الفن المصري كان و لا يزال شعلة تنير طريق الإبداع العربي و في قلب هذا الفن يبرز إسم الفنان الكبير نبيل الحلفاوي كأحد رموزه المضيئة بعد أن إستطاع بفضل موهبته الفذة و أدائه المتميز من ترك بصمة لا تُنسى في تاريخ الدراما و السينما المصرية و هو ما جعل له قاعدة جماهيرية كبيرة بإعتباره ممثلًا بارعًا و نموذج يحتذى به في الإلتزام الفني و الإختيار الدقيق للأدوار التي تعكس قضايا مجتمعه و تلمس وجدان المشاهدين لذلك شكلت أعماله مزيجا من الأصالة و الإبتكار و يصبح أيقونة فنية تحظى بإحترام واسع في مصر و العالم العربي .

ولد ” نبيل الحلفاوي ” في 22 أبريل عام 1947 في حي السيدة زينب أحد أعرق أحياء القاهرة و أكثرها إزدحامًا بالحياة الشعبية و التراث المصري الأصيل و نشأ وسط أسرة مصرية متوسطة الحال و تميز منذ صغره بشخصيته الهادئة و الذكية و حبه للقراءة و المسرح حيث كان مولعًا بمتابعة الأعمال المسرحية و السينمائية المصرية و هو ما ساعده في تكوين ذوق فني رفيع و أسلوب مميز و بعد إنهاء تعليمه الثانوي إلتحق بكلية التجارة بجامعة القاهرة لكنه شعر أن ميوله الحقيقية كانت نحو الفن لذلك قرر التحول إلي دراسة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية و هناك تعلم علي أيدي كبار الأساتذة و تدرب علي تقنيات التمثيل المختلفة مما أتاح له صقل موهبته و بناء أسس قوية لمسيرته الفنية .

و بدأ ” نبيل الحلفاوي ” مشواره الفني أوائل السبعينيات من القرن الماضي وسط أجواء مليئة بالتحديات و كان المسرح هو بوابة دخوله إلي عالم الفن حيث شارك في عدد من الأعمال المسرحية التي لفتت الأنظار إلي موهبته و تميزت بداياته بالجدية و الرغبة في التعلم إذ كان يسعى دائمًا إلي تطوير نفسه من خلال الإطلاع و العمل مع كبار المخرجين و مع مرور الوقت بدأ ” نبيل الحلفاوي ” بالظهور في أدوار صغيرة علي الشاشة الكبيرة و الصغيرة إلا أن أداءه اللافت جعله يحظى بفرصة تقديم أدوار أكثر تعقيدًا و بدأ في التألق بأدوار البطولة المشتركة ثم تدرج ليصبح نجمًا يقدم أدوارًا رئيسية في أهم الأعمال الفنية.

و خلال مسيرته الفنية قدم ” نبيل الحلفاوي ” العديد من الأعمال السينمائية التي جسدت أدوارًا مميزة منها ما كان وطنيًا و منها ما تناول قضايا اجتماعية ومن أبرز أفلامه :

1. “الطريق إلى إيلات” (1993):
   و يعد هذا الفيلم الذي تناول بطولة القوات البحرية المصرية خلال حرب الإستنزاف واحدًا من أبرز محطات الحلفاوي الفنية بعد أن جسد فيه شخصية القائد العسكري بإحساس و عمق شديدين و كان لأدائه الواقعي الفضل في أن يكون الفيلم أيقونة من أيقونات السينما الوطنية.
2. “الهروب إلى القمة” (1996):
   و في ذلك الفيلم جسد فيه شخصية ذات بعد إنساني و إجتماعي معقد حيث تناول العمل صراعات الطبقات الاجتماعية.
3. “العميل رقم 13” (1989):
   رغم أن ذلك الفيلم كان يحمل الطابع الكوميدي إلا أن ” نبيل الحلفاوي ” أجاد فيه بدور ظابط الشرطة و هو ما أكد علي قدرته في تنويع أدائه .

و بجانب السينما إرتبط إسم ” نبيل الحلفاوي ” بعدد كبير من الأعمال الدرامية الناجحة التي تناولت موضوعات متنوعة و من أبرز هذه الأعمال :

1. “رأفت الهجان” (1987–1992):
   لا يمكن الحديث عن تاريخ الدراما المصرية دون الإشارة إلى هذا العمل المتميز الذي تناول قصة جاسوس مصري زرعته المخابرات المصرية داخل إسرائيل و لعب ” نبيل الحلفاوي ” دور ظابط المخابرات المصري ” نديم هاشم ” و قام بأدائه بشكل بارع جعل تلك الشخصية من أهم الشخصيات التي قدمها طوال مشواره الفني .
2. “زيزينيا” (1997–2000):
   تألق في هذا العمل الذي تناول قصة الحياة في الإسكندرية خلال فترة الإحتلال البريطاني.
3. “الدوامة” (1973):
   يعد من أوائل أعماله التي أكدت قدرته على تقديم أدوار مركبة تحمل طابعًا إجتماعيًا.

أما بالنسبة إلي المسرح فقد كان دائما هو عشقه الأول إذ شارك في العديد من المسرحيات التي أظهرت براعته في الأداء الحي ومن أهم أعماله المسرحية :

1. “أنطونيو وكليوبترا” ( 1976 ) :
   و قدم فيها أداءً كلاسيكيًا أظهر مدى تأثره بالأعمال الأدبية. .
2. “ رجل في القلعة” ( 1987 ) :
   و تناول هذا العمل أبعادًا فلسفية و إجتماعية عميقة برع الحلفاوي في تقديمها .

و خلال مشواره الفني تميز الفنان ” نبيل الحلفاوي ” بعدد من السمات التي جعلته أحد أبرز نجوم جيله أهمها تنوعه في الأداء لإمتلاكه القدرة علي تقمص الشخصيات من القائد العسكري الصارم إلي الأب الحنون و من البطل الوطني إلي الشخصية الإجتماعية المعقدة بالإضافة إلي تأثيره العاطفي لتميز أدائه بصدق المشاعر و البساطة مما يجعله قريبا من قلوب الجمهور كما يعرف عنه إلتزامه الشديد و إختياره الدقيق للأدوار لأنه دائما ما يفضل تقديم أعمال ذات قيمة فنية و مضمون قوي جعلته يحصد العديد من الجوائز التي تعكس تقدير النقاد و الجمهور لأعماله أبرزهم جائزة أفضل ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عن دوره في فيلم (الهروب إلى القمة) و أفضل ممثل من الجمعية المصرية لفن السينما عن دوره في فيلم (اغتيال مدرسة) عام 1988 .

و علي الصعيد الشخصي أختار الفنان ” نبيل الحلفاوي ” أن تكون حياته هادئة و مستقرة حيث يُعرف عنه تواضعه و إبتعاده عن الأضواء خارج نطاق عمله الفني و هو متزوج و لديه ولدين ” خالد من الفنانة فردوس عبد الحميد و وليد من زوجة أخري ” و تعد عائلته محور إهتمامه الأول كما يُعرف عنه بحبه للقراءة و الكتابة حيث يمتلك رؤية ثقافية عميقة تظهر في حواراته و مقابلاته و يكتب الشعر و له ديوان شعري منشور .

أقرأ أيضا : قصة صعود الممثل داني تريجو من عالم الجريمة إلي عالم السينما

و لا يقتصر تأثير ” نبيل الحلفاوي ” على الجيل الذي عاصره فقط بل إمتد ليشمل الأجيال الجديدة من الفنانين الذين يعتبرونه قدوة لهم و كثيرًا ما يستشهدون بأعماله كمثال للالتزام و الجودة الفنية و رغم إبتعاده مؤخرا عن الأعمال الفنية إلا أنه ترك إرثًا فنيًا غنيًا شكل جزءًا من تاريخ الفن المصري و ستظل أدواره الوطنية و الإجتماعية محفورة في ذاكرة المشاهدين و أعماله مرجعًا لكل من يسعي إلي تقديم فن راقٍ و هادف لأنه ليس مجرد ممثل بل مدرسة فنية متكاملة تعكس قيم الأصالة و الإبداع .