حياة حافلة و مليئة بالجدل تلك التى عاشها الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين الذى استطاع الاتحاد السوفيتى فى عهده أن ينتقل الى مصاف الدول العظمي و المؤثرة عالميا خاصة بعد انتصاره على ألمانيا النازية و زعيمها أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية و لكن من ناحية أخرى شهدت بلاده خلال حكمه اجرائات قمعية متمثلة فى حملات اعتقالات و تنفيذ اعدامات بالجملة ليصل عدد ضحاياه لعشرات الملايين و عندما أقترب قطار حياته من نهايته كان يقضى وقت فراغه تقريبًا في منزله الريفي بضاحية كونتسيفو بموسكو و يشعر بالاكتئاب عند تركه بمفرده و كان يستدعي بانتظام أربعة أعضاء من دائرته الداخلية للانضمام إليه لمشاهدة فيلم و تناول وجبة و الذين كانوا نائب رئيس الوزراء جورجي مالينكوف الخليفة المحتمل له و لافرنتي بيريا رئيس الشرطة السرية الذي كان يتنافس أيضًا على السلطة و نيكيتا خروتشوف الذي أستدعي إلى موسكو لموازنة ديناميكيات السلطة لمالينكوف و بيريا و نيكولاي بولجانين وزير دفاعه حيث أستمرت حياته على هذا المنوال حتى أعلن رسميا و بشكل مفاجئ وفاة ستالين .
فمع حلول عام 1953 كان “ستالين” يبلغ من العمر 73 عامًا و قبلها أصيب بنوبة قلبية و سلسلة من السكتات الدماغية و لم تعد حالته الصحية فى أفضل حال و رغم ذلك كان جنون العظمة لديه أيضًا في أعلى مستوياته على الإطلاق فعندما ذهب لإجراء فحصه الدوري أوائل الخمسينيات نصحه طبيبه “فلاديمير فينوغرادوف” أن يرتاح بشكل أكبر و يعمل بصورة أقل و هي كلمات لم يتقبلها “ستالين” بشكل جيد نظرا الى أنه قبل ثلاثة عقود كان يفعل المثل بعد أن أصر على إبعاد “لينين” عن ممارسة واجباته اليومية تحت تظاهره بالقلق على صحته من أجل انفراده بالسلطة لذلك تم القبض على الطبيب و وجهت إليه تهمة العمل كجاسوس للمخابرات البريطانية و لكن سواء أراد “ستالين” الاعتراف بذلك أم لا فإن صحته كانت بالفعل متدهورة و عندما دعا إلى مؤتمر الحزب الشيوعي منذ أكثر من عقد عام 1952 توقع أولئك الذين حضروا المؤتمر أن يرسم خارطة طريق لخلافة الحزب و لكن بدلاً من ذلك وضع واجبات كان هو من سيقوم بها بنفسه و على عكس التوقعات بدلاً من رسم مسار واضح للأمام شرع في إحداث هزة في التسلسل الهرمي في الكرملين حين عين مجموعة من الشباب المجهولين نسبيًا في مناصب صُممت لإخفاء و إرباك خطوط الخلافة بدلاً من التوضيح .
و حتى فى تعامله مع دائرته المقربة فقد كان دائما يذكرهم بأنهم جميعًا يمكن التخلص منهم و يقول لهم أنتم فاقدى البصر مثل القطط الصغيرة و بدوني سيخنقكم الإمبرياليون و في الأشهر الأخيرة من حياته و مع انتشار الشائعات حول من الذي سيحكم في تسلسل قيادته و في شتاء عام 1953 وجه “ستالين” انتباهه نحو اليهود السوفييت في حملة أنذرت بموجة جديدة من التطهير و الاضطرابات الحزبية كان من المتوقع ان تكون شبيهة بفترة الإرهاب العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي و هو ما دفع البعض بالتكهن الى ان رفقائه قد قاموا بتسميمه ليلة 28 فبراير 1953 للتخلص منه قبل أن يتخلص هو منهم ففي وقت متأخر من ذلك المساء استدعى “ستالين” رجاله “مالينكوف و بيريا و خروتشوف و بولجانين ” كالمعتاد لمشاهدة فيلم و بعد ذلك جلسوا لتناول وجبة استفسر خلالها “ستالين” عما إذا كانت الاعترافات قد انتُزعت من أجل محاكمة سيشرف عليها قريبًا في ذلك الشتاء و الخاصة بشن حملة تطهير ضد أطباء الكرملين و الذين كان كثير منهم من اليهود زاعمًا أنهم قتلوا كبار المسؤولين السوفييت في “مؤامرة أطباء” حيث كان من المقرر أن تبدأ محاكمة أطباء الكرملين في غضون أسابيع و كانت الصحف وقتها تتحدث عن شائعات واسعة النطاق حول مؤامرة طبية و كانت هناك اتهامات لهم بقتل أطفال في أجنحة الولادة و إعطاء المرضى أدوية مسمومة و وصفتهم وسائل الاعلام بأنهم “قتلة يرتدون عباءات بيضاء” .
و وفقًا لرواية “خروتشوف” عن تلك الليلة فقد أستمرت حتى الساعة الخامسة أو السادسة صباحًا و ودعوا ” ستالين ” و تأهبوا للرحيل و خرج كالمعتاد لتوديعهم و كان في مزاج مرح و يمزح كثيرًا و في حالة معنوية جيدة و فى اليوم التالي أحد أيام الأحد بقى “خروتشوف” في المنزل متوقعًا أن يتصل “ستالين” به لتقديم دعوة له لمصاحبته في ذلك المساء أيضا لكنه لم يتصل به أو بأي شخص آخر في هذا الشأن كما لم تكن أجهزة الاستشعار المثبتة في غرف “ستالين” ترصد أى حركة و وفقًا لمقابلات لاحقة فقد زعم العاملون في المنزل الريفى أنهم كانوا خائفين جدًا من إزعاج “ستالين” بالدخول اليه لكن بعض المؤرخين شككوا فى تلك الرواية نظرا الى انه ليس من الطبيعي أن يخاف الموظفين من دخول غرفة “ستالين” أو حتى الاتصال به على خط المنزل .
و أستمر ” ستالين ” فى غرفته حتى حوالي الساعة 10:30 مساء لذلك كان من الضرورى دخول شخص ما للتحقق و وفقًا لإحدى الروايات كان أحد الحراس و هو “بيتر لوزغاتشيف” هو الشخص الذي دخل أخيرًا غرفة “ستالين ” متظاهرا بتسليم البريد الرسمي الوارد من الكرملين و تقول روايات أخرى إنها كانت الخادمة و اى كان من دخل فقد كان الوضع مزريا حيث وجد الديكتاتور ملقى على الأرض بملابس النوم والأرض مبللة حوله بالبول و تقول إحدى الروايات إنه كان واعيًا لكنه قادرًا فقط على إصدار أصوات غير متماسكة و كان على الطاولة أكواب فارغة و مياه معدنية و بدا كما لو أن “ستالين” قد نهض من الفراش ليحصل على الماء لكنه أصيب بجلطة و على الفور حمله أعضاء طاقم المنزل الريفى و وضعوه على أريكة غرفة الطعام حيث قاموا بتغطيته و دخل فى حالة نوم و بينما كان الإجماع بين الحاضرين على استدعاء طبيب أراد الضباط أولا انتظار تعليمات قيادات الحزب و في النهاية تواصلوا مع “بيريا” على الهاتف و طالبهم بعدم إخبار أي شخص بمرض “ستالين” حيث لم يكن احد يعرف انها بدايات وفاة ستالين .
و وصل رجال الدائرة المقربة و الذين كانوا فى حيرة عما اذا كان ” ستالين ” نائما أم من الضرورى استدعاء طبيب حيث كان الكل خائفا من اتخاذ مثل ذلك القرار خاصة مع وقع محاكمة الأطباء فى المستقبل القريب مما سيشكل خطورة على حياة “ستالين” و أستمرت النقاشات حتى الساعة 7 صباحًا تقريبًا الى ان توصل الأعضاء إلى قرار باستدعاء وزير الصحة لاختيار الأطباء لإلقاء نظرة أولية و عندما وصل الأطباء أخيرًا وجدوا أن “ستالين” لا يستجيب و ذراعه اليمنى و ساقه اليمنى مشلولة و ضغط دمه بمعدل مرتفع بشكل ينذر بالخطر و هو 190/110 لذلك كان لزاما عليهم فحصه لكن أيديهم كانت مرتعشة للغاية و لكنهم أمروا بالهدوء التام و بدأوا فى اجرائاتهم الطبية و أوصوا بعدم تناوله الطعام و شخصوا حالته بأنه أصيب بسكتة دماغية شديدة .
و بعد يومين من رؤيته الأطباء لأول مرة أصدر راديو موسكو إعلان كشف فيه عن إصابة “ستالين” بجلطة دماغية ليلة الأحد و قالت التفاصيل إنه كان يتلقى علاجًا طبيًا مناسبًا تحت أعين قادة الحزب و قد تمت صياغته بطريقة لطمأنة الجمهور الذى كان مصدقا المزاعم حول مؤامرة الأطباء و فى سياق الخبر تم التأكيد على أن الأطباء الذين يعالجوه ليس لهم أي صلة بأي شكل من الأشكال بالمؤامرة المزعومة و من المفارقات أن من تم استشارتهم في الواقع كان من بينهم العديد من أطباء الكرملين المسجونين حيث دهش أحدهم و هو أخصائي علم الأمراض و يدعى “ألكسندر مياسنيكوف” من أنه عندما كان فى منتصف الاستجواب بدأ آسروه فجأة في طلب المشورة الطبية بدلاً من ذلك و في يوم 5 مارس تقيأ “ستالين” دما و بدأت معدته بالدخول فى نزيف حاد و وفقًا لابنته “سفيتلانا” التي كانت بجانبه على السرير ففي تمام الساعة 9.50 مساءً فتحت عيون ستالين و أعطى نظرة فظيعه إما جنونية أو غاضبة أو مليئة بالخوف من الموت و رفع يده اليسرى مشيرا إلى أعلى ربما بشكل مهدد ثم أخذه الموت و في تلك الليلة انتهى حكم “ستالين” ذو القبضة الحديدية الذى استمر لمدة 30 عامًا على الاتحاد السوفيتي .
و تم الإعلان عن وفاة ستالين رسميا في الإذاعة في اليوم التالي مع نداءات للتهدئة و أقيمت الجنازة في الساحة الحمراء في 9 مارس بحضور حشد كبير لدرجة أن البعض سحق حتى الموت حيث لم يكن الزعيم السوفيتي يقود الحزب فحسب بل قاد أيضًا قلوب و عقول الجمهور الروسي و كانت عبادة شخصيته شديدة لدرجة أنه على الرغم من حكمه الرهيب الذي تسبب في وفاة عشرات الملايين فقد ظل “العم جو” أب لجميع الروس حتى أيامه الأخيرة و خلال جنازته خطب تحدث زميل “ستالين” المخضرم “فياتشيسلاف مولوتوف” و الذى كانت زوجته في معسكر اعتقال في مدح الطاغية الميت و كذلك فعل “مالينكوف” و “بيريا” الذى لم يخف سرًا ارتياحه لوفاة الديكتاتور و تم تحنيط جسد “ستالين” و عرضه حاليًا مع جثة “لينين” و بعد وفاة ستالين ” بدأ “بيريا” بشبكة جواسيسه و معارفه محاولة تولي زمام الأمور و لكنه قلل من شأن خصومه بشكل قاتل دفع من خلاله حياته ثمنا لها ليتولى ” خروتشوف ” السلطة و يكون هو خليفة ” ستالين ” و يبدأ فى فضح طبيعة حكمه البوليسي السابق امام المواطنين السوفييت .