لغز مستعمرة رونوك .. هل كانوا حقًا مفقودين أم أنهم وجدوا وطنًا جديدًا ؟

علي مدار التاريخ كان هناك العديد من الألغاز التي حيرت المؤرخين و الباحثين و دائما ما تأتي في المقدمة حوادث الإختفاء و إذا كانت القصص المتعلقة بإختفاء الأفراد دائما ما تكون مثيرة إلا أن حالات الإختفاء الجماعي هي الأكثر إثارة كما حدث في مستعمرة رونوك عام 1587 حين وصل 115 مستوطنًا إنجليزيًا إلى جزيرة تحمل ذلك الإسم في أمريكا الشمالية لمحاولة إنشاء مستوطنة دائمة في العالم الجديد تضم عائلات كاملة من رجال و نساء و أطفال بغرض الإستقرار في ذلك المكان علي المدي الطويل إلا أنه و بشكل مفاجئ إختفي سكان تلك المستعمرة بشكل كامل و دون ترك أثر سوي لغز مثل تحديا للكثير من العلماء طوال قرون .

بدأت قصة مستعمرة رونوك المفقودة حين أطلقت الملكة ” إليزابيث الأولي ” بعثات لتأسيس مستعمرات إنجليزية دائمة في العالم الجديد كان من بينها إستعمار جزيرة رونوك و كان من بين المستوطنين الجدد ” إليانور وايت داري ” إبنة حاكم المستوطنة ” جون وايت ” التي كانت حاملاً في ذلك الوقت و بعد أسابيع قليلة من وصول المستعمرين إلي المكان أنجبت ” إليانور ” أول طفل إنجليزي يولد في العالم الجديد و أطلقت عليه إسم ” فيرجينيا داري “و لكن لم تسر الأمور كما كان متوقعًا نظرا لأنه بعد فترة وجيزة إضطر الحاكم ” جون وايت ” إلي تركهم و العودة إلي ” إنجلترا ” لجلب المزيد من الإمدادات إلا أن نتيجة إندلاع الحرب بين ” إنجلترا ” و ” إسبانيا ” حال ذلك دون عودته لثلاث سنوات كاملة و حين تمكن أخيرًا من العودة إلي المستعمرة عام 1590 تزامنًا مع عيد ميلاد حفيدته الثالث وجدها مهجورة تمامًا و لم يكن هناك أي أثر للمستوطنين بإستثناء كلمة “كرواتوان CROATOAN” محفورة علي أحد الأعمدة الخشبية .

لغز مستعمرة رونوك .. هل كانوا حقًا مفقودين أم أنهم وجدوا وطنًا جديدًا ؟

كان إختفاء أفراد مستعمرة رونوك غامضا خاصة مع عدم وجود أي أدلة تشير إلي مصيرهم و هو ما فتح الباب أمام تساؤلات عديدة ليس في ذلك الوقت فحسب و لكن عبر القرون و حاول البعض وضع فرضيات تفسر ما حدث للمستوطنين حيث رجح البعض أنهم لقوا حتفهم بسبب المرض أو المجاعة بينما يشير آخرون إلي إحتمال تعرضهم لمذبحة علي يد القبائل الأصلية كما توجد نظرية أخري مفادها أن المستوطنين ربما قد إندمجوا مع القبائل المحلية إما كأصدقاء أو أسري لكن في الآونة الأخيرة ظهرت أدلة جديدة تلقي الضوء علي اللغز القديم حين صدر كتاب إسمه “المستعمرة المفقودة و جزيرة هاتيراس” للباحث ” سكوت داوسون ” أوضح فيه أن المستوطنين لم يختفوا بل إنتقلوا ببساطة للعيش مع أصدقائهم من قبيلة كرواتوان في جزيرة هاتيراس .

لغز مستعمرة رونوك .. هل كانوا حقًا مفقودين أم أنهم وجدوا وطنًا جديدًا ؟

و لم يكتفي ” سكوت داوسون ” بطرح نظريته فقط بل أظهر أدلة قد تدعمها بعد أن أمضي مع فريق من علماء الأثار و المؤرخين و علماء النبات و الجيولوجيين و غيرهم أكثر من 11 عامًا في التنقيب بمواقع مختلفة في مناطق بوكسطن و فريسكو بولاية كارولاينا الشمالية و أثناء حفرهم إكتشفوا آلاف القطع الأثرية التي تثبت تفاعل حدث بين المستوطنين الإنجليز و السكان الأصليين حيث تضمنت هذه القطع أجزاءً من سيوف و خواتم و ألواح كتابة و أجزاء من أسلحة نارية بالإضافة إلي أواني فخارية و رؤوس سهام مصنوعة محليًا و جميعها كانت مدفونة في نفس الطبقة من التربة مما يشير إلي تعايش المجموعتين سويًا .

و بجانب الأدلة الأثرية السابقة التي تدعم تلك النظرية إستند ” داوسون ” أيضًا إلي وثائق تاريخية كتبها الحاكم ” جون وايت ” بنفسه عبَّر عن إرتياحه حين وجد الكلمة المنقوشة علي الخشب مشيرًا إلي أن المستعمرين قد يكونوا قد إنتقلوا إلي ” كرواتوان ” حيث ولد ” مانتيو ” و هو أحد أفراد القبيلة الذي سافر مع البعثات الإستكشافية السابقة و تم تعميده كمسيحي في جزيرة رونوك و لسوء الحظ لم يتمكن ” وايت ” من السفر إلي هاتيراس بسبب هبوب عاصفة عنيفة و تمرد طاقمه و هو ما أجبره علي العودة إلي إنجلترا دون أن يرى المستعمرة مرة أخرى كما توجد وثائق تاريخية أخري تشير إلي أن مستوطني مستعمرة رونوك غادروا مخيمهم الأصلي و إندمجوا مع السكان الأصليين و ما أكد ذلك أنه بعد أكثر من قرن لاحظ المستكشف الإنجليزي ” جون لوسون ” وجود أفراد من القبائل الأصلية بعيون زرقاء و الذين زعموا أن لديهم أسلافًا قادرين علي “القراءة من الكتب” و هو دليل إضافي علي إحتمال إختلاط المستوطنين بالقبائل المحلية .

لغز مستعمرة رونوك .. هل كانوا حقًا مفقودين أم أنهم وجدوا وطنًا جديدًا ؟

إقرأ أيضا : قرية الموتي التى أختفى سكانها بالكامل من دون أن يتركوا ورائهم أى أثر

و يؤكد ” داوسون ” في كتابه أن الأدلة المتاحة تشير أن المستوطنين تركوا مستعمرة رونوك و إنتقلوا إلي جزيرة هاتيراس حيث عاشوا مع قبيلة كرواتوان و نجحوا في التأقلم معهم و التزاوج مع السكان الأصليين و كانت حياتهم في ظروف جيدة لعدة أجيال و هو ما ظهر أيضا في حفريات أوضحت وجود ثقوب دائرية في الأرض كدليل علي المنازل التقليدية للقبائل إلي جانب ثقوب مربعة تشير إلي مبانٍ شيدها المستوطنين الإنجليز و هو ما يدل علي أنهم عاشوا جنبًا إلى جنب و بالتالي فإن لغز المستعمرة المفقودة قد لا يكون لغزًا على الإطلاق بل مجرد فصل غير مكتمل من التاريخ يتم إعادة كتابته اليوم بناءً علي الأدلة الجديدة .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *