تعتبر المصارعة واحدة من أشهر الرياضات القتالية فى العالم و أقدمها و نظرا لنجاحها فى جذب الكثير من الرياضيين لممارستها و المتابعين لمشاهدتها فقد أشتقت منها عددا من الرياضات بعضها يشارك فى بطولة الألعاب الأوليمبية مثل المصارعة الحرة و الرومانية و منها ما هو إستعراضى كما نرى ببطولات مصارعة المحترفين فى الولايات المتحدة و أخرى تكون معتمدة على ثقافات الشعوب و تاريخهم واحدة منها تمارس فى تركيا تحت اسم مصارعة الزيت التى تعتبر واحدة من أكثر الرياضات شعبية في تركيا و فيها يرتدي المصارعين سراويل جلدية قصيرة ضيقة مصنوعة من جلد الجاموس المائي و يغطون أنفسهم بزيت الزيتون ثم يبدأون المباراة و يتصارعون معا وسط حشد كبير من الجمهور فى ظل بطولة تعتبر أقدم مسابقة رياضية مستمرة في العالم و هى “كيركبينار السنوية” و التى تجرى بعض من مبارياتها فى حضور الرئيس التركى .
و يرجع تاريخ بطولات مصارعة الزيت إلى العصر الفارسي الا أنها أصبحت رياضة تركية راسخة فى القرن الرابع عشر خلال حملة أطلقها السلطان العثماني “أورهان غازي” للاستيلاء على”تراقيا” و هى الجانب الأوروبي من منطقة مرمرة التركية و في ذلك الوقت استولى السلطان و شقيقه “سليمان باشا” و 40 محاربًا على حصون في المنطقة التي تُعرف الآن بالحدود اليونانية / التركية / البلغارية و في ذلك المكان خيموا فيه و بدأوا في ممارسة المصارعة من أجل التسلية و تصارع اثنان من المحاربين لساعات لكن لم ينجحا في الفوز و وعدهم “سليمان باشا” بحصول الفائز على سروال جلدي يطلق عليه اسم “كيسبت” و يتصارعوا من الصباح حتى منتصف الليل و أصيبوا بالإرهاق و مات كلاهما و قام أصدقاؤهم بدفنهم تحت شجرة تين و غادروا المكان و عندما زار الجنود موقع الدفن بعد سنوات لاحظوا أن عدة ينابيع قد ظهرت في الموقع وأطلقوا على المكان اسم كيركبينار و مع الوقت بدأوا في تنظيم بطولات المصارعة الزيتية فى ذلك المكان و أصبحت تقليدًا في منطقة “أدرنة” التى كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية لمدة 91 عامًا و مكان بطولتها السنوية .
و يربح فائز مصارعة الزيت فى بطولة “كيركبينار ” السنوية جائزة مالية قدرها 100 ألف دولار أمريكي إلى جانب لقب “بطل تركيا”و اذا حصد المصارع ذلك اللقب لمدة ثلاث سنوات متتالية فيحصل على حزام ذهبى بوزن 1.5 كيلوجرام كما تمنح البنوك أو الشركات أو الأفراد الذين يرغبون في رعاية تلك البطولة جوائز نقدية للمصارعين و تقوم الجهة المنظمة الممثلة فى مجلس بلدية أدرنة بتوزيع الجوائز الذهبية و النقدية على الثلاثة الأوائل كما يتم دفع مبالغ نقدية لمن لم يتمكنوا من الحصول على جائزة كتغطية لنفقات سفرهم للمشاركة فى البطولة و يستمر موسم مصارعة الزيت لمدة 8 أشهر في السنة و لاعداد مصارع جيد فى تلك اللعبة فيتم تدريبه على يد معلم يكون أحد المصارعين المحترفين و يقوم بتدريبه على فنون مصارعة الزيت و فنياتها و بعد أن يترك المصارع الرئيسي “ساحة الشجعان” يواصل تلميذه المتدرب تقليده و يحضر المصارعون بطولات المصارعة الأخرى قبل مجيئهم إلى مسابقة “كيركبينار” الكبرى حتى يعرف الحكام عن كثب أسلوب كل مصارع و إتقانه و تنقسم تلك اللعبة الى مجموعات يتم تصنيفها بحسب البطولات و الخبرات و احترافية المصارع و ليس الوزن .
و رغم أنه فى المصارعة الأولمبية يعتبر الإمساك ببدلة المصارعة خطأ الا أن الوضع يختلف في مصارعة الزيت حيث يكون الهدف منها هو الإمساك به و ادخال يديه الى داخل الزى الخاص بالخصم من أجل السيطرة عليه قدر الامكان و الذى يكون سروال جلدي أسفل الركبة يطلق عليه اسم ” الكيبيست ” و مصنوع من جلد الجاموس و في الوقت الحاضر عادة ما يكون مصنوع من جلد العجل و يزن ما بين 1.8 كجم أو 2.5 كجم عند دهنه بالزيت و من خلال الامساك به يمكن التغلب على الخصم بلعبة تسمى “باكا كازيك” لإنهاء المباراة و التى تكون من خلال ملامسة الظهره الى الأرض و هو أمر لا يكون سهلا نظرا لتلطخ أجسام كلا اللاعبين بالزيت و فى عرف تلك اللعبة أن يقوم المصارع الأصغر سنا و الذي يهزم المصارع الأكبر منه تقبيل يده كنوع من الإحترام له و حتى عام 1975 لم يكن هناك حد زمني للمباراة في بطولة “كيركبينار” حيث كان اللاعبين يتصارعون أحيانًا يومًا واحدًا و أحيانًا يومين حتى يتمكنوا من إثبات تفوقهم على بعضهم البعض و تستمر ألعاب المصارعة من الساعة 9 صباحًا حتى الغسق و اذا لم تنتهى المباراة يتم استكمالها فى اليوم التالى و بعد عام 1975 اقتصرت مباراة مصارعة الزيت على 40 دقيقة و إذا لم يكن هناك فائز ضمن هذه الحدود فإن اللاعبين يتصارعون لمدة 15 دقيقة مع تسجيل النقاط و من يتمكن فى احراز نقاط أكثر فى ذلك الوقت يكون هو الفائز و في فئات الأخرى يقتصر وقت المباراة على 30 دقيقة و إذا لم يكن هناك فائز يضاف 10 دقائق أيضا و من يحرز أول نقطة يكون هو الفائز فيما يعرف بالنقطة الذهبية و في عام 1999 تم إدخال مكافحة المنشطات فى تلك اللعبة .
و تعتبر بطولة “كيركبينار” هى الأكبر و الأضخم فى لعبة مصارعة الزيت و يشارك فيها ما يقارب من ألف مصارع من جميع أنحاء تركيا يخوضوا فيها مباريات على مدار ثلاثة أيام و تقام نهائياتها في اليوم الأخير من بطولة و عادة ما يصل رئيس تركيا إلى “أدرنة” في هذا اليوم لمشاهدة النهائيات و يتم تسليم الجائزة من قبل الرئيس و الراعي و رئيس البلدية و قبل النهائيات بقليل تنظم البلدية مزادًا و توضع العطاءات على كبش و يصبح أعلى مزايد هو راعى البطولة العام المقبل الذى يرحب بضيوفه و يقيمهم في الفندق و يقيم حفلات عشاء كبيرة و ينظم الاحتفالات كما أنه يوزع الميداليات على الفائزين في فئاتهم و له صلاحية إيقاف المباراة و استبعاد المصارعين إذا لزم الأمر و كان الرؤساء مثل تورغوت أوزال و سليمان ديميريل و عبد الله جول من بين المتفرجين على تلك البطولة و كان أشهر أبطالها هو المصارع ” أليكو ” الذى حقق سجلاً غير قابل للكسر لكونه بطلا لمسابقة “كيركبينار” لمدة 27 عامًا .
أقرأ أيضا : مصارعة العناكب .. لعبة قتاليه تكون العناكب فيها هى أبرز أبطالها
و تمارس طقوس محددة عند ممارسة لعبة مصارعة الزيت أهمها ” البيسريف ” و التى تعتبر مقدمة مسرحية يقوم بها المصارعون يكون فيها جزء من الصلاة و الاحماء في نفس الوقت حيث يصطف المصارعون في صفوف و يكون بطل البطولة السابق واقفا معهم على اليمين ثم ينظر المصارعون إلى جانب القبلة و يمسكون بأيدي بعضهم البعض كرمزية ان كل مصارع مجرد أخ للأخر و رفيقه في الجهاد المقدس و هم مثل الأبطال علي و سليم اللذين كانا مؤسسي تلك المسابقة .