الضحك سمة بشرية زرعها الله في الإنسان من أجل التعبير عن شعوره بالبهجة و دائما ما ينصح الأطباء مرضاهم بالمواظبة علي الضحك كعلاج وقائي و فعال ضد العديد من الأمراض النفسية بل و حتي العضوية و لكن هل من الممكن أن ينقلب ذلك الدواء و يصبح هو الداء و يتحول إلي جائحة معدية تنتقل من شخص إلي أخر ؟ الإجابة جائت من تنزانيا الواقعة في وسط قارة أفريقيا حين أجتاحت إحدي قراها ظاهرة غريبة تمثلت في وقوع أغلب سكانها في حالة من الضحك بدون أي أسباب و سرعان ما أصبحت تنتقل بشكل معدي من شخص إلي أخر و من منطقة إلي أخري بدون توقف الأمر الذي جعل الأطباء و العلماء عاجزين عن فهم ما يحدث أمامهم و لم يكن في أيديهم سوي وضع بعض من الفرضيات لمحاولة تفسير تلك الظاهرة التي أطلقوا عليها إسم وباء الضحك .
بدأت قصة وباء الضحك في 30 يناير عام 1962 داخل إحدي المدارس الداخلية فى قرية “كاشاشا” التنزانية التي تقع على الساحل الغربي من بحيرة فيكتوريا بالقرب من الحدود مع “أوغندا” و بدأ الأمر بمجرد حديث ضاحك بين ثلاث فتيات إلا أنه تطور و تحول إلي شكل هيستيرى أنتقل إلي كل من فى المدرسة حيث أصيب به 95 تلميذا من مجموع 159 و كانت أعمارهم تتراوح ما بين 12 و 18 عامًا و كان الملفت في الأمر هو عدم تأثر أي فرد من أعضاء هيئة التدريس الذين حاولوا قدر الإمكان إثناء الطلبة عن ذلك الفعل إلا أنهم لم يفلحوا لعدم مقدرة هؤلاء التلاميذ السيطرة على أنفسهم و التوقف عن ذلك و نظرا لصعوبة العمل في مثل هذه الأجواء و عدم تركيز الطلبة نتيجة إستمرارهم في الضحك إضطروا إلي تعليق الدراسة في شهر مارس .
و رغم إغلاق المدرسة التي تعتبر مصدر وباء الضحك و بدايته إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد حيث أنتقلت الجائحة على مدار الشهور المتتابعة إلي قرية مجاورة تسمى “تشامبا” و بدء قاطنيها هم أيضا فى الضحك بدون توقف بالإضافة إلى إصابة مدارس أخرى به ثم توقفت تلك الحالة الهيستيرية بشكل مفاجئ و كما ظهر وباء الضحك من العدم أختفي أيضا تاركا ورائه علامات إستفهام كبيرة خاصة مع الأعراض التي كانت مصاحبة له و التي تمثلت في نوبات من الأرق و الجري بلا هدف و إنتفاخ البطن و الإغماء و مشاكل فى التنفس و العنف العرضي و مع ذلك لم يكن هناك أي دليل على وجود أسباب عضوية قد تكون هي من تسببت في ذلك .
و بطبيعة الحال و نتيجة غرابة تلك الظاهرة بدأ العديد من العلماء و الأطباء في التحرك لمحاولة تفسير هذه الظاهره الغامضة و نتيجة عدم وصولهم إلي أدلة مادية قد تساعدهم في وضع أسباب علمية دقيقة لتفسير وباء الضحك فلم يكن أمامهم سوي وضع فرضيات لها بعضها كان نفسي حيث قال البروفسير ” كريستيان هيمبلمان ” من جامعة بوردو أن سبب الظاهرة قد يرجع إلي إصابة الطلبة بالإجهاد النفسي نتيجة شعورهم بالتوتر أثناء الدراسة لذلك لا يوجد أي ملاذ لمحاولة التنفيس عن ذلك الشعور سوي بالضحك .
و من جانب أخر فسر العلماء أسباب ظاهرة وباء الضحك من منطلق إجتماعي حيث قال عالم الإجتماع ” روبرت بارثولوميو ” و الطبيب النفسي “سيمون ويسلي ” أن هذه الهيستريا الوبائية ربما ترجع إلي محاولة تمرد هؤلاء المراهقين على العادات و التقاليد المتحكمة فى ثقافة المكان الذي يحكمه شيوخ صارمين بعادات قديمة و تقاليد محافظة فى الوقت الذى بدأت الحداثة المليئة بالأفكار الجديدة في الدخول و الإنتشار بتلك المناطق لذلك كان الضحك هو سلاح التمرد الوحيد على هذه العادات المجتمعية القديمة .
أقرأ أيضا : وباء الرقص .. قصة جائحة غامضه أجبرت المصابين بها على الرقص و أدت الى وفاة الكثير منهم
و لم يقتصر تفسير الأمر على علم النفس و الإجتماع فقط بل ذهب البعض الي أنه من الوارد أن يكون قد حدث نتيجة عدوي فيروسية إجتاحت المنطقة كما قالت البروفسيره “سيلفيا كاردوسو” و هي عالمة أحياء سلوكية إلا أنه كان من الصعب التمسك بتلك الفرضية نظرا لعدم توفر أدلة تشير إلي ذلك بالإضافة إلي أن ليس كل المتواجدين بتلك المنطقة قد أصيبوا بوباء الضحك و الذين كان علي رأسهم أعضاء هيئة التدريس في المدرسة و إلي الان لا يزال الأمر معلقا بين الفرضيات بدون أي تأكيدات لواحدة منها .