اذا كنت واحدا من خبراء التمييز بين اللوحات الفنية و المقلدة و تفتخر بمهاراتك تلك وسط أقرانك و طلب منك يوما الذهاب الى احد المتاحف للتفريق بين لوحة أصلية و اخرى مزيفة ثم نما إلى علمك أن واحدة منهم تحمل لمسات رجل هولندي يدعي هان فان ميجرين فعلى الفور سوف تتقدم بطلب اعتذار عن تلك المهمة لأنك سوف تشعر بالعجز لعدم إستطاعتك التمييز بينهما لأنه يعد واحدا من أعظم مزورى اللوحات الفنية فى القرن العشرين و أستطاع من خلال مهاراته فى التزييف خداع الكثير من الخبراء و المهتمين بالفنون و على رأسهم هيرمان جورينج شخصيا قائد القوات الجوية الالمانية خلال الحقبة النازية .
تبدء قصة المزور العظيم ” هان فان ميجرين ” بولادته فى بلدة ” ديفينتر ” الهولنديه عام 1889 حيث كان شخصا موهوبا و مولعا بالرسم و درس الهندسة المعماريه الا انه تركها ليلتحق بمدرسة الفنون في “لاهاي” ليكون واحدا من طلابها المتميزين و بعد تخرجه بدء بالدخول إلى عالم الفن برسم اللوحات التى ادرت عليه دخلا معقولا و اصبح واحدا من الرسامين المشهورين فى “هولندا” و خلال مسيرته الفنية تلك تعرض لتوبيخ شديد من النقاد على إعتبار انها ليست شيئا مميزا و لكنها مجرد تقليد لأساليب رسامين سابقين لذلك قرر الإنتقام منهم و تحديهم بأنه يستطيع صنع شيئا مميزا لا يستطيع احد مضاهاته ثم أنتقل الى “فرنسا” و قرر تحويل نشاطه الى تزوير الاعمال الفنية و بإتقان كبير لكبار المشاهير مثل ” فرانس هالس ” و” رامبرانت ” و غيرهم .
و خلال عمل ” هان فان ميجرين ” كان أسلوبه فى تزوير اللوحات فريدا من نوعه حيث كان يقوم بشراء لوحات قديمة و أصليه ثم يزيل الرسمة منها لتتبقى اللوحه بدون رسومات لكنها تظل محتفظة بقدمها و يظهر عليها عوامل الزمن و من ثم يبدء فى الرسم عليها باللوحة المطلوب تزويرها و بعدها يضعها فى الفرن لتجف الألوان ثم يضيف اليها بعض من التعديلات النهائية مثل دحرجتها على أسطوانة لزيادة التشققات لتكون مثل الأصلية تماما و لا يمكن التفريق بينها و مثال على ذلك قام عام 1937 برسم لوحة ” العشاء فى عمواس ” لاحد كبار الرساميين الهولنديين و هو ” فيرميير ” الذى يشتهر بأن لوحاته تعد قليلة و نادرة و لا تتعدى الـ 35 لوحه و من الصعب الوصول الى بعضها و بمجرد الإنتهاء منها و بمساعدة صديق له التقى مع احد مؤرخى الفنون فى “موناكو” و هو ” أبراهام بريديوس ” الذى إطلع عليها و أقر بأنها أصليه و يكتب عنها مقالة فى احدى المجلات الفنيه ثم تباع بمبلغ ربع مليون يورو فى ذلك الوقت اى ما يعادل 4.6 مليون يورو فى وقتنا الحالى و توضع فى صدارة احد اشهر المتاحف الوطنية بروتردام باعتبارها فخر الثقافة و الفنون الهولندية .
و فى عام 1938 قرر ” هان فان ميجرين ” ترك “فرنسا” و العودة الى “هولندا” و يواصل انشطته فى اللوحات المزيفة و يصبح ثريا للغاية حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية و بدأت القوات الالمانية فى اجتياح اوروبا و قام قادتها بسرقة خيرات دولها و كان أبرزهم ” هيرمان جورينج ” قائد القوات الجوية الألمانية و الذى كان مولعا بالاعمال و التحف الفنيه و يعمل على جمعها من الدول المحتلة ثم يقوم بشحنها إلى “ألمانيا” و عرضها في قصره و نظرا لأن “هولندا” كانت تحت الحكم النازى فلم تسلم هى و أعمالها الفنية من يد النازيين او ” جورينج ” و أستغل ” هان فان ميجرين ” ذلك الأمر حيث قام من خلال أحد الوسطاء بعرض إحدى اللوحات المزورة له و التى تنسب ايضا الى الفنان ” فيرميير ” و أقنعه بشرائها نظير مبلغ ضخم و عرضها في مقر إقامته في “كارينهول” و مع انتهاء الحرب العالمية الثانية و هزيمة “ألمانيا” قامت قوات الحلفاء باستعادة التحف الثمينة التى كانت بحوزة ” جورينج ” و اعادتها الى اصحابها الاصليين و الذى كان ” هان فان ميجرين ” واحدا منهم إلا أنه ألقى القبض عليه من السلطات بتهمة بيع لوحة أصليه الى ” جورينج ” على اعتبار انها تفريط فى قيمة ذات أهمية وطنية و بالتالى تعد امرا من امور الخيانة للبلاد و هى تهمة كانت عقوبتها هى الإعدام .
أقرأ أيضا : فيكتور لوستيج المحتال الذى تمكن من بيع برج إيفل مرتين
و خلال المحاكمة التى مثل امامها ” هان فان ميجرين ” أعترف بأنه باع تلك اللوحة بالفعل الا أنه فاجئهم بأنها لم تكن عملاً أصليًا بل هى مزورة و رسمها بنفسه و هو إعتراف أثار ضجة كبيرة بين الناس و وسائل الاعلام و تبدء الصورة نحوه فى التغير من إعتباره رجلا خائنا للوطن الى وطنيا استطاع خداع ” جورينج ” مجرم الحرب سيئ السمعه و لكن رغم ذلك التبدل تواصلت جلسات المحاكمة حيث شهد ضده خبراء الفنون الذين اصروا ان تلك اللوحة التى باعها حقيقية و نتيجة للجدال المتواصل و لقطع الشك باليقين لدى هيئة المحكمة طلبت منه رسم عمل فني مزور لإثبات ادعائه و قام بالفعل “هان فان ميجرين ” برسم واحدة من اللوحات الفنية الشهيره بشكل متقن لتأكيد ادعائه و حينها تأكدت المحكمة من مهاراته و أسقطت عنه تهمة الخيانة الا انها حاكمته بتهمة التزوير و يعاقب بالسجن لمدة عام مع اطلاق سراح مشروط و لكن قبل تنفيذ الحكم تدهورت صحته و أصيب بأزمة قلبية توفى على اثرها عام 1947 لتنتهى بذلك قصة أعظم مزور فى التاريخ و الذى تحول فى نظر الكثيرين من خائن لبلاده الى رجل وطنى استطاع خداع احد القيادات النازيه .