يعد منتخب الفاتيكان الوطني لكرة القدم نموذجًا فريدًا في عالم الرياضة نظرا لأنه يمزج بين النشاط الرياضي و الرؤية الأخلاقية و الروحية التي تتماشى مع قيم دولة الفاتيكان التي يبلغ عدد المنتسبين لها 900 شخص و تعتبر بذلك أصغر دولة في العالم من حيث عدد السكان و رغم تلك المشكلة إلا أنها لم تمثل عقبة نحو تأسيس إتحاد لكرة القدم في مطلع السبعينيات تحت إشراف جمعية الفاتيكان الرياضية للهواة و رغم التحديات الخاصة في تشكيل فريق قادر علي خوض المباريات الدولية إلا أنهم نجحوا في تأسيس حضور رياضي ملفت في عدد من المحافل بهدف إعلاء القيم الأخلاقية كأولوية أكثر من المنافسة علي البطولات .
بدأت قصة الرياضة في الفاتيكان منذ القرن السادس عشر حين أُقيمت أول مباراة رياضية للعبة ” كالتشيو فيورنتينو ” و هي رياضة تشبه كرة القدم الحديثة في 7 يناير عام 1521 تحت إشراف البابا ” بنديكت الخامس عشر ” و في القرن العشرين تأسس إتحاد كرة القدم في ” الفاتيكان ” عام 1972 و بعدها بعام أقيم أول دوري رسمي لكرة القدم و فاز فريق جريدة “لوسيرفاتوري رومانو” التي تعد الصحيفة الرسمية للفاتيكان بأول لقب في الدوري و خلال تلك الفترة لم يشارك منتخب الفاتيكان في أي مباراة دولية حتي عام 1985 حين واجه فريق من الصحفيين النمساويين و تمكن من الفوز عليهم بثلاثة أهداف نظيفة و بعدها أجرى الفريق عدة مباريات ودية أخرى أبرزها عام 2002 ضد منتخب ” موناكو ” بالإضافة إلي بعض المباريات ضد فرق دينية محلية أو فرق من الدول المجاورة.
و يتكون تشكيل منتخب الفاتيكان بشكل رئيسي من موظفي الدولة و أبرزهم أفراد الحرس السويسري الذي يعتبر القوة العسكرية الرسمية و المسؤول عن حماية البابا إضافة إلى ضباط الشرطة و سعاة البريد و الموظفين الإداريين و نظرًا لصغر عدد سكان الفاتيكان و قلة الموارد البشرية المتاحة فيشكل ذلك عقبة كبيرة نحو تكوين فريق متكامل لخوض البطولات و المباريات التي تتطلب فرقًا كاملة و بتشكيلات متعددة و في محاولة للتغلب علي تلك المشكلة أقترح الكاردينال ” تارشيزيو برتوني ” أمين سر الدولة عام 2006 تكوين فريق من رجال الدين و الطلاب الكاثوليك من جميع أنحاء العالم و أشار إلي أن هناك العديد من اللاعبين الذين تلقوا تدريبات كروية في مراكز تدريب دينية مما قد يتيح تشكيل فريق قوي قادر على المنافسة الحقيقية و لكن رغم عملية الإقتراح إلا أن رؤية ” الفاتيكان ” فضلت أن تظل الأمور محصورة في المشاركات المحدودة علي النطاق الهاوي و الأخلاقي .
و رغم وجود دعوات متعددة لإنضمام منتخب الفاتيكان إلي الأتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا ) إلا أن إدارة الفريق فضلت التمسك بمبادئ الرياضة الهاوية و رفضت الدخول في عالم الرياضة الإحترافية حيث كانت رؤية ” الفاتيكان ” ترجع إلي نظرتهم للرياضة بأنها ليست وسيلة للتسلية أو الترفيه فقط بل تهدف إلي نقل القيم الأخلاقية و الدينية مثل النزاهة و التضامن و الأخوة و هو ما دفع رئيس الإتحاد ” دومينيكو روجيرو ” للتأكيد عام 2014 بتفضيلهم البقاء بعيدًا عن الفيفا للحفاظ علي رسالة الفريق و قيمه التي تتعارض مع المنافسات الإحترافية التي تتحول أحيانًا إلى نشاط تجاري بحت لذلك فهم لا يسعون للفوز بالمباريات أكثر من سعيهم نحو تقديم رسالة محبة و تآخي بين الشعوب لأن الهدف الأساسي من المشاركة الرياضية لديهم هو نشر السلام و القيم الإيجابية .
و يعتمد منتخب الفاتيكان لكرة القدم علي ملابس رياضية من شركة “ديادورا” الإيطالية و يتميز زيهم الرسمي بقميص أصفر مع خطين ضيقين باللونين الأزرق و الأبيض علي الجانب العلوي الأيمن من القميص مع شورتات بيضاء و بحلول عام 2021 قدمت شركة “جوما” الإسبانية زيًا جديدًا للفريق و أصبح متاحًا للبيع في متاجر الفاتيكان للمرة الأولي حيث تُوجه أرباح البيع للأعمال الخيرية التي يشرف عليها البابا كما أعلن عن توقيع أول إتفاقية رعاية للمنتخب مع مصنع نبيذ إيطالي يُدعى “بوديري دي سان بيترو” حيث تم إختيار هذه المؤسسة بعد التأكد من إلتزامها بمعايير أخلاقية عالية تتماشى مع قيم الفريق خاصة و أنه قد رُفضت سابقًا عروض رعاية من شركات المراهنات لعدم توافقها مع معايير الفاتيكان الأخلاقية .