يُعتبر ليوناردو دافنشي أحد أكثر الشخصيات إبهارًا و تأثيرًا في تاريخ البشرية نظرا لأنه لم يكن فنانًا و رساما فقط بل رمزًا للعبقرية الإنسانية بعد أن وُلد في منتصف القرن الخامس عشر خلال فترة مميزة من تاريخ البشرية عرفت بإسم عصر النهضة كانت فيها أوروبا تعيش إنتعاشة ثقافية و معرفية هائلة و نتيجة تميزه بعقل شديد الفضول و إمتلاكه لشغف لا ينتهي نحو المعرفة فقد قاده ذلك إلي محاولة إستكشاف مجالات متعددة تراوحت بين الرسم و النحت و الهندسة المعمارية و التشريح و الفيزياء و رغم تباين تلك المجالات إلا أنه أستمر في الإهتمام بهم جميعا لإيمانه العميق بعدم وجود حدودًا فاصلة بين الفن و العلم بل إعتبرهما متداخلين و متكاملين ليس نظريا فقط و لكن بشكل عملي بعد أن إستخدم معرفته العلمية لتطوير تقنياته الفنية البديعة التي لا تزال حتي اللحظة مصدر إلهام و تقدير من قبل محبي الفنون و رغم مرور قرون علي وفاته إلا أنه ترك وراءه إرثًا كبيرًا من اللوحات و الرسومات و المخطوطات التي تضم أفكارًا و إختراعات سبقت عصرها و لا يزال أثرها واضح في الفن الحديث و التكنولوجيا و كانت شاهدة علي أن ليوناردو دافنشي من الشخصيات القليلة التي تركت بصمة كبيرة في التاريخ الإنساني لا يزال الناس يحتفون بذكراها و يتعلمون من إرثها حتى يومنا هذا.
حياة ليوناردو دافنشي المبكرة
وُلد ” ليوناردو دافنشي ” في 15 أبريل عام 1452 بمزرعة تقع بالقرب من قرية أنشيانو في منطقة توسكانا الإيطالية و كان إبن غير شرعي لكاتب عدل فلورنسي مرموق يُدعى ” سر بييرو ” أما والدته ” كاترينا ” فكانت شابة من طبقة إجتماعية متواضعة و خلال سنواته الأولي عاش ” ليوناردو دافنشي ” في كنف والدته ثم إنتقل للعيش بعد ذلك مع عائلة والده في بلدة ” فينشي ” التي اشتُق منها إسمه و منذ صغره أظهر علامات ذكاء إستثنائي و فضول لا محدود و هو ما لفت إنتباه عائلته و أفراد مجتمعه و رغم عدم تلقيه تعليمًا أكاديميًا رسميًا إلا أنه برع في القراءة و الكتابة و الحساب و أظهر منذ نعومة أظافره مهارات مدهشة في الرسم و التصوير .
مشواره ليوناردو دافنشي الفني
و حين أصبح ” ليوناردو دافنشي ” في سن الرابعة عشرة إلتحق بورشة الفنان الإيطالي الشهير ” أندريا دل فروكيو ” بمدينة ” فلورنسا ” و خضع لتدريب مكثف شمل العديد من المهارات الفنية و الحرفية مثل الرسم و النحت و النجارة و صناعة الجلود حيث ساعده هذا التدريب المتنوع علي تطوير نظرته الفنية و مهاراته التقنية و أتاح له فهمًا عميقًا للجوانب الفنية و العلمية لمختلف المواد و الأدوات و خلال تدريبه قام برسم عدة لوحات و رسومات من ضمنها أول عمل مؤرخ له و هو مشهد طبيعي لأحد الأودية كان قد رسمه بالحبر عام 1473 و تعتبر تلك الفترة هي ما قامت بتشكيل هوية ” ليوناردو دافنشي ” الفنية و ساهمت في تفتيح عقله تجاه العالم من حوله بعد أن بدأ يدرك تأثير العلوم و الطبيعة علي الفن .
بداياته الفنية المستقلة
بحلول عام 1478 ترك ” ليوناردو دافنشي ” ورشة أستاذه و أصبح فنانًا مستقلًا و أسس ورشته الخاصة في ” فلورنسا ” و بعد ثلاث سنوات طلبت منه إحدي الرهبانيات أن يرسم لوحة “عبادة المجوس” لكنه غادر المدينة دون إكمالها و رغم ذلك إلا أنه كان قد أسس لنفسه سمعة طيبة كفنان بارع و حصل علي عدة تكليفات رسمية من مؤسسات و شخصيات هامة و حفلت هذه الفترة بالتجارب الفنية بعد أن حاول ” ليوناردو دافنشي ” تطوير تقنيات جديدة تتعلق بالضوء و الظل و تداخل الألوان و هي التي ستصبح لاحقا من العلامات المميزة لأسلوبه .
أشهر أعمال ليوناردو دافنشي الفنية
تعد لوحات ” ليوناردو دافنشي ” من أهم الإنجازات الفنية في تاريخ الفن ففي عام 1495 كُلف من قبل دوق ميلانو ” لودوفيكو سفورزا ” برسم لوحة “العشاء الأخير” في دير ” سانتا ماريا ديلي غراتسي ” و إستغرقت نحو ثلاث سنوات لإتمامها و خلالها تم تقديم مشهدًا حيًا للقاء المسيح بتلاميذه و حيث برع فيها بتصوير تعابير الوجوه و تفاعل الأجساد أما لوحة “الموناليزا” التي بدأ العمل عليها عام 1503 فقد أصبحت الأكثر شهرة علي الإطلاق بفضل إبتسامة الشخصية الغامضة و فيها طبق ” ليوناردو دافنشي ” تقنية “الضبابية” لإضفاء عمق و نعومة علي ملامح الوجه.
الإختراعات والأبحاث العلمية
و لم يكن ” ليوناردو دافنشي ” مهتمًا بالفن فقط بل كان لديه شغف كبير بالإختراعات العلمية حيث قام برسم العديد من التصاميم الهندسية و العسكرية منها آلات حربية و عربات مدرعة و آلات طيران مستوحاة من أجنحة الخفافيش كما ترك وراءه آلاف الصفحات من المخطوطات التي تتناول موضوعات مختلفة كالجغرافيا و الهندسة و علم التشريح و أصول الطيران حيث كان دائم السعي لمحاولة فهم أسرار الطبيعة و القوانين التي تحكمها.
دراسات التشريح و الرؤية الفنية
كان ” ليوناردو دافنشي ” يؤمن بأن المعرفة الحقيقية تأتي من الملاحظة المباشرة لذلك بدأ بدراسة التشريح لتطوير فهمه لجسم الإنسان كما قام عمليا بتشريح جثث البشر و الحيوانات و وثق في مخطوطاته جميع ملاحظاته و شرح بدقة فائقة شكل العضلات و عظام الجسم البشري حيث أدت دراساته التشريحية إلي رسم مئات الرسومات المفصلة التي تُعد من أولي التوثيقات العلمية الدقيقة لجسم الإنسان و هو ما أسهم في تحسين تصويره للشخصيات في لوحاته .
النحت والمشاريع المعمارية
و بجانب ما سبق عمل ” ليوناردو دافنشي ” أيضًا في مجال النحت حيث كلّفه ” لودوفيكو سفورزا ” بنحت تمثال برونزي ضخم لوالده غير أن المشروع لم يُكتمل بسبب حدوث نقص في الموارد نتيجة توجيه معدن البرونز لصناعة الأسلحة كما حاول كذلك العمل علي تصميمات معمارية لمشاريع كبري كما كان يرسم خرائط و تخطيطات دقيقة تجمع بين الفن و المعرفة الهندسية إلا أن الظروف السياسية منعته من إتمام هذه المشاريع.
سنوات ليوناردو دافنشي الأخيرة و وفاته
في عام 1516 إنتقل ” ليوناردو دافنشي ” من ” إيطاليا ” إلي ” فرنسا ” بدعوة من الملك ” فرانسوا الأول ” حيث عاش في قصر ” كلو لوسي ” و كرس وقته للبحث و التطوير و هناك حصل علي لقب “الرسام و المهندس الأول للملك” علي الرغم من أنه لم يرسم كثيرًا خلال إقامته نظرا لتركيزه علي علي دراساته العلمية و أفكاره المستقبلية و في عام 1519 توفي ” ليوناردو دافنشي ” عن عمر يناهز 67 عامًا تاركا وراءه ثروة هائلة من المعارف و الأفكار لطلابه و كان علي رأسهم ” فرانشيسكو ميلزي ” الذي أصبح الوصي على إرثه.
مقتطفات من حياة ليوناردو دافنشي
- كان ” ليوناردو دافنشي ” عازفًا بارعًا لآلة القيثارة لذلك حين قدم لأول مرة إلي البلاط الملكي في ” ميلانو ” تم تقديمه كعازف موسيقي و ليس كفنان أو مخترع .
- كان يستطيع الرسم بيد و الكتابة باليد الأخرى في نفس الوقت و كان يكتب بشكل معكوس مما يصعب علي الآخرين قراءة ملاحظاته و هذا كان هدفه بالضبط .
- كان ” ليوناردو دافنشي ” مولعًا بالماء حيث صمم أحذية تطفو عليها و أجهزة تنفس تعمل تحتها و طوق نجاة و غيرها من الإختراعات المائية .
- تم تحليل مشاعر الموناليزا بإستخدام برنامج التعرف علي الوجه و أظهر أن تعبير وجهها يعكس 83% من السعادة و 9% من الاشمئزاز و 6% من الخوف و 2% من الغضب .
- كان ” ليوناردو دافنشي ” أول من شرح لماذا يكون لون السماء أزرق حيث أوضح أن السبب يعود إلي الطريقة التي يتشتت بها الضوء عبر الهواء.