفة المكان الذي يمكن أن يذهب إليه ذلك الرجل الغامض بعد هروبه على افترإض أنه قد نجا من قفزته الظاهرة من الطائرة حيث أدي البحث عن خاطف الطائرة إلى بعض من الأدلة الواعدة على طول الطريق ففي عام 1980 عثر صبي صغير على 5000 دولار من الأوراق المالية الممزقة في ولاية “أوريجون” و التي تتطابق مع الفدية التى حصل عليها ” دي بي كوبر ” و بعد ما يقرب من 30 عامًا وجد المحققين حزام مظلة يرجع عمره لعقود أثناء دوريات كانت تجوب غابات شمال غرب المحيط الهادئ و طوال فترة التحقيق الرسمي لمكتب التحقيقات الفيدرالي نظرت السلطات في أكثر من 800 مشتبه به لكن تم النظر بجدية في عشرين منهم فقط و رغم ذلك ظل الجاني الحقيقي غير معروف .
و حتى يومنا هذا لا تزال هوية ” دي بي كوبر ” بعيدة عن المحققين لكن البعض يصر على أن الخاطف كان من قدامى المحاربين في “فيتنام” يدعى “روبرت راكسترو” ففى عام 2016 بثت أحدى القنوات مسلسل وثائقي قصير يتحدث عن تلك القضية و زعم فيها المخرج “توماس كولبير” أن الجندي السابق “روبرت راكسترو” كان هو “دي بي كوبر” طوال الوقت نظرا لأنه كان مظلي سابق في القوات الخاصة و خبير متفجرات و طيارًا و هو ما معناه أنه أمتلك المهارات اللازمة لإختطاف الطائرة و المظلة و الوصول إلى بر الأمان علاوة على ذلك كان من الواضح أن “راكسترو” غير مبالي بحدود القانون حيث تم إلقاء القبض عليه في أوقات مختلفة بتهمة أصدار شيكات بدون رصيد و سرقة طائرات و حيازة متفجرات و حتى قتل زوج والدته و رغم إستبعاد مكتب التحقيقات الفيدرالية له من قوائم الإشتباه نظرا لكونه صغيرًا جدًا إلا أن “كولبير” أدعى أن العديد من العملاء أستمروا في الاعتقاد بأنه كان هو الخاطف لكنهم تجنبوا قول الحقيقة بسبب علاقاته مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA .
و رغم الحجج المقنعة التى تقول أن ” روبرت راكسترو ” هو ” دي بي كوبر ” الا أنه كان هناك العديد من المشتبه فيهم أبرزهم “ريتشارد مكوي” الذي جمع 500000 دولار كفدية قبل أن يقفز من طائرة في ولاية “يوتا” عام 1972 كما تفترض نظرية أخرى أن امرأة تدعى “باربرا دايتون” هى من تنكرت في زي رجل لتقوم بالسرقة للإنتقام من إدارة الطيران الفيدرالية لرفضها منحها رخصة طيار تجاري و على الرغم من أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أغلق تحقيقه رسميًا بشأن “دي بي كوبر ” عام 2016 إلا أن الإنبهار بالخاطف سيئ السمعة لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا .
.