أغلب الزعماء السياسيين حول العالم لم يحصلوا على شهرتهم أو محبة الناس إليهم إلا بعد رحلة شاقة من النضال التى تخللتها فترات صعبة داخل السجون و المعتقلات و التى بكل تأكيد حملت لهم ذكريات لا يمكن نسيانها و هو ما يظهر فى تلك الصورة التى يقف فيها الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا و هو ينظر متأملا من خلال قضبان زنزانته التى كانت يوما محبسه داخل سجن جزيرة روبن خلال زيارة قام بها للمعتقل الذى كان متواجدا فيه خلال إحدى فترات كفاحه و أعتبرت واحدة من أكثر 50 صورة لا تنسى في القرن العشرين من قبل معرض المصورين في لندن .
التاريخ : 11 فبراير عام 1994 .
المصور : الالمانى ” يورجن شاديبرج ” الملقب بوالد التصوير الفوتوغرافى فى جنوب أفريقيا .
التفاصيل : ترجع خلفية تلك الصورة إلي زيارة بحرية قام بها الزعيم الجنوب أفريقي ” نيلسون مانديلا ” إلى “جزيرة روبن” التى كانت تعتبر رمزا دوليا للقمع و كان معه على متن القارب خمسة من زملاء كفاحه الذين أدينوا معه بالسجن بتهمة التآمر للإطاحة بنظام الفصل العنصري و يرافقهم فى تلك الجولة 50 صحفيًا و ذلك لللإحتفال بالذكرى السنوية الرابعة لإطلاق سراحه حيث كانت تستقر فى تلك الجزيرة زنزاته التى ظل محتجزا فيها لفترة وصلت الى 18 عاما و تبلغ مساحتها 2.4 متر في 2.1 متر و بمجرد وصوله إليها نظر إلي جدرانها العاريه و أثاثها البسيط حيث قال للصحفيين إنها تبدو كما كانت عندما كان يقضي وقته فيها .
و يروى السيد “مانديلا” ذكرياته أثناء الإعتقال فى تلك الزنزانة حيث يقول أنه كان يستيقظ فى تمام الخامسة و النصف صباحا للسماح له بالذهاب إلى المرحاض و بعد تناول وجبة الإفطار يتوجه مع السجناء إلى مقلع الحجر الجيري حيث يمضوا يومهم وسط الحرارة و الغبار و هم ينقبون فى الصخور بالمعاول و المجارف و يجرون محادثات منخفضة فيما بينهم أثناء العمل في مناقشات لا تنتهي حول البرامج و السياسات و كانت الأخبار تصل إليهم من قبل بعض من الحراس الودودين او صحف مأخوذة من مكب نفايات السجن و كان بعض منها أخبار سيئة تتعلق بالبلاد أو بمشاكل تخص زوجته أو أحد أفراد عائلته ثم يتذكر زيارة قامت بها والدته عام 1968 و يقول أنه عندما غادرت كان يشعر أنه يراها للمرة الأخيرة و هو ما حدث بالفعل حيث توفيت بعد تلك الزيارة بفترة قصيرة و يقول أصدقائه بأنه عندما وصله ذلك النبأ المحزن ذهب إلى زنزانته و أنهمرت الدموع من عينيه لرحيلها و بطبيعة الحال لم يسمح له بحضور جنازتها و لكن يستدرك “مانديلا” بأنه رغم اللحظات الصعبة فى ذلك المكان لكن كانت هناك أيضا لحظات جميلة حين كان يتحدث هو و زملاؤه عن كتابة مخطوطات واسعة حول جوانب مختلفة من السياسة و تهريبها ذهابًا و إيابًا فيما بينهم بالإضافة الى تمكنه من كتابة سيرته الذاتية و التى تم تهريب نسخة منها الى خارج الجزيرة .
أقرأ أيضا : صورة الزعيم الثوري تشي جيفارا التى يقدر بأنها أكثر صورة تم نسخها فى العالم
و رغم الصعوبات التى واجهها “مانديلا” فى الإعتقال الا أنه كان أحيانا يشعر بالحنين إليها حيث يقول بأنه فى ذلك المكان كان قادرا على الإبتعاد بنفسه عن أى تأثيرات و هو ما ساهم فى تقييم نضاله و فهم الاخطاء التى تم إرتكابها و هى أمور منحته وقتا كافيا للتفكير و التأمل .
و الجدير بالذكر ان “جزيرة روبن” تقع على بعد 6.9 كيلومتر غرب ساحل بلوبيرجستراند شمال “كيب تاون” و تبلغ مساحتها خمسة كيلومترات مربعة تقريبا و نظرا لطبيعتها المعزولة فقد تم إستغلالها خلال مراحل مختلفة بين القرنين السابع عشر والعشرين كسجن و مستشفى للمرضى غير المرغوب بهم اجتماعياً و كقاعدة عسكرية .