نهر السند هو أطول نهر في باكستان و أحد أهم الأنهار في شبه القارة الهندية و ينبع من مياه الثلوج و الأنهار الجليدية الذائبة في هضبة التبت بالقرب من بحيرة مانساروفار و يمتد بطول 3200 كيلومتر عبر منطقة لاداخ في كشمير و المناطق الشمالية ثم يتدفق في إتجاه الجنوب علي طول البلاد بأكملها حتي يصل إلي مصبه في بحر العرب بالقرب من مدينة كراتشي الساحلية الباكستانية و يبلغ التدفق السنوي المقدر له حوالي 207 كيلومتر مكعب و هو ما يدعم النظام البيئي للغابات المعتدلة و السهول و الريف و يعد نهر السند مورد مائي حيوي للإقتصاد الباكستاني خاصة إقليم البنجاب الذي يمثل معظم الإنتاج الزراعي في البلاد كما أنه علي ضفافه نشأت حضارة وادي السند التي يرجع تاريخها إلي حوالي 3300 قبل الميلاد و لطالما كان ذلك النهر موضع خلاف بين الهند و باكستان إلي أن توصلا إلي توقيع معاهدة عام 1960 تضمن تنظيم إستخدام مياهه بشكل عادل بين البلدين .
جغرافيا .. تعتبر هضبة التبت القريبة من بحيرة مانساروفار هي مصدر نهر السند الذي يبدأ عند إلتقاء نهري ” سنجي ” و ” جار ” اللذان يصبان في سلاسل جبال ” نجانلونج كنجاري ” و ” جانجديس شان ” ثم يتدفق شمال غرب عبر ” لاداخ -بالتستان ” و إلي ” جيلجيت ” جنوب سلسلة كاراكورام مباشرةً ثم تحمل جداول ” شيوك ” و ” شيجار ” و ” جيلجيت ” المياه الجليدية إلي النهر الرئيسي و بعدها ينحني تدريجياً نحو الجنوب و يخرج من التلال الواقعة بين ” بيشاور ” و ” روالبندي ” ثم يمر نهر السند بمضائق عملاقة يبلغ إرتفاعها ما بين 4500 – 5200 متر بالقرب من كتلة نانجا باربات الصخرية و بعدها يتدفق بسرعة عبر الهزارة و ينضم إليه نهر كابول بالقرب من ” أتوك ” و ما تبقى في طريقه إلي البحر يقع في سهول البنجاب و السند حيث يصبح النهر بطيئًا و مجدولًا للغاية ثم ينضم إليه نهر بانجناد في ” ميثانكوت ” و يصبح النهر حاملا لمياه نهر كابول و نهر السند و أنهار البنجاب الخمسة و بعد ذلك يمر عبر ” جامشورو ” و ينتهي عند دلتا كبيرة شرق ” ثاتا ” بالقرب من مدينة كراتشي الساحلية الباكستانية.
و يبلغ الطول الإجمالي لنهر السند 3200 كيلومتر و تبلغ مساحة الصرف الإجمالية للنهر أكثر من 1,165,000 كيلومتر مربع و يقدر تدفقه السنوي بنحو 207 كيلومترات مكعبة و لديه 20 رافد رئيسي و هو أحد الأنهار القليلة في العالم التي تظهر فيها تجويف المد و الجزر و يتم تحديد تدفقه حسب الفصول حيث يتضائل التدفق بشكل كبير في الشتاء بينما تغمر ضفافه في أشهر الرياح الموسمية من يوليو و حتي سبتمبر ليكون بذلك مصدر الإمداد الرئيسي لمياه الشرب في باكستان .
جيولوجيا .. يعتبر نهر السند ثاني أكبر كتلة رسوبية على وجه الأرض بحوالي 5 ملايين كيلومتر مكعب من المواد المتآكلة من الجبال و تشير دراسات الرواسب في النهر إلي أن جبال كاراكورام في شمال باكستان هي المصدر الوحيد الأكثر أهمية لتلك المواد كما أظهر تحليل الرواسب من بحر العرب أنه قبل خمسة ملايين سنة مضت لم يكن نهر السند متصلاً بأنهار البنجاب التي تدفقت بدلاً من ذلك شرقًا إلي نهر الجانج كما أن الرمال و الطمي القادمة من غرب التبت كانت تصل إلى بحر العرب منذ 45 مليون سنة مما يعني وجود نهر السند القديم في ذلك الوقت و تم العثور لاحقًا على دلتا نهر السند البدائي هذا في حوض كاتواز علي الحدود الأفغانية الباكستانية و في الآونة الأخيرة كان نهر السند يوازيه نهر ساراسواتي القديم و يشير التأريخ الكربوني الهيدرولوجي الأثري إلي أن نهر ساراسواتي كان جافًا تمامًا بحلول عام 1900 قبل الميلاد .
مناخيا .. تعد دلتا نهر السند واحدة من أكثر الدلتا جفافًا في شبه القارة الهندية حيث يعتبر معدل هطول الأمطار فيها غير منتظم بسبب مرور الأعاصير القادمة من بحر العرب و مع ذلك فإن سهول البنجاب تتلقى كميات كبيرة من الأمطار بسبب الرياح الموسمية الصيفية ففي ” أبوت آباد ” يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي حوالي 1200 ملم و في ” موري ” حوالي 1700 ملم و يتلقى الحوض العلوي لنهر السند ما بين 10 إلي 20 ملم من الأمطار في أشهر الشتاء بسبب الرياح الشمالية الغربية و تستقبل المرتفعات العليا في ” كشمير ” و المناطق الشمالية كمية كبيرة من الأمطار علي شكل ثلوج لكن الوديان السفلية تكون جافة للغاية و دافئة جدًا في الصيف و تنخفض درجات الحرارة السنوية إلي ما دون درجة التجمد في المناطق الجبلية الشمالية في الشتاء بينما تتجاوز 38 درجة مئوية في سهول البنجاب و السند في الصيف كما تقع ” جاكوب آباد ” التي تعد واحدة من أكثر المناطق حرارة في العالم غرب النهر .
تاريخيا .. يعود تاريخ المدن الرئيسية في حضارة وادي السند ” هارابا و موهينجو دارو ” إلي حوالي 3300 قبل الميلاد و التي مثلت بعضًا من أكبر المساكن البشرية في العالم القديم و إمتدت حضارة وادي السند من ” بلوشستان ” و حتي ولاية “جوجارات ” مع إمتداد صاعد من شرق نهر جيلوم إلي روبار في منطقة سوتليج العليا و إمتدت المستوطنات الساحلية من ” سوتكاجان دور ” علي الحدود الإيرانية إلي لوثال في ولاية ” جوجارات ” و حتى الآن تم العثور علي أكثر من 1052 مدينة و مستوطنة و يعتقد معظم العلماء أن مستوطنات ثقافة قبور جاندارا للهنود الآريين الأوائل إزدهرت في جاندارا علي ذلك النهر في الفترة من 1700 إلى 600 قبل الميلاد كما شكل نهر السند حدودًا طبيعية بين المناطق النائية الهندية و حدودها مع ” أفغانستان ” و ” إيران ” و قد عبرته جيوش الإسكندر الأكبر عندما تراجعت القوات اليونانية علي طول المجرى الجنوبي للنهر في نهاية الحملة الهندية و كانت سهول السند يوما تحت سيطرة الإمبراطورية الفارسية و إمبراطورية كوشان و عبرته الجيوش الإسلامية للوصول إلي المناطق الداخلية في ولاية ” جوجارات و البنجاب و راجبوتانا ” .
و في التاريخ الحديث نظرًا لموقع و موارد نهر السند المائية الهائلة فهو يعد حيويًا للإقتصاد و المجتمع الباكستاني فبعد تقسيم ” الهند ” عام 1947 أصبح إستخدام مياهه و روافده الشرقية الخمسة محور نزاع كبير بين البلدين حيث تقع القنوات بشكل أساسي في ” باكستان ” و السدود الرأسية في ” الهند ” مما أدى إلى تعطيل إمدادات المياه لبعض الأجزاء الباكستانية و قد ولد ذلك الأمر مخاوف من قيام ” الهند ” ببناء السدود علي أنهار البنجاب المختلفة و تقويض إمدادات المياه المتدفقة إلي ” باكستان ” فضلاً عن إحتمال قيام ” الهند ” بتحويل الأنهار في أوقات الحرب و هو ما سبب حالة من الذعر السياسي في ” باكستان ” لذلك و في خلال محادثات دبلوماسية توسط فيها البنك الدولي وقع البلدين علي معاهدة مياه السند عام 1960 و التي منحت ” الهند ” السيطرة علي الأنهار الثلاثة الواقعة في أقصى شرق البنجاب ( سوتليج و بيز و رافي ) في حين حصلت ” باكستان ” علي السيطرة على الأنهار الغربية الثلاثة ( جيلوم و تشيناب و السند ) مع حفاظ الهند علي حق إستخدام الأنهار الغربية في مشاريع غير الري .
بيئيا .. تشير روايات وادي السند منذ حملة الإسكندر الأكبر إلي وجود غطاء غابات صحي في المنطقة و الذي تراجع الآن إلى حد كبير كما كتب الإمبراطور المغولي ” بابور ” عن مواجهته لوحيد القرن على طول ضفافه في مذكراته و أدت إزالة الغابات علي نطاق واسع و التدخل البشري في بيئة تلال شيفاليك إلي تدهور ملحوظ في الغطاء النباتي و في مياهه يعيش دولفين نهر السند الأعمي و هو نوع فرعي من الدلافين يعيش فقط في مياهه و تعتبر أسماك بالا طعامًا شهيًا للأشخاص الذين يعيشون علي ضفافه و تعد أعداد الأسماك في النهر معتدلة حيث تعتبر مناطق سوكور و ثاتا و كوتري و كلها في منطقة السند السفليه مراكز الصيد الرئيسية في البلاد حيث جعلت السدود و الري تربية الأسماك نشاطًا إقتصاديًا مهمًا و قد تم الإعتراف بالدلتا الكبيرة كواحدة من أهم المناطق البيئية في العالم و مع ذلك لدي النشطاء البيئيين المهتمين بنهر السند عدد من المخاوف تتمثل في أن تؤثر إزالة الغابات علي نطاق واسع و التلوث الصناعي و الإحتباس الحراري علي الغطاء النباتي و الحياة البرية فضلاً عن الإنتاج الزراعي هناك كما توجد مخاوف أخري من أنه يوما ما قد يغير مساره نحو الغرب علي الرغم من أن ذلك سيستغرق عدة قرون كما أنه في مناسبات عديدة تصبح القنوات مسدودة بالرواسب بسبب سوء الصيانة بشكل يؤثر بالسلب على الإنتاج الزراعي و الغطاء النباتي بالإضافة إلي تسبب الحرارة الشديدة في تبخر الماء مما يترك رواسب ملحية تجعل الأراضي غير صالحة للزراعة .
إقتصاديا .. يوفر نهر السند الموارد المائية الرئيسية لإقتصاد ” باكستان ” كما يعتبر المسئول عن سلة الخبز لإقليم البنجاب الذي يمثل معظم الإنتاج الزراعي في البلاد كما يعد ذات أهمية كبيرة لوادي السند السفلي و الذي تكون فيه الأمطار ضعيفة جدا لذلك تم بناء قنوات الري الأولي على يد شعوب حضارة وادي السند ثم أستكملت على يد مهندسي إمبراطورية كوشان و المغول و بعدها أدخلت شركة الهند الشرقية البريطانية نظام الري الحديث عام 1850مع بناء القنوات الحديثة و ترميم القديمة و أشرف البريطانيين على بناء واحدة من أعقد شبكات الري في العالم و بعد تقسيم الهند ضمنت معاهدة التحكم في المياه الموقعة بين ” الهند ” و ” باكستان ” عام 1960 حصول الباكستانيين على المياه من نهر السند بشكل مستقل عن سيطرة ” الهند ” علي المنبع و توفر مشاريع الري و السدود الواسعة لباكستان القدرة علي إنتاج كم كبير من المحاصيل مثل القطن و قصب السكر و القمح بالإضافة إلي توليد الكهرباء للصناعات الثقيلة و المراكز الحضرية.