كانت الحرب العالمية الأولى نزاعا عالميا كبيرًا بدأ في عام 1914 و استمرت لأربعة سنوات حتى 1918 و شاركت فيها الكثير من الدول مثل المملكة المتحدة و فرنسا و ألمانيا بالاضافة الى روسيا و الولايات المتحدة و اليابان و دارت بين الدول المتحاربة معارك شرسة فى عدد من الساحات المختلفة بجميع أنحاء أوروبا و الشرق الأوسط و أفريقيا و أجزاء من آسيا كما شهدت تلك الحرب أيضا ظهور عدد من تكنولوجيا التسليح التى بدأت فى الظهور لأول مرة فى المعارك مثل الطائرات و الدبابات و الغواصات و أيضا الأسلحة الكيميائية مع استخدام تكتيكات عسكرية جديدة و متطورة فى القتال مثل حروب الخنادق لذلك تعتبر تلك الحرب أكثر الصراعات دموية في التاريخ بعد أن قُتل ما يقدر بنحو 9 ملايين جندي في ميادين القتال مع 5 ملايين مدني نتيجة الأعمال العسكرية و الجوع و المرض اضافة الى ملايين أخرى من الضحايا بسبب عمليات الإبادة الجماعية داخل الإمبراطورية العثمانية و انتشار وباء الإنفلونزا الاسبانية الذي تفاقم بسبب حركة المقاتلين خلال الحرب التى انتهت و هى لها العديد من التداعيات بعد ظهور دول جديدة على الخريطة و اختفاء أخرى و أستقطاع أراضى من الدول المهزومة و انهيار حكم عدد من الامبراطوريات أبرزها الروسية و الألمانية الى ان انتهى الحال بإندلاع الحرب العالمية الثانية و بداية فصل جديد من الصراع و لكن وسط كل تلك المأساة و الدموية التى حملتها المعارك الا انه ظهرت بعض من الأقاويل التى تفيد بأنه خلال اندلاع الحرب لعب الجنود الألمان و البريطانيين كرة القدم و تبادلوا الهدايا خلال هدنة عفوية قصيرة حدثت يوم عيد الميلاد في أول سنة من الحرب العالمية الأولى فهل تلك المعلومة صحيحة ؟
التقييم
الأدلة على حدوث هدنة عفوية
كان أغلب الجنود البريطانيين و الألمان الذين واجهوا بعضهم البعض عبر الحقول الموحلة في “فلاندرز” عشية عيد الميلاد عام 1914 متفائلين بأنها سوف تنتهى سريعا الا أن أكثر المشائمين من بينهم و الذى ظن أنها ستطول قليلا لم يكن يتخيل أنها ستستمر لمدة أربع سنوات أخرى و أنها ستشهد في نهاية المطاف ملايين القتلى و الجرحى و مع ذلك بحلول ديسمبر عام 1914 اندلعت المعارك على الأراضى الأوروبية و خاضها رجال مرهقين و محبطين و غارقين في الوحل و قابعين داخل الخنادق المشبعة بالمياه و لم يكن لديهم أى هدف سوى هزيمة العدو و على الرغم من نيران المدافع الرشاشة المستمرة و القصف المدفعي على طول الجبهة الغربية و الخطوط الأمامية المتقاربة في بعض الأماكن و التى وصلت الى 55 مترا فى بعض النقاط فقد تلقى الجنود على الجانبين علب هدايا تحتوي على مواد غذائية و تبغ أعدتها حكوماتهم بمناسبة عيد الميلاد :
خلال الحرب العالمية الأولى ، في شتاء عام 1914 في ساحات القتال في فلاندرز وقع أحد أكثر الأحداث غرابة في كل تاريخ البشرية حيث كان الألمان في معركة شرسة مع البريطانيين و الفرنسيين و قام كلا الجانبين بحفر خنادق موحلة من صنع الإنسان بدا أنها تمتد إلى الأبد و فجأة بدأت القوات الألمانية في وضع أشجار عيد الميلاد الصغيرة و المضاءة بالشموع خارج خنادقهم ثم بدأوا في غناء الأغاني عبر الطريق في “المنطقة المحرمة” بينهما ثم جاءت أغاني من القوات البريطانية و الفرنسية بشكل لا يصدق و كان العديد من الألمان الذين عملوا في إنجلترا قبل الحرب قادرين على التحدث باللغة الإنجليزية بشكل جيد بما يكفي لاقتراح هدنة عفوية فى عيد الميلاد و التى قبلت بها القوات البريطانية و الفرنسية على طول أميال الخنادق و في أماكن قليلة أخرى أطلقت قوات الحلفاء النار على الألمان أثناء خروجهم من خنادقهم لكن الألمان كانوا مثابرين و كان الاحتفال بعيد الميلاد حتى تحت تهديد الموت الوشيك . و وفقًا لستانلي وينتراوب الذي كتب عن هذا الحدث في كتابه “ليلة صامتة” فقد ظهرت بوادر هدنة عفوية من خلال لافتات أعلى و أسفل الخنادق و بأشكال متنوعة و كانت عادة باللغة الإنجليزية مكتوب عليها “أنت لا تقاتل .. نحن لا نقاتل” و ارتجلت بعض الوحدات البريطانية لافتات “عيد ميلاد سعيد ” و انتظرت الرد ثم ظهرت المزيد من اللافتات على كلا الجانبين . و بدأت كلا الجانبين بالفعل هدنة عفوية حيث ترك الجنود خنادقهم و اجتمعوا في المنتصف للمصافحة و كان أول أمر عمل هو دفن الموتى الذين لم يكن من الممكن الوصول إليهم في السابق بسبب الصراع ثم تبادلوا الهدايا و كعكة الشوكولاتة و الكونياك و البطاقات البريدية و الصحف و التبغ و في أماكن قليلة على طول الخنادق تبادل الجنود كرات كرة القدم و بدأوا في اللعب و لكن لم تدم تلك الهدنة إلى الأبد حيث لم يعجب ذلك بعض الجنرالات على الإطلاق و أمروا قواتهم باستئناف الحرب و في النهاية استأنف الجنود إطلاق النار على بعضهم البعض لكن فقط بعد أيام قليلة من إهدار طلقات الذخيرة في إطلاق النار على النجوم في السماء بدلاً من جنود الجيش المعارض في جميع أنحاء الميدان .
و كانت لمواقع القوات الألمانية ميزة كبيرة فى الحرب حيث كان لديهم رابط بري مباشر إلى وطنهم بعكس الجنود البريطانيون الموجودين في “بلجيكا” و مفصولين عن “لندن” بستين ميلاً و القناة الإنجليزية لذلك حصل الألمان بالجبهة على أشجار عيد الميلاد الصغيرة و الشموع و بغض النظر عن حقيقة أن وقف إطلاق النار في عيد الميلاد الذي اقترحه البابا “بنديكتوس الخامس عشر” قد تم رفضه بالفعل من كلا الجانبين باعتباره “مستحيلًا” عشية عيد الميلاد “الا انه حدث بالفعل هدنة عفوية كما قال “ستانلي وينتراوب” مؤلف كتاب “ليلة صامتة : قصة هدنة عيد الميلاد في الحرب العالمية الأولى “و قال فيه :
نصب الألمان الأشجار على حواجز الخندق و أشعلوا الشموع ثم بدأوا في غناء الترانيم و على الرغم من أن لغتهم كانت غير مألوفة لدى أعدائهم إلا أن الألحان لم تكن كذلك و بعد إطلاق النار على عدد قليل من الأشجار أصبح البريطانيين أكثر فضولًا من كونهم متحاربين و زحفوا إلى الأمام للمشاهدة و الاستماع و بعد فترة بدأوا في الغناء و بحلول صباح عيد الميلاد امتلأت “الأرض المحرمة” بين الخنادق بالجنود الأخوة فى هدنة عفوية و تقاسموا حصص الإعاشة و الهدايا والغناء و بشكل أكثر جدية دفن موتاهم بين الصفوف و سرعان ما كانوا يلعبون كرة القدم و وفقًا لمذكرات الحرب الرسمية للفوج السكسوني الثالث والثلاثين بعد المائة فإنه اقيمت مباراة بين كلا الجانبين و وضعت قبعات بشكل عرضي كحواجز أهداف و لم تكن الأرض المجمدة كبيرة و انتهت المباراة بنتيجة 3-2 لصالح الألمان .
لكن الهدنة العفوية (التي شملت القوات الفرنسية والبلجيكية في بعض القطاعات) انتهت إلى حد كبير بحلول يوم رأس السنة الجديدة حيث أمر القادة من كلا الجانبين قواتهم باستئناف الأعمال العدائية تحت طائلة عقوبة المحاكمة العسكرية و انفصل الجنود الألمان و البريطانيين على مضض على حد تعبير الجندي “بيرسي جونز” من لواء وستمنستر و التى كانت مع كثير من المصافحة و النوايا الحسنة المتبادلة ثم امتدت الحرب العظمى بعدها خلال ثلاثة أعياد أخرى و لكن جميع المحاولات اللاحقة لتنظيم هدنة عفوية مماثلة باءت بالفشل و مات ملايين آخرين قبل هدنة 11 نوفمبر 1918 التي أنهت إطلاق النار نهائيًا.
أقرأ أيضا : هل أختفى القمر عن الظهور لدى سكان الأرض لفترة وجيزة منذ ألف عام ؟
و على الرغم من أن هدنة عيد الميلاد لعام 1914 قد تبدو و كأنها أسطورة بعيدة المنال بالنسبة لأولئك الذين هم الآن يحاربون في أجزاء مختلفة من العالم حيث تجعل الاختلافات الثقافية الهائلة بين المقاتلين مثل ذلك الأمر مستحيلًا إلا أنها تظل رمزًا للأمل لأولئك الذين يعتقدون أن فى العيش المشترك .