نهر النيل أحد أعظم الممرات المائية العذبة في العالم حيث يبلغ طوله 6695 كيلومترًا و بذلك يُعتبر هو أطول نهر في العالم حيث يتدفق بإتجاه الشمال من مصادر نائية في مرتفعات إثيوبيا و وسط إفريقيا الى أن يصل الى مصبه الوحيد في البحر الأبيض المتوسط و بجانب تكويناته الطبيعية و أهميته كمصدر للحياة الا أن نهر النيل كان بمثابة مكون ثقافي هام في تاريخ البشرية بعد أن ساهم فى توفير تربة خصبة و ازدهار الزراعة و الرى لشعب مصر على مدار آلاف السنين و يشمل حوض نهر النيل حوالي 10٪ من مساحة قارة أفريقيا و هو مثل نهري دجلة و الفرات في بلاد ما بين النهرين في العراق خلق بيئة مضيافة لظهور واحدة من أقدم الحضارات و أكثرها هيمنة في التاريخ و هى الحضارة المصرية القديمة و لعب دورًا مهمًا في الدين المصري القديم و علم الكونيات كما أن معظم سكانها منذ العصور القديمة و حتى الان و مدنها باستثناء تلك القريبة من الساحل و جميع المواقع الثقافية و التاريخية لمصر القديمة توجد على طول ضفافه .
نهر النيل جغرافيا
و أشتقت كلمة “النيل” من الكلمة اليونانية “نيلوس” و تعني وادي النهر و في اللغة المصرية القديمة يُطلق عليه اسم ” إيتيرو ” و يعني “النهر العظيم” و يمتلك نهر النيل رافدان رئيسيان أولهم النيل الأزرق الذى يعتبر مصدر معظم مياه النيل و تربته الخصبة و ينبع عند بحيرة تانا في “إثيوبيا” و يتدفق إلى “السودان” من الجنوب الشرقي أما الرافد الثاني فهو النيل الأبيض الأكثر طولا و ينبع فى منطقة البحيرات الكبرى بوسط إفريقيا و أبعد منبع له يقع في جنوب “رواندا” و يتدفق شمالًا من هناك عبر “تنزانيا” و بحيرة فيكتوريا و “أوغندا” و جنوب السودان ثم يلتقي الرافدين الأزرق و الأبيض بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم و يقع كلاهما على الجانب الغربي من الصدع الشرقي و الجزء الجنوبي من الوادي المتصدع العظيم كما يوجد رافد آخر أقل أهمية و هو عطبرة الذي يتدفق فقط أثناء هطول الأمطار في “إثيوبيا” الا أنه يجف بسرعة و يلتقي مع نهر النيل في منتصف الطريق تقريبًا إلى البحر ثم يتجه التدفق الى دولة المصب و هى ” مصر ” و عندها فى شمال القاهرة ينقسم النيل إلى فرعين يصبان في البحر الأبيض المتوسط و هم فرع رشيد فى اتجاه الغرب و فرع دمياط فى الشرق و الذان يكونان دلتا النيل .
و تقع المناطق العليا من نهر النيل في غابات جبلية و لكن مع الانتقال شمالًا يتحول الغطاء النباتي حول النهر إلى شجيرات و أشجار قصيرة ثم لا توجد نباتات في الصحراء سوى حول النهر نفسه حيث تزدهر فى ذلك المكان أغصان البردي التى تستخدم في صناعة الورق و القوارب و الصنادل و الحبال في العصور القديمة كما يعيش فى الاجزاء الجنوبية منه حيوانات مثل فرس النهر و تمساح النيل اضافة الى مجموعة متنوعة من الطيور الأسماك خاصة سمك الفرخ النيلي و البلطي الذان يعدان مصدرًا مهمًا للغذاء.
النيل الأبيض
يُنظر أحيانًا إلى مصدر نهر النيل على أنه بحيرة فيكتوريا في “تنزانيا” لكن البحيرة نفسها بها أنهار مغذية لها ذات حجم كبير مثل أنهار روكارارا و موجو و نيابارونجو و كاجيرا ثم تغادر المياه بحيرة فيكتوريا عند شلالات ريبون بالقرب من جينجا فى “أوغندا” على هيئة نهر فيكتوريا الذى يتدفق لمسافة 500 كيلومتر تقريبًا عبر بحيرة كيوجا حتى يصل إلى بحيرة ألبرت ثم تغادر المياه البحيرة و تتدفق عبر نهر ألبرت و منه إلى “السودان” حيث يُعرف باسم بحر الجبل ( او “نهر الجبل”) و عند التقاء بحر الجبل مع بحر الغزال الذي يبلغ طوله 720 كيلومترًا يكون نهر يُعرف باسم بحر الأبيض أو النيل الأبيض حيث أطلق عليه ذلك الاسم نسبة الى الطين الأبيض العالق في مياهه و من هناك يتدفق النهر إلى الخرطوم و هو يساهم بحوالي 31 بالمائة من تصريف النيل السنوي و مع ذلك خلال موسم الجفاف (من يناير إلى يونيو) يساهم النيل الأبيض بما يتراوح ما بين 70 و 90 في المائة من إجمالي التصريف من النيل .
النيل الأزرق
ينبثق النيل الأزرق من بحيرة تانا في المرتفعات الإثيوبية ثم يتدفق لمسافة 1400 كيلومتر إلى الخرطوم و بمجرد انضمامه إلى النيل الأبيض فإنه يشكل نهر النيل و يعتبر حوالي 90 في المائة من المياه و 96 في المائة من الرواسب المنقولة التي يحملها النيل تنبع من “إثيوبيا” و يحدث التآكل و نقل الطمي فقط خلال موسم الأمطار الإثيوبي في الصيف و أحيانا عندما يكون هطول الأمطار مرتفعًا بشكل خاص على الهضبة الإثيوبية على مدار العام .
الشلال و المنحنى العظيم
هناك سمتان تحددان نهر النيل بين الخرطوم و أسوان و هم الشلال والمنحنى العظيم فمنذ العصر الروماني منع شلال المياه القوارب من الصعود و النزول في النهر بين إفريقيا الاستوائية و “مصر” و مع الأراضي الرطبة الضخمة في أعالي النيل جنوب الخرطوم لذلك كانت منابع النيل تتسم بالغموض لآلاف السنين كما أن السهول الفيضية فى تلك المنطقة كانت ضيقة أو غير موجودة لذا فإن فرص الزراعة كانت محدودة و لهذين السببين المتمثلين فى عقبات الملاحة و السهول الفيضية المحدودة فقد تسببوا فى أن يكون ذلك الجزء من نهر النيل قليل السكان .
و يعد المنعطف العظيم أحد أكثر السمات بروزا فى نهر النيل فبالنسبة لمعظم مجراه فهو يتدفق شمالًا بلا هوادة و لكن في قلب الصحراء الكبرى يتجه إلى الجنوب الغربي و يتدفق بعيدًا عن البحر الاحمر لمسافة 300 كيلومتر قبل أن يستأنف رحلته شمالًا حيث يرجع هذا الانحراف في مسار النهر إلى الارتفاع التكتوني في الانتفاخ النوبي .
تدفق نهر النيل
يمتلك نهر النيل جنوب المنحنى العظيم في “السودان” نظامين هيدروليكيين حيث يحافظ النيل الأبيض على تدفق مستمر على مدار العام لأن تدفقه يتم تخزينه في بحيرتي فيكتوريا و ألبرت بوسط إفريقيا و النتيجة هي أن النيل الأبيض يتدفق بنفس المعدل تقريبًا طوال العام مما يبقي النيل في اتجاه مجراه فى الخرطوم مستمرا خلال أشهر الشتاء عندما يجف نظام النيل الأزرق / عطبرة و الذى يختلف تمامًا عنه لأنه يتأثر بموسم الأمطار و الجفاف في المرتفعات الإثيوبية ففي الشتاء تهطل أمطار قليلة على المرتفعات و نتيجة لذلك تجف هذه الأنهار بينما في الصيف تبرد الرياح الرطبة القادمة من المحيط الهندي أثناء صعودها إلى المرتفعات الإثيوبية مما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة تملأ الأودية بالمياه المتدفقة التي تنضم في النهاية إلى النيل الأزرق أو عطبرة و خلال فصل الصيف تعتبر مساهمة النيل الأبيض ضئيلة و الفيضان السنوي في مصر هو هدية من الرياح الموسمية السنوية الموجودة في إثيوبيا .
و بعد أسوان تقل المياه بسبب التبخر أثناء تدفقها ببطء عبر الصحراء الكبرى كما يُفقد الماء أيضًا بسبب الاستخدام البشري و قبل إنشاء السدود على النهر كانت التدفقات تصل الى ذروتها خلال أواخر أغسطس و أوائل سبتمبر و يكون الحد الأدنى منها خلال أواخر أبريل و أوائل شهر مايو .
تاريخ نهر النيل
كان نهر النيل شريان الحياة للثقافة المصرية منذ العصر الحجري فنتيجة تغير المناخ أو ربما الرعي الجائر فقد أدى ذلك الى تجفيف الأراضي الرعوية في “مصر” و تشكلت الصحراء الكبرى ربما منذ 8000 عام قبل الميلاد و هو ما دفع السكان الى الهجرة بعد ذلك إلى النهر حيث طوروا اقتصادًا زراعيًا مستقرًا و مجتمعًا أكثر مركزية و كمصدر رزق لا ينتهي لعب نهر النيل دورًا حاسمًا في تأسيس الحضارة المصرية القديمة و كانت الأراضي المجاورة خصبة للغاية بسبب الفيضانات الدورية و كان المصريين قادرين على زراعة القمح و المحاصيل الأخرى و توفير الغذاء للسكان و للتجارة كما أن مياه نهر النيل جذبت طرائد مثل الجاموس و الجمال بعد أن أدخلها الفرس في القرن السابع قبل الميلاد حيث كان يتم التغذى عليها او ترويضها و استخدامها في الحرث و في حالة الجمال كانت تستخدم للسفر برا عبر الصحراء و كان النيل نفسه وسيلة ملائمة و فعالة لنقل الأشخاص و البضائع .
و كان استقرار الدولة المصرية سياسيا نتيجة مباشرة لخصوبة النيل و أمّنت التجارة من خلاله فى تطوير العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى و غالبًا ما ساهم في استقرارها الاقتصادي أيضا بعد توفيره للموارد اللازمة للزراعة و التجارة التى أدرت أموال كفلت تكوين جيش بسرعة و كفاءة بالاضافة الى لعبه دورا رئيسيًا في السياسة و الدين و الحياة الاجتماعية حيث كان لدى المصريين معتقدات أن يغمر الفرعون النيل و في مقابل المياه و المحاصيل الواهبة للحياة كان الفلاحين يزرعون التربة الخصبة و يرسلون جزءًا من الموارد التي جنوها إلى الفرعون كما أن نهر النيل كان مهمًا جدًا لأسلوب حياة المصريين لدرجة أنهم خلقوا إلهًا و هو “حابي” الذى كان مكرسًا لفيضان النيل السنوي كما كان النهر يعتبر جسرًا من الحياة إلى الموت حيث كان يُنظر إلى الشرق على أنه مكان الولادة و النمو و الغرب على أنه مكان الموت و لذلك كانت جميع المقابر تقع غرب النيل لأن المصريين اعتقدوا أنه لدخول الحياة الآخرة يجب دفنها على الجانب الذي يرمز للموت و هى شواهد دفعت المؤرخ اليوناني “هيرودوت” للقول أن “مصر كانت هبة النيل” و هى مقولة صحيحة لأنه بدون مياه نهر النيل للري و الزراعة ربما كانت الحضارة المصرية قصيرة العمر لأن نهر النيل قدم مقومات صنع حضارة نشيطة و ساهم كثيرا في استدامتها لثلاثة آلاف سنة .
و على الرغم من محاولات الإغريق و الرومان لمحاولة استكشاف منابع النيل الا انهم لم يستطيعوا فعل ذلك و ظلت الروافد العليا لنهر النيل غير معروفة إلى حد كبير و فشلت الحملات المختلفة في تحديد مصدر النهر و لم يتحصل الأوروبيين سوى على القليل من المعلومات الجديدة عن أصول النيل حتى القرنين الخامس عشر و السادس عشر عندما لم يزور المسافرين إلى “إثيوبيا” بحيرة تانا فحسب بل زاروا منبع النيل الأزرق في الجبال الواقعة جنوب البحيرة و على الرغم من أن “جيمس بروس” ادعى أنه كان أول أوروبي يزور منابع نهر النيل إلا أن الكتاب المعاصرين ذوي المعرفة يمنحون الفضل إلى البرتغالي “بيدرو بايز” فى الوقت الذى كان فيه النيل الأبيض أقل فهماً و اعتقد القدماء خطأً أن نهر النيجر يمثل الروافد العليا للنيل الأبيض .
و فى العصر الحديث شاهد الأوروبيين بحيرة فيكتوريا لأول مرة عام 1858 عندما وصل المستكشف البريطاني “جون هانينج سبيك” إلى شاطئها الجنوبي أثناء رحلته مع “ريتشارد فرانسيس بيرتون” لاستكشاف وسط إفريقيا و تحديد موقع البحيرات العظمى و اعتقادًا منه أنه وجد مصدر النيل عند رؤيته لهذا الامتداد الشاسع للمياه المفتوحة لأول مرة أطلق “سبيك” على البحيرة اسم حاكمة “المملكة المتحدة” و هى “الملكة فيكتوريا” و كان “بيرتون” الذي كان يتعافى من المرض في ذلك الوقت و يستريح في أقصى الجنوب على شواطئ بحيرة تنجانيقا غاضبًا لأن “سبيك” أثبت أن اكتشافه كان المصدر الحقيقي لنهر النيل فى حين اعتبر “بيرتون” أن هذا لا يزال أمر غير مؤكد و تلا ذلك نزاع ضخم و الذي لم يثير فقط قدرًا كبيرًا من النقاش المكثف داخل المجتمع العلمي في ذلك الوقت و لكن أيضًا اهتمام المستكشفين الآخرين الحريصين على تأكيد أو دحض اكتشاف “سبيك” حيث فشل المستكشف البريطاني المعروف “ديفيد ليفينجستون” في محاولته للتحقق من اكتشاف “سبيك” و بدلاً من ذلك اتجه غربًا و دخل الى نهر الكونغو و في النهاية كان المستكشف الأمريكي “هنري مورتون ستانلي” هو الذي أكد اكتشاف “سبيك” حيث طاف حول بحيرة فيكتوريا و أبلغ عن التدفق الكبير في شلالات “ريبون “على الشاطئ الشمالي للبحيرة .
و فى الوقت الحالي أصبح الجنوب أفريقيى “هندري كوتزي” و فريقه هم أول من يبحر على طول نهر النيل بأكمله حيث انطلقت الحملة من “أوغندا” عبر النيل الأبيض في يناير عام 2004 و وصلت بأمان إلى البحر الأبيض المتوسط بعد أربعة أشهر ونصف و فى نفس العام أيضا أصبح الجيولوجي “باسكوالي سكاتورو” و المخرج الوثائقي “جوردون براون” أول من أبحر في النيل الأزرق من بحيرة تانا إلى البحر الأبيض المتوسط حيث بدأت رحلتهم فى البداية سيرا على الأقدام من الينابيع في المرتفعات الإثيوبية التي تغذي البحيرة و ضمت بعثتهم أفراد أخرين لكن “براون و سكاتورو” كانا الوحيدين اللذين قاما بالرحلة بأكملها و فى يناير 2005 وصل الكندي “لي جيكلنج” و النيوزيلندى “مارك تانر” إلى البحر الأبيض المتوسط بالتجديف فى النهر لأول مرة و في مارس عام 2006 ادعى ثلاثة مستكشفين من بريطانيا و نيوزيلندا أنهم أول من سافر عبر النهر من مصبه إلى منبعه في غابة نيونجوي المطيرة في “رواندا” .
و الى اللحظة لا يزال نهر النيل يدعم الكثير من حياة السكان الذين يعيشون على ضفافه و يعتبر طريقا سياحيا منتظما شمال أسوان و لكن مع إنشاء السد العالي بأسوان لتوفير الطاقة الكهرومائية فقد أدى ذلك الى انهاء فيضانات الصيف و تجديد التربة الخصبة بسبب أن معظم الطمي الذي يحمله النيل الأزرق يستقر في بحيرة ناصر و بسبب الضغط المتزايد على الموارد المائية للنهر أعربت جميع دول حوض النيل العشر (بوروندي و جمهورية الكونغو الديمقراطية و مصر و إريتريا و إثيوبيا و كينيا و رواندا و السودان و تنزانيا و أوغندا) لأول مرة في التاريخ عن قلقهم البالغ من تسارع استهلاك موارده و دعوا إلى العمل معًا استرشادا برؤية مشتركة تم تبنيها في فبراير 1999 لتحقيق التنمية الاجتماعية و الاقتصادية المستدامة من خلال الاستخدام العادل و الاستفادة من الموارد المائية المشتركة لحوض النيل و وافقت تسع دول على إطلاق مبادرة حوض النيل (NBI) مع إريتريا بصفة مراقب و في الوقت نفسه قررت الدخول في مفاوضات من أجل إطار تعاوني دائم فيما بينهم .