نظرا لأن فكرة السفر عبر الفضاء للأغراض الترفيهية و السياحية أصبحت أمرا واقعا خلال وقتنا الحالى بعد بدء العديد من الشركات بتسيير رحلات الى الفضاء مقابل رسوم ماليه بالاضافة الى إعلان شركة سبيس اكس التابعة للملياردير إيلون ماسك عن عزمها بناء قاعدة على سطح كوكب المريخ فقد فتح ذلك أفاقا و أمانى مستقبليه حول السفر إلى كواكب أخرى لقضاء الإجازات أو ربما حتى للعيش فيها و مع زيادة تلك التطلعات ازدادت التساؤلات معها و التى بدأت فى فرض نفسها حول ما سيكون عليه الحال عندما نعيش في الفضاء و أيضًا ماذا يحدث لجسم الإنسان حال تعرضه الى الفضاء الخارجى بدون بدلته ؟
الأمر بسيط و معروف على كوكب الأرض فبمجرد حدوث الوفاه فإن الجثمان يمر بالعديد من مراحل التحلل حيث يتوقف الدم عن التدفق و يبدأ في التجمع نتيجة الجاذبيه فى عملية تُعرف باسم “ليفور مورتيس” ثم يبرد الجسم و تتصلب العضلات بسبب التراكم الغير منضبط للكالسيوم في أليافها ثم تقوم الإنزيمات و البروتينات التي تسرع التفاعلات الكيميائية بداخل الجسم على تفكيك جدران الخلايا و إطلاق محتوياتها و فى الوقت نفسه تهرب البكتيريا الموجودة في أمعائنا و تنتشر في جميع أنحاء الجسم و تلتهم الأنسجة الرخوة مطلقة غازات تسبب انتفاخ الجسم و تنبعث روائح قوية و مع الوقت تختفي الأنسجة الرخوة لتكشف عن الهيكل العظمي المكون من أنسجة صلبة أكثر مرونة و يمكنها البقاء على قيد الحياة لآلاف السنين حيث تعتمد تلك العوامل الداخليه على بعض من العوامل الخارجية الاخرى و التى تؤثر على عملية التحلل مثل درجة الحرارة و نشاط الحشرات المحيط بالجسم و أسلوب دفن الجسم أو لفه .
كل ذلك يحدث فى كوكب الأرض و لكن ماذا عن الفضاء اللانهائى المحيط بنا ؟ .. الاجابة نظرًا لأن الرواد يتمتعون بصحة لا تشوبها شائبة وقت صعودهم للفضاء للقيام بمهماتهم فإن وفاتهم من المحتمل أن تنجم عن امور قدريه مثل انفجار مركبتهم او اصطدامهم بأحد النيازك أو الشهب أثناء سيرهم فى الخارج و الذى قد يحدث ثقبا فى البدلة التى يرتدوها و في غضون ثوانٍ قليلة سيصبح الأمر منتهيا لذلك فعند تعرض الجسد للفضاء الخارجى فإن أول شيء سيتم الشعور به هو انعدام الهواء الذى لن يؤدى الى فقدان الوعى على الفور و لكن سيستغرق الأمر ما يصل إلى 15 ثانية حيث يستهلك الجسم احتياطيات الأكسجين المتبقية من مجرى الدم و إذا تم حبس الأنفاس فربما يمكن البقاء على قيد الحياة لمدة دقيقتين و هو أمر نظرى و لكن على أرض الواقع نتيجة حبس تلك الأنفاس و حدوث اختلال فى الضغط فيحدث تمدد للغاز داخل الرئتين مما يؤدي إلى تمزقهم و إطلاق ذلك الهواء الى الدورة الدموية , هذا بالنسبة الى التنفس و لكن من ناحية أخرى فبعد حوالي 10 ثوانٍ سيبدأ الجلد و الأنسجة الموجودة أسفله في الانتفاخ نتيجة تبخر الماء الموجود به لغياب الضغط الجوي و التى لن تتضخم لدرجة الانفجار لأن جلد الإنسان قوي بما يكفي لمنع ذلك و فى حال تم إرجاعه إلى الضغط الجوي الطبيعى فسيعود الجلد و الأنسجة الى طبيعتها بالاضافة الى تبخر الدماء الموجودة فى الاوردة و الشرايين كما تبدأ الرطوبة الموجودة على اللسان في الغليان كما أفاد المهندس الفضائى “جيم ليبلانك” الذي تعرض للفراغ المحاكى للفضاء في غرفة الاختبار عام 1965 عندما حدث تسريب داخل بدلته خلال اختبارها و بقي واعيًا لمدة 14 ثانية تقريبًا و تم انعاشه بمعجزه بعد اعادة الضغط الجوى بمنتهى السرعة الى الغرفه حيث أفاد أن آخر إحساس له هو شعوره بغليان على لسانه و ليس ذلك فقط فمع تعرض الجسم الى الفضاء الخارجى فهو عرضة للإشعاع الكوني غير المرشح الذى يؤدى الى حدوث بعض من حروق الشمس السيئة و بعد الوفاة المؤكدة فلن يتحلل الجسم بالطريقة العادية حيث لا يوجد أكسجين و عليه فإذا كنت بالقرب من مصدر للحرارة فإن جسدك سيتحول إلى مومياء و إذا لم تكن كذلك فسوف يتجمد و سيستمر بتلك الحاله في مساحة شاسعة من الفضاء لفترة قد تمتد الى ملايين السنيين أما إذا كان ذلك الجسد مغلقًا ببدلة فضائية فسوف يتحلل طالما استمر ضخ الأكسجين بها .
و نتيجة لحدوث ذلك خلال ثوانى معدوده يكون من الصعب القيام بأى عملية انقاذ فى الفضاء الخارجى حتى أن التدريبات الطبيه التى يتعلمها الرواد لا تتضمن التعامل مع مثل تلك النقطة كما أن وكالة ناسا فى تصريح رسمى قالت أنها لا تعد خطط طوارئ لجميع المخاطر البعيدة الأمد كإنقاذ رواد الفضاء عند تعرضهم لمثل ذلك الأمر او فى حال موتهم خاصة و أن فكرة الاحتفاظ بجثمان رائد فضاء ميت فى محطة الفضاء الدولية او على متن اى مركبة فضائيه يعد أمرا غير صحيا لانبعاث الراوئح من جسده الناتجة عن التحلل مما يجعله خطرا بيولوجيا على الطاقم باكلمه ناهيك عن عدم وجود مساحة مخصصة للاحتفاظ بالجثمان .
أقرأ أيضا : هل يمكن إجراء عملية جراحية فى الفضاء فى وسط تنعدم فيه الجاذبية ؟
و نتيجة لافتقار “ناسا” بروتوكول للموت المفاجئ على محطة الفضاء الدولية ISS فمن المحتمل أن يقرر قائد المحطة كيفية التعامل مع الجثة حيث يقول رائد الفضاء الكندى “كريس هادفيلد” الذى كان مسئولا سابقا داخل محطة الفضاء الدوليه : “إذا مات شخص ما أثناء وجوده في نشاط خارج المركبة فسوف أحضره داخل غرفة معادلة الضغط أولاً و ربما سأبقيه داخل بدلته المضغوطة حيث ستتحلل الجثة بشكل أسرع داخلها و لاننا لا نريد انبعاث رائحة التعفن فى مكان مغلق مثل المحطة و هو امر ليس صحى فسنحتفظ به بداخل بدلته و نخزنها في مكان بارد بالمحطة حيث يتم الاحتفاظ بالقمامه او بداخل احدى غرف معادلة الضغط و بعدها يتم ارسال جثمانه الى الأرض ” , أما بالنسبة الى “ناسا” فرغم عدم وجود برنامجا محددا الا انه توجد بعضا من الأفكار و الدراسات التى يتم مناقشتها داخل الوكاله للتعامل مع مثل تلك الامور ففى عام 2005 و بالتعاون مع شركة الدفن البيئية السويدية “بروميسا” تم التوصل الى تصميم لم يتم اختباره بعد بشكل عملى يسمى ” استعادة الجثمان ” و فيه يتم تجميد الجسم وتجفيفه و تكسيره إلى مليون قطعة صغيرة من اللحم الجليدي حيث ستتقدم ذراع روبوتية خارج سفينة الفضاء المغلقة و معها أحد أكياس حفظ الجثث لتقترب من الجثمان الموجود بالخارج في الفراغ المتجمد و الذى يتم تركه لمدة ساعة حتى يصبح هشًا ثم تمسكه الذراع و تبدء فى هزه ليتكسر الجسم إلى بقايا تشبه الرماد و التى تحول هذه العملية نظريًا جسد رائد فضاء المتوفى ذات وزن 90 كيلوجراما إلى كتلة بحجم حقيبة السفر تزن 22 كيلوجراما والتي يمكن تخزينها على أى مركبة فضائية لسنوات.
و رغم الاهتمام و التساؤلات الكثيرة حول نقطة الوفاة فى الفضاء الخارجى و التعامل معها فتشير الاحصائيات الى أنه خلال نصف القرن الماضي توفي ما يقارب من 30 رائد فضاء أثناء التدريب أو محاولة القيام بمهمات فضائية خطيرة و لكن الغالبية العظمى منها حدثت إما على الأرض أو في الغلاف الجوي للأرض تحت الحدود المقبولة للفضاء والتي تسمى “خط كارمان” التي تبدأ على ارتفاع 100 كيلومتر و من بين حوالي 550 شخصًا غامروا بالذهاب إلى الفضاء حتى الآن لقي ثلاثة منهم فقط مصرعهم فيه و هم رواد الفضاء السوفييت جورجي دوبروفولسكي وفلاديسلاف فولكوف وفيكتور باتساييف و لكن و لحسن حظهم فقد توفوا بداخل مركبتهم الفضائيه أثناء عودتها الى الأرض لذلك كان أمر استعادة جثامينهم ليس بالصعب .