في عام 1912 إشترى تاجر كتب يُدعى ويلفريد فوينيتش مخطوطة تعود إلي أوائل القرن الخامس عشر و تتكون من 240 صفحة تقريبا و رغم أنها تبدو مثل أي مخطوطة أخري إلي أنه بدء في ملاحظة أنه تم كتابتها يدويا بلغة غير معروفة و تضمنت أوراقها رسومًا توضيحية متنوعة لأشخاص و نباتات وهمية و رموز فلكية و صور خيالية و منذ الإعلان عنها تم فحصها و دراستها من قبل العديد من العلماء بما في ذلك خبراء فك الشفرات العسكريين و جميعهم عجزوا عن فك طلاسمها و هو الأمر الذي جعل مخطوطة فوينيتش هي الكتاب الأكثر غموضًا في العالم و لمحاولة إشراك الجميع في العمل علي فك ألغازها تم تحميلها كاملة علي شبكة الإنترنت عبر المكتبة الرقمية لجامعة ييل إنتظارا لأي شخص قد يصل إلي توضيح لما فيها .
و لمحاولة معرفة المزيد عن مخطوطة فوينيتش نلقي الضوء علي صاحبها ” ويلفريد فوينيتش ” الذي ولد في 12 نوفمبر عام 1865 في بلدة ” تيلشياي ” التي أصبحت الآن جزءًا من دولة ” ليتوانيا ” و حين بلغ إلتحق بمدرسة ثانوية في مدينة ” سوالكي ” البولندية و بعدها تابع دراسته في جامعة موسكو التي تخرج منها بشهادة في علوم الكيمياء و في عام 1885 ألقت الشرطة الروسية القبض عليه بعد محاولته إطلاق سراح أعضاء من حركة البروليتاريا الثورية و تم إرساله إلي معسكر عمل في ” سيبيريا ” إلي أن نجح في الفرار منه عام 1890 و توجه إلي مدينة ” لندن ” و من هناك إستمر في دعم المنظمات المناهضة للقيصرية حتى عام 1895 و التي كانت نقطة تحول كبيرة في حياته بعد أن أقنعه موت أحد زملائه بالإبتعاد عن القضية .
و بعد أن إبتعد ” ويلفريد فوينيتش ” عن الأنشطة السياسية إفتتح أول مكتبة للكتب النادرة و العتيقة في ساحة سوهو بلندن عام 1898 و تزوج من ثورية سابقة أخرى و هي ” إثيل بول ” و أصبح مواطنًا بريطانيًا متجنسًا عام 1904 و بحلول عام 1912 بدأت مجموعة من اليسوعيين التابعين لكلية جيسلييري في ” إيطاليا ” ببيع بعض الكتب الموجودة في مكتبتهم بالمزاد العلني و تم بيع معظمها إلي الفاتيكان لكن ” فوينيتش ” تمكن ببراعته كتاجر من الحصول علي عدة مجلدات منها مخطوطة فوينيتش التي حاول لسنوات حل ألغازها و تتبع أصولها إلا أنه توفي قبل أن يتمكن من معرفة المزيد عنها .
و عقب وفاة ” ويلفريد فوينيتش ” عام 1930 إنتقلت ملكية مخطوطة فوينيتش الغريبة إلي زوجته التي أورثتها بعد ذلك إلي صديقتها المقربة ” آن نيل ” التي باعتها هي الأخري إلي تاجر كتب قديمة يدعي ” هانز بي كراوس ” الذي لم يتمكن أبدًا من العثور علي مشتري مهتم بها لذلك قام في عام 1969 بالتبرع بها إلي جامعة ييل و تم تصنيفها بإسم “MS 408” و علي الرغم من أن العديد من الخبراء من مختلف المجالات حاولوا فك رموز ذلك العمل الغريب علي مدار العقود التالية إلا أن محتواها أثبت أنه أمر بعيد المنال عنهم حتي بالنسبة لأكثر خبراء فك الشفرات مهارة في العالم و ذلك لأن صفحاتها تحتوي علي مخططات معقدة و مكتوبة بلغة غير معروفة تمامًا كما إحتوت رسومها التوضيحية الموجودة فيها رموز فلكية و نباتات تبدو وهمية و أشخاص عراة يستحمون و مخلوقات خيالية مثل التنانين .
و علي مر السنين ظهرت نظريات لا تعد و لا تحصى حول مخطوطة فوينيتش حيث إدعى أحد الخبراء أنه كان دليلاً لصحة المرأة بينما يعتقد آخرون أن ” فوينيتش ” نفسه هو من إبتكرها علي أساس أن تكون خدعة كما تشير نظريات أخري غريبة إلي أنه من الممكن أن تكون قد جائت من كوكب آخر و رغم تعدد النظريات إلا أن مخطوطة فوينيتش ظلت غامضة و يصعب فك شفرتها و فهمها لدرجة أن خبراء مثل الفيزيائي ” أندرياس شينر ” الذي قام بفحصها بنفسه من خلال تطبيق التحليلات الإحصائية قد أشار إلي أن تلك المخطوطة بمثابة “سمًا خالصًا” للعلماء و ذلك بعد أن فشلت إختباراته في معرفة جميع أسرارها و كل ما إستطاع الوصول إليه هو أن النص الموجود بها لم يكن لغة طبيعية منظمة بل سلسلة عشوائية من الأحرف و رجح أنه ربما تم إنشاؤها كخدعة من القرون الوسطي لكن دراسات أخرى وجدت العكس تمامًا حيث إدعي البعض أنها كتبت بلغة جديدة غير معروفة و أفترض آخرون أنها كانت نسخة غريبة من اللاتينية أو العبرية أو التركية .
أقرأ أيضا : كتاب سويجا الغامض المليئ بالتعاويذ السحرية و الشيطانية التى فشل العلم فى فك رموزها
و مع التطور التكنولوجي الذي شهده العالم بدء العديد في الإعتماد عليه لمحاولة فك طلاسمها ففي يناير عام 2023 قام الباحث ” ستيفان جوزي ” بتتبع ملكيتها و وجد أنها كانت في حوزة الإمبراطور الروماني المقدس ” رودولف الثاني ” الذي إشتراها من بائع لم يذكر أسمه بين عامي 1576 و 1612م كما أظهر تحليل أن المخطوطة تم كتابتها في الأصل خلال القرن الخامس عشر أي قبل 150 عامًا تقريبًا من حصول ” رودولف ” عليها و عند تلك النقطة إنتهت أي تفاصيل عنها و لم يتم التوصل إلي أي شئ إضافي سوي إستبعاد النظريات التي أشارت إلي أن ” فوينيتش ” هو من قام بتزوير ذلك الكتاب بعد أن أكد التأريخ بالكربون المشع أنه تمت كتابتها في وقت ما في أوائل القرن الخامس عشر كما أستبعدت أيضا النظرية التي وضعها ” فوينيتش ” بأن تلك المخطوطة كتبها ” روجر بيكون ” و هو راهب و فيلسوف من القرن الثالث عشر .