لطالما كانت الحضارات القديمة مصدرًا للإلهام و الغموض و لكن لا شيء أشعل الخيال البشري في العصر الحديث كما فعلت حضارة المايا بتقويمها الغامض الذي إنتهى في 21 ديسمبر عام 2012 لأنها تسببت في إنتشار تكهنات ربطت بين هذا التاريخ و نهاية العالم الأمر الذي خلق حالة من الهلع و التوتر العالمي و تصبح تلك النبوءة حديث الساعة بعد أن شهدت وسائل الإعلام تدفقًا هائلًا من القصص و التحليلات حول طبيعة الكارثة الوشيكة و علي الرغم من مرور هذا التاريخ دون أي أحداث تذكر إلا أن قصة تقويم المايا لا تزال حتي اللحظة تثير الإهتمام و تمتلئ بالتساؤلات الباحثة عن إجابات .
و يعتبر تقويم المايا واحدًا من أعظم الإبتكارات الفلكية و التقنية التي حققتها الحضارات القديمة فإعتمادا علي قدراتهم المذهلة في التنبؤ بالأحداث الفلكية قاموا بتنظيم تقويما معقدًا يتألف من عدة دورات زمنية أبرزها الدورة التي تنتهي كل 394 عامًا و المعروفة بإسم “الباكتون” و كان ذلك التقويم وسيلة لتتبع مرور الزمن و الأحداث الكبري مثل الإحتفالات الدينية و المواسم الزراعية و لكن بدأ الجدل حوله عند يوم 21 ديسمبر عام 2012 الذي مثل نهاية الدورة الثالثة عشرة من ” الباكتون ” و يشير إلي إكمال 5126 سنة من تاريخ بداية التقويم الذي يُعتقد أنه بدأ في عام 3114 قبل الميلاد حيث كان بالنسبة للمايا إنتهاء الباكتون يعني حدوث تغيير في الدورات الزمنية و بداية دورة جديدة مشابهة لتغيير السنة في التقويم الحديث .
و علي الرغم من أن المايا لم يتركوا أي دلائل تشير إلي أن نهاية الدورة الثالثة عشرة من ” الباكتون ” تمثل نهاية العالم إلا أن سوء الفهم الثقافي و المعرفي أدي إلي نشوء نظريات و معتقدات جديدة حول هذا التاريخ بدأت منذ منتصف القرن العشرين حين بدأ الباحثين في الربط بين تقويم المايا و نبوءات نهاية العالم المنتشرة في ثقافات أخرى و هو ما أدي إلي ظهور تكهنات بأن هذا التاريخ يحمل في طياته كارثة عالمية و مع إقتراب نهاية عام 2012 بدأت وسائل الإعلام و الإنترنت في تعزيز فكرة أن نهاية تقويم المايا تمثل نهاية العالم و ظهرت أفلام وثائقية و كتب و حتى مقالات صحفية و كان أحد أبرز الأعمال الفنية التي إستغلت هذه الفكرة هو فيلم 2012 الذي صدر عام 2009 الذي أعتمد في ترويجه علي شعور الناس بالخوف و القلق من خلال تقديم مشاهد درامية و مؤثرة لسيناريو كارثي يعصف بكوكب الأرض كما إنتشرت برامج تلفزيونية تروج لنظريات مواجهة كوراث طبيعية مثل البراكين و الزلازل و الإنقلابات المغناطيسية .
و مع تضخيم وسائل الإعلام لنبوءة نهاية العالم إعتمادا علي تقويم المايا بدأت أعداد متزايدة من الأشخاص في العديد من الدول الإستعداد لمواجهة نهاية الحياة كما يعرفونها حيث أفادت تقارير صحفية بأن بعض الأفراد قاموا ببناء ملاجئ محصنة و خزنوا الكثير من المواد الغذائية و الماء كما أُبلغ عن حدوث إرتفاع في مبيعات معدات البقاء علي قيد الحياة و بدأت مجموعات دينية في الزعم بمعرفتها كيفية النجاة من تلك النهاية الوشيكة و إجتمع بعضهم في أماكن يعتقدون أنها ستوفر لهم الحماية من الكوارث المنتظرة و بينما كان الهلع يتزايد بدأت أصوات العلماء و الباحثين في الظهور لمحاولة توضيح أن نهاية تقويم المايا لا تعني نهاية العالم و قالوا أن تلك الحضارة لم تتحدث علي الإطلاق عن حدوث دمار شامل و لكن بداية دورة زمنية جديدة و أشاروا إلي أن تقويم المايا يستند إلي مراقبة دقيقة للسماء و الحركات الكونية و أنه كان مصممًا للتنظيم الإجتماعي و الديني فقط كما لم تكن هناك أي إشارات إلي أن المايا توقعوا حدوث كارثة في نهاية كل باكتون .
أقرأ أيضا : كتاب سويجا الغامض المليئ بالتعاويذ السحرية و الشيطانية التى فشل العلم فى فك رموزها
و أتي يوم 21 ديسمبر عام 2012 دون أي مفاجئات أو أحداث كارثية و مر كأي يوم عادي مما جعل البعض يتنفس الصعداء بينما شعر آخرون بالإرتباك أو خيبة الأمل و مع ذلك لا يزال البعض يعتقد أن التغيير الذي تحدثت عنه نبوءة المايا قد يكون تحولًا غير مادي أو روحاني و ليس دمارًا فيزيائيًا بمعناه المتعارف و مع ذلك لا تزال حتي اللحظة قصة نبوءة تقويم المايا جزءًا من الذاكرة الجماعية للعالم علي الرغم من أنها أعطت الجميع درسًا في كيفية تضخيم وسائل الإعلام لمفاهيم قديمة و تحويلها إلي ظاهرة عالمية أصابت الجميع بالهلع .