شهدت إسبانيا في يوم 9 من يوليو عام 2016 حادث مأساوي توفي علي إثره بشكل مروع و أمام شاشات التلفزيون الماتادور الشهير فيكتور باريو خلال صراعه مع ثور يدعي لورينزو أثناء فعاليات مهرجان فريا ديل أنجيل المقام في تيرويل عاصمة مقاطعة أراجون الإسبانية في حضور زوجته و أبيه و أخته و أجداده الذين شهدوا لحظات سقوطه في رعب من قلب الحدث و رغم أنها لم تكن الواقعة الأولي التي يُقتل فيها ماتادور داخل الحلبة حيث سبقه إثنان من المصارعين و هم مانولو مونتوليتش و رامون سوتو فارجاس في حادثين منفصلين إلا أن مصرع فيكتور باريو تحديدا كان حافزا لجمعيات حقوق الحيوان نحو المطالبة بوضع حد لتلك الرياضة القاسية و لحظة فاصلة بالنسبة للكثيرين من الإسبان نحو إعادة النظر في ذلك التقليد الدموي .
ولد ” فيكتور باريو ” في 29 مايو عام 1987 بمدينة “سيجوفيا” الإسبانية و لا يُعرف سوى القليل عن حياته المبكرة بخلاف أنه كان جامعا لكرات الجولف قبل أن يصبح مصارعًا للثيران حيث بدأ الشغف بها حين وجدها رياضة تاريخية تعود أصولها إلي اليونان القديمة و لكن تم إجراء عدد من التعديلات عليها من قبل الإسبان من خلال دمجها بعدد من أساليب القتال الأيبيرية و القوطية و الشمالية المغربية إلي أن بدأت رياضة مصارعة الثيران الإسبانية الحديثة في الظهور لأول مرة عام 1726م على يد “فرانسيسكو روميرو” و الذي قدم فيها السيف و الربطة التي أصبحت من الأدوات الأيقونية لمصارع الثيران و التى مسكها ” فيكتور باريو ” خلال صراعاته المتعددة التى بدأها لأول مرة علي الحلبة في 13 يوليو عام 2008 في لاس فينتاس دي ريتاموسا في توليدو و خرج منها منتصرا بعد أن قطع آذان و ذيل الثور الذي كان ضده .
و مع تقدم ” فيكتور باريو ” في حياته المهنية كماتادور حصل على العديد من الجوائز المرموقة في تلك الرياضة و أصبح من مشاهيرها لذلك عندما دخل إلي الحلبة للمرة الأخيرة في ” فيريا ديل أنجيل ” كان معتقدا على الأرجح أنه سيضيف فوزًا آخر إلى سجل إنتصارته المتزايد لكن التجربة أثبتت أنه كان علي خطأ لأنه بعد مرور عدة ثوانٍ فقط من إطلاق الثور “لورنزو” الذي يزيد وزنه عن الطن في الحلبة أندفع نحو ” فيكتور باريو ” و سدد له عدة طعنات بقرونه في صدره أدت إلي حدوث ثقب فى رئتيه ثم واصل “لورنزو” إيذاء الماتادور بشكل أدى في النهاية إلى قطع الشريان الأورطي و إلحاق الضرر بقلبه و طوال تلك اللحظات المأساوية كانت زوجته الصحفية “راكيل سانز” التى تزوجها عام 2014 تنظر إلى والده “خوان” و شقيقته و أجداده في رعب حيث كانوا غير قادرين على فعل أي شيء لمساعدته و كان معهم باقي الشعب الإسباني الذي شاهد الحادث بأكلمه علي الهواء مباشرة عبر شاشات التلفزيون .
و تم نقل ” فيكتور باريو ” من الحلبة علي وجه السرعة و التوجه به إلي المستشفي و لكن لم يكن بإمكان الأطباء فعل أي شيء لإنقاذ حياته لأن الضرر الذي أحدثه الثور “لورنزو” كان كبيرًا جدًا لذلك أعلن عن وفاة المصارع بعد وقت قصير من دخوله المستشفى و يصبح بذلك أول مصارع ثيران يسقط صريعا داخل الحلبة في القرن الحادي العشرين و قدم رئيس الوزراء الإسباني أنذاك ” مارينو راخوي ” علي موقع تويتر تعازيه الحارة لأسرته و كما هو متعارف عليه تم قتل الثور “لورنزو” مباشرة بعد أن تسبب في مقتل “فيكتور باريو” كما صدرت دعوات تطالب بقتل “لورينزا” والدة الثور “لورنزو” و هو ما أدي إلي حدوث إحتجاجات من نشطاء حقوق الحيوان في جميع أنحاء العالم بإعتبار أن ذلك يعد عملا قاسيا بحق ” لورينزا ” التى لم ترتكب أي خطأ بينما ذهب آخرون إلى حد القول إن المصارع بالفعل هو من يستحق الموت بسبب أفعاله في الحلبة و تم إطلاق هاشتاج أنقذوا لورنزا علي موقع تويتر إلي أن كشف مراسل إسباني أن “لورينزا” ماتت بسبب الشيخوخة بعد أيام قليلة من مقتل إبنها .
و أصبحت كارثة مقتل ” فيكتور باريو ” تلقي بظلالها في الداخل الإسباني و دفع البعض للتساؤل عما إذا كان من الواجب الإكتفاء من ذلك التقليد ؟ و لكن حتي كتابة هذه السطور تعتبر مصارعة الثيران قانونية في معظم أنحاء “إسبانيا” و لكن بفضل جهود منظمات حقوق الحيوان الإسبانية و زيادة الوعي حول محنة الثيران أثناء المصارعة أنخفضت شعبية تلك الرياضة الدموية بشكل كبير حيث كشف إستطلاع رأي أجري عام 2015 أن 19 في المائة فقط من جميع الإسبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 65 عامًا هم من يؤيدون مصارعة الثيران من بينهم المؤمنين بتيار اليمين المتطرف داخل البلاد بإعتبارها جانب ثقافي من القومية الإسبانية و أن الجهود المبذولة لتقليل أو إيقاف هذه الممارسة ليست أكثر من جهود مناهضة للوطنية نيابة عن الليبراليين .
أقرأ أيضا : كراستين براش لاعب التنس المغمور الذى أستطاع هزيمة بطلتى العالم سيرينا و فينوس ويليامز فى يوم واحد
و بغض النظر عن سياسات مصارعة الثيران فإن وفاة الماتادور “فيكتور باريو” تعد هي المسؤولة في الغالب عن سبب تراجع هذه الممارسة لدى معظم الإسبان في العقود الأخيرة و ما زاد من الإبتعاد عنها هو إنتشار وباء كورونا حيث تسببت الجائحة في إلغاء موسم مصارعة الثيران لعام 2020 مما أدى إلى حدوث خسائر تجاوزت أكثر من 800 مليون دولار أمريكي و عندما قدمت تلك الصناعة التماسًا إلى الحكومة الإسبانية للحصول على إعانة لتخفيف الخسارة نشأ غضب حاد لدي الشعب الإسباني الذي أشار إلى أنه من غير العدل أن تقدم الحكومة خطة إنقاذ لأفراد كل عملهم هو إساءة معاملة الحيوانات بينما يكافح معظم الإسبان للبقاء على قيد الحياة و مع حلول عام 2021 و نتيجة إعتقاد ما يقرب من 52 في المائة من جميع الإسبان أن مصارعة الثيران يجب أن تُحظر أو تخسر تمويلها الحكومي بالإضافة إلي حظر العديد من المقاطعات الإسبانية الشرقية لها أصبحت تلك الرياضة في “إسبانيا” علي المحك وسط توقعات بأنها سوف تكون تاريخا خلال السنوات المقبلة .