ماو تسي تونج شخصية سياسية ثورية صينية و مؤسس جمهورية الصين الشعبية و صاحب الفضل في تحويلها من إحدي المستعمرات إلي قوة عالمية كما أنه أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في القرن العشرين , بدء حياته السياسية متأثر بالقومية الصينية و مناهض للإمبريالية ثم تبنى لاحقًا الماركسية اللينينية أثناء عمله كأمين مكتبة في جامعة بكين و بعد ذلك أصبح عضوًا مؤسسًا للحزب الشيوعي الصيني و قاد إنتفاضة حصاد الخريف عام 1927 و خلال الحرب الأهلية الصينية بين الكومينتانج والحزب الشيوعي ساعد في تأسيس الجيش الأحمر الصيني ثم أصبح بعد ذلك رئيسًا للحزب و نجح في النهاية بحسم الحرب الأهلية لصالحه ثم أعلن تأسيس جمهورية الصين الشعبية و هي دولة مبنية علي الأفكار الماركسية اللينينية ذات الحزب الواحد و في السنوات التالية عزز سيطرته من خلال حملة الإصلاح الزراعي ضد أصحاب الأراضي و قيادته لتحركات ضد المعادين للثورة ثم لعب دورًا مهمًا في فرض الإقتصاد الموجه و إطلاق برامج التصنيع و التسليح ثم أحدث تغيير جذري داخل البلاد بعد تحويل إقتصادها من الزراعة إلي الصناعة و هو الأمر الذي تسبب في حدوث المجاعة الصينية الكبرى التي أدت إلي وفاة ما بين 15-55 مليون شخص ثم أطلق الثورة الثقافية التي أستمرت 10 أعوام و هو برنامج لإزالة العناصر المضادة للثورة في المجتمع الصيني و تعرض خلالها عشرات الملايين من الأشخاص للإضطهاد و بلغ عدد ضحاياها من مئات الآلاف إلى الملايين كما شهد عهد ماو تسي تونج تورط الصين بشكل كبير في الصراعات الشيوعية الآسيوية الأخرى مثل الحرب الكورية و حرب فيتنام و الحرب الأهلية الكمبودية .
حياة ماو تسي تونج المبكرة
ولد ” ماو تسي تونج ” في 26 ديسمبر عام 1893 بمجتمع شاوشان الزراعي في مقاطعة هونان لعائلة من الفلاحين الذين حرثوا ثلاثة أفدنة من أراضيهم لعدة أجيال و كانت في تلك الأثناء ” الصين ” دولة ضعيفة بعد أن تردت بها الأوضاع تحت قيادة أسرة ” تشينج ” البالية بشكل أدي إلي صعوبات في الحياة بالنسبة للعديد من المواطنين الصينيين في ذلك الوقت إلا أن أسرته كانت أفضل حالا من معظم الناس حيث كان والده تاجر حبوب ثري و والدته ” وين كيمي ” أمًا راعية و حين أصبح في الثامنة من عمره ألتحق ” ماو تسي تونج ” بمدرسة صغيرة في قريته لكنه تلقى القليل من التعليم و بحلول سن 13 عامًا كان يعمل بدوام كامل في الحقول و أصبح طموحًا بشكل متزايد .
حياته السياسية
و عندما بلغ ” ماو تسي تونج ” الرابعة عشرة من عمره حاول والده ترتيب زواجًا له لكنه رفض و حين وصل عمره إلي السابعة عشرة غادر منزله ليلتحق بمدرسة ثانوية في ” تشانجشا ” عاصمة مقاطعة هونان و في عام 1911 بدأت ثورة ” شينهوا ” ضد النظام الملكي و أنضم إلى الجيش الثوري و الكومينتانج أو الحزب القومي بقيادة رجل الدولة الصيني ” صن يات صن ” و نجح الكومينتانج في الإطاحة بالنظام الملكي عام 1912 و أسس جمهورية الصين حيث إستمتع ” ماو تسي تونج ” بالتغيير السياسي و الثقافي الذي إجتاح البلاد .
و بحلول عام 1918 تخرج ” ماو تسي تونج ” من مدرسة هونان الأولي العادية و أصبح مدرسًا معتمدًا و في نفس العام توفيت والدته لكنه لم يكن لديه رغبة في العودة إلى المنزل حيث سافر إلى ” بكين ” لكنه لم ينجح في البداية بالعثور على عمل و أخيراً وجد منصباً كمساعد أمين مكتبة في جامعة “بكين” و حضر بعض الفصول الدراسية و خلال تلك الفترة تقريبًا سمع عن الثورة الروسية الناجحة التي أسست الإتحاد السوفييتي الشيوعي و في عام 1921 أصبح أحد الأعضاء الأوائل للحزب الشيوعي الصيني و بعد عامين بدأ الزعيم الصيني ” صن يات صن ” سياسة التعاون النشط مع الشيوعيين الصينيين الذين تزايدت قوتهم و عددهم و بدء ” ماو تسي تونج ” على مدار السنوات القليلة التالية في تبنى الأفكار اللينينية و أعتقد أن مناشدة الفلاحين الزراعيين كانت هي المفتاح لتأسيس الشيوعية في قارة آسيا و ترقي في صفوف الحزب بصفته عضوًا مندوبًا في الجمعية ثم مديرًا تنفيذيًا لفرع الحزب في مدينة ” شنغهاي ” .
و في مارس عام 1925 توفي الرئيس الصيني ” صن يات صن ” و أصبح خليفته ” تشيانج كاي شيك ” رئيسًا لحزب الكومينتانغ لكنه كان أكثر تحفظًا و تقليدية عن سلفه حيث قام في أبريل عام 1927 بكسر التحالف مع الشيوعيين و بدأ حملة تطهير عنيفة ضدهم مما أدى إلى سجن و قتل الكثيرين منهم و في شهر سبتمبر من نفس العام قاد ” ماو تسي تونج ” جيشًا من الفلاحين ضد حزب الكومينتانج لكنه هُزم بسهولة و فر فلول جيشه إلى مقاطعة جيانجشي حيث أعادوا تنظيم أنفسهم و خلال تلك الفترة قام بالمساعدة في تأسيس جمهورية الصين السوفيتية في منطقة جيانجشي الجبلية و انتُخب رئيسًا لها و قام بتطوير جيشًا صغيرًا و لكن قويًا من مقاتلي حرب العصابات و أشرف على تعذيب و إعدام أي منشقين يتحدون قانون الحزب.
و بحلول عام 1934 كان هناك أكثر من 10 مناطق تحت سيطرة الشيوعيين في مقاطعة ” جيانجشي ” و كان ” شيانج كاي شيك ” يشعر بالتوتر بشأن نجاحهم و أعدادهم التي بدأت في التزايد و رأى أن الوقت قد حان لإجراء عملية تمشيط واسعة النطاق للمنطقة للقضاء على النفوذ الشيوعي حيث قام في أكتوبر بحشد ما يقرب من مليون من القوات الحكومية و حاصر المعقل الشيوعي و تم تنبيه ” ماو تسي تونج ” إلى قرب الهجوم الوشيك و بعد جدال حاد مع القادة الآخرين الذين أرادوا إتخاذ موقف نهائي ضد القوات الحكومية أقنعهم بأن التراجع هو التكتيك الأفضل لذلك على مدى الأشهر الاثني عشر التالية قام أكثر من 100 ألف شيوعي و عائلاتهم برحلة طويلة غربًا و شمالًا و هو ما أصبح يعرف بإسم “المسيرة الطويلة” عبر الجبال و المستنقعات الصينية إلى ” يانان ” في شمال الصين و تشير التقديرات إلى أن 30 ألفًا فقط من أصل 100 ألف هم من نجوا من رحلة الـ 8000 ميل و مع إنتشار الأخبار عن نجاة الشيوعيين من الإبادة على يد حزب الكومينتانج هاجر العديد من الشباب إلى “يانان” لينضموا إلي الشيوعيين و أستخدم ” ماو تسي تونج ” مواهبه الخطابية و ألهم المتطوعين للإنضمام بإخلاص إلى قضيته و حينها برز كزعيم شيوعي ذات كلمة مسموعة .
الصراع الياباني الصيني و صعود ماو تسي تونج إلى السلطة
في يوليو 1937 غزا الجيش الإمبراطوري الياباني أراضي ” الصين ” مما أجبر ” تشيانج كاي شيك ” على الفرار من العاصمة في ” نانكينج ” و سرعان ما فقدت قواته السيطرة على المناطق الساحلية و معظم المدن الكبرى و نظرًا لعدم قدرته على خوض حرب على جبهتين تواصل ” تشيانج ” مع الشيوعيين للحصول على هدنة و دعم و خلال هذا الوقت أثبت ” ماو تسي تونج ” نفسه كقائد عسكري و بمساعدة قوات الحلفاء قام بقتال اليابانيين و مع هزيمة ” اليابان ” في الحرب العالمية الثانية عام 1945 تمكن “ماو تسي تونج ” من وضع نصب عينيه السيطرة على كافة أراضي ” الصين ” و رغم بذل ” الولايات المتحدة ” لجهود من أجل تشكيل حكومة ائتلافية إلا أن ” الصين ” إنزلقت إلى حرب أهلية دامية و في الأول من أكتوبر عام 1949 أعلن ” ماو تسي تونج ” في ميدان تيانانمين ببكين تأسيس جمهورية الصين الشعبية و فر ” شيانج كاي شيك ” و أتباعه إلى جزيرة ” تايوان ” حيث شكلوا جمهورية ” الصين ” .
و على مدى الأعوام القليلة التالية أسس ” ماو تسي تونج ” إصلاحاً زراعياً شاملاً أحياناً عن طريق الإقناع و في أحيان أخرى عن طريق الإكراه مستخدماً العنف و الإرهاب عندما يكون ذلك ضرورياً و قام بالإستيلاء علي أراضي أمراء الحرب و عمل علي تحويلها إلي كوميونات شعبية كما قام بإحداث تغييرات إيجابية في ” الصين ” بما في ذلك تعزيز مكانة المرأة و مضاعفة عدد طلاب المدارس و تحسين معرفة القراءة و الكتابة و زيادة الوصول إلى الرعاية الصحية و هو ما أدى إلى إرتفاع متوسط العمر المتوقع بشكل كبير لكن إصلاحات ” ماو تسي تونج ” كانت أقل نجاحا في المدن و في عام 1956 أطلق “حملة المائة زهرة” و بطريقة ديمقراطية سمح للآخرين بالتعبير عن مخاوفهم حيث كان ” ماو تسي تونج ” يأمل في الحصول على مجموعة واسعة من الأفكار المفيدة و كان يتوقع تلقيه إنتقادات خفيفة لسياساته و لكن بدلاً من ذلك تلقى توبيخًا قاسيًا خاصة من قبل المثقفين و خوفًا من فقدانه السيطرة قام بسحق أي معارضة له بلا رحمة و تم تصنيف مئات الآلاف من الصينيين على أنهم “يمينيون” و تم سجن الآلاف منهم .
القفزة الكبرى إلى الأمام
في يناير عام 1958 أطلق ” ماو تسي تونج ” القفزة الكبرى إلى الأمام في محاولة لزيادة الإنتاج الزراعي و الصناعي حيث أنشأ ذلك البرنامج مجتمعات زراعية كبيرة تضم ما يصل إلى 75000 شخص يعملون في الحقول و حصلت كل عائلة على حصة من الأرباح و قطعة أرض صغيرة و عبر ذلك المشروع وضع ” ماو ” توقعات مثالية لكل من الإنتاج الزراعي و الصناعي معتقدًا أن البلاد يمكن أن تحقق تقدمًا يعادل قرنًا من الزمان في غضون بضعة عقود.
و في البداية كانت التقارير واعدة عن حدوث تقدم هائل و لكن نتيجة ثلاثة سنوات من الفيضانات و سوء الحصاد حدثت إنتكاسة كبري و لم يقترب الإنتاج الزراعي عن ما كان مأمول من التوقعات و تبين أن التقارير التي تتحدث عن إنتاج ضخم غير صحيحة و في غضون عام حدثت أسوء مجاعة من صنع الإنسان في تاريخ البشرية و ماتت قرى بأكملها من الجوع حيث مات ما يقدر بنحو 40 مليون شخص في الفترة ما بين أعوام 1959 و 1961 و أصبح من الواضح أن “ماو تسي تونج ” كان يعرف كيف ينظم ثورة و لكنه غير كفؤ على الإطلاق في إدارة البلاد و تم إخفاء حجم الكارثة عن الأمة و العالم و لم يكن يعلم بذلك سوى زعماء رفيعي المستوى في الحزب الشيوعي كما أخفت الدائرة الداخلية التي كانت تحميه الكثير من تفاصيل المجاعة عنه و نتيجة لفشل برنامج القفزة الكبرى إلى الأمام عام 1962 تم دفع ” ماو تسي تونج ” بهدوء إلى الهامش و سيطر منافسوه على البلاد لأول مرة منذ 25 عاماً و لم يعد شخصية مركزية في القيادة .
ماو تسي تونج و الثورة الثقافية
في عام 1966 عاد ” ماو تسي تونج ” الذي أصبح في الـ 73 من عمره إلى عالم السياسة و الحكم و أطلق الثورة الثقافية حيث ظهر في تجمع عند نهر اليانجتسي في شهر مايو و سبح لعدة دقائق في النهر و بدا لائقًا و حيويًا و كانت الرسالة إلى منافسيه هي: “انظروا، لقد عدت!” و في وقت لاحق قام هو و أقرب مساعديه بتصميم سلسلة من التجمعات العامة التي شارك فيها الآلاف من المؤيدين الشباب حيث كان في حسبانه أن الشباب لن يتذكر الكثير عن فشل القفزة الكبرى إلى الأمام و المجاعة اللاحقة.
و في أسلوب إستبدادي كلاسيكي لفرض السيطرة نجح ” ماو تسي تونج ” في خلق أزمة لا يستطيع حلها سواه بعد أن أخبر أتباعه أن العناصر البرجوازية في ” الصين ” تهدف إلى إستعادة الرأسمالية و أعلن أنه يجب إزالة هذه العناصر من المجتمع و شكل أتباعه الشباب الحرس الأحمر و قادوا عملية تطهير جماعية لـ “غير المرغوب فيهم” و سرعان ما عاد ” ماو ” إلى القيادة و لمنع تكرار الرفض الذي تلقاه خلال حملة المائة زهرة أمر بإغلاق المدارس في ” الصين ” و أُرسل المثقفون الشباب الذين يعيشون في المدن إلى الريف “لإعادة تعليمهم” من خلال العمل اليدوي الشاق و دمرت الثورة الكثير من التراث الثقافي التقليدي للصين فضلاً عن خلق فوضى إقتصادية و إجتماعية عامة في البلاد و خلال هذا الوقت نمت عبادة شخصية ” ماو ” .
وفاته
في عام 1972 و من أجل ترسيخ مكانته في التاريخ الصيني إلتقى “ماو تسي تونج ” برئيس الولايات المتحدة ” ريتشارد نيكسون ” و هي اللفتة التي خففت التوترات بين البلدين و عززت مكانة ” الصين ” كلاعب عالمي و خلال الإجتماعات أصبح من الواضح أن صحة “ماو” كانت تتدهور و خلالها لم يتم إنجاز الكثير لأنه لم يكن دائمًا واضحًا في تصريحاته أو نواياه.
و في 9 سبتمبر عام 1976 توفي ” ماو تسي تونج ” بسبب مضاعفات مرض باركنسون عن عمر يناهز 82 عامًا في العاصمة ” بكين ” تاركا وارئه إرثا مثيرا للجدل في كل من الصين و الغرب حيث ينظر إليه البعض بإعتباره وحشا مرتكبا للإبادة الجماعية بينما ينظر البعض الأخر بإعتباره عبقريا سياسيا و لكن علي أي حال هو رسميًا يحظى بإحترام كبير في بلاده بإعتباره إستراتيجيًا عظيمًا و عقلًا عسكريًا مدبرًا و منقذ الأمة و يُنسب إليه الفضل في وضع الأساس لتنمية ” الصين ” في أواخر القرن العشرين .
مقتطفات من حياة ماو تسي تونج
- تلقى ” ماو تسي دونج ” دعمًا و مساعدات كبيرة من الإتحاد السوفييتي و مع ذلك أدت الإختلافات الأيديولوجية و الإستراتيجية إلى الإنقسام بين القوتين الشيوعيتين مما أدى إلى التوترات و حتى الإشتباكات الحدودية.
- لتكريم دوره في تاريخ البلاد يمكن العثور على صورة ” ماو تسي تونج ” على العملة الصينية و تحديدا على الأوراق النقدية من الفئات الأعلى .
- تزوج ” ماو تسي تونج ” أربع مرات في حياته و أنجب عشرة أطفال و وكان جدًا لاثني عشر حفيدًا.
- من بين أبنائه فقد إبنه أنيينج البالغ من العمر 28 عامًا في الحرب الكورية و تسببت وفاته بالنهاية في حزن شديد له لدرجة أنه لم يأكل أو ينام و أكتفى بالتدخين و الجلوس في صمت .
- يتم عرض جثة الرئيس ” ماو تسي تونج ” المحنطة بشكل علني في ضريحه حتى يومنا هذا.