كسوف الشمس هى ظاهرة طبيعية فريدة من نوعها تحدث عندما يمر القمر بين كوكب الأرض و الشمس مما يجعله يلقي بظلاله علينا و هى تحدث مرة كل ستة أشهر تقريبا و بحسب طبيعة محاذاة القمر ينتج إما كسوفا كليا للشمس أى حجب قرصها بالكامل و هى ظاهرة تحدث مرة كل 18 شهرا فى المتوسط أو يحجب جزء منها و يكون حينها كسوف جزئي أو حلقي و في بعض من الثقافات القديمة كان العديد يرجعون كسوف الشمس لأسباب خارقة للطبيعة و يُنظر إليها على أنها نذير شؤم الى أن بدأ تفهمها لاحقا بشكل علمى حيث بدأ التنبوء بها من قبل علماء الفلك في الصين منذ القرن الرابع قبل الميلاد و حاليا نتيجة التطور التكنولوجى الحالى أصبح يمكن توقع حدوثها بدقة شديدة و دائما ما ينصح عند بدء تلك الظاهرة يإرتداء واقيا خاص للعين لحمايتها من حدوث أى أضرار محتملة لها أثناء محاولة متابعتها من خلال التطلع الى قرص الشمس .
ما هى أنواع كسوف الشمس ؟
هناك أربعة أنواع من كسوف الشمس و هى الكلي و الحلقي و الجزئي و الهجين و لكل نوع أسبابه و هى كالتالى :
كسوف الشمس الكلي
الكسوف الكلي للشمس هو حادث فريد من نوعه فمن المعروف أن قطر الشمس أكبر بـ 400 مرة من قطر قمرنا الضئيل لكن القمر فى المتوسط أقرب إلى الأرض بحوالي 400 مرة من الشمس (تختلف النسبة لأن كلا المدارين بيضاوي الشكل) و نتيجة لذلك عندما تتقاطع حركات تلك الأجرام و تتوافق بشكل إيجابي يمكن أن يظهر القمر الجديد بنفس حجم قرص الشمس و في المتوسط يحدث الكسوف الكلي في مكان ما على الأرض كل 18 شهرًا تقريبًا و خلاله يلقي القمر ظله على سطح الأرض فى مكان محدد و هناك محظوظين بما يكفي ليكونوا فى ذلك المكان و ذلك التوقيت لأنهم سيرون قرص الشمس يتضاءل إلى هلال بينما يندفع ظل القمر الداكن نحوهم و عندما تكون الشمس مغطاة بالكامل يتم الكشف عن الهالة الجميلة أى الغلاف الجوي الخارجي الضعيف للشمس و قد يستمر الكسوف الكلي لمدة 7 دقائق و 31 ثانية على الرغم من أن معظم الكسوف الكلي عادة ما يكون أقصر من ذلك بكثير .
كسوف الشمس الجزيئ
يحدث الكسوف الشمسي الجزئي عندما يمر فوقك فقط الظل الجزئي و في هذه الحالة يظل جزء من الشمس دائمًا مرئيًا و عادة حالة شبه الظل ذلك يعطى تشابه مع حالة ظهور الشمس عند القطبين فى الحالة الطبيعية على الرغم من حدوث تلك الظاهرة فى أماكن بعيدة عنه كما أنه من الممكن أن يشهده الأفراد الذين يعيشون على بعد آلاف من الكيلومترات من منطقة الكسوف الكلي بحيث أنه كلما أقتربنا من مسافة الكسوف الكلي زاد التعتيم الشمسي .
كسوف الشمس الحلقي
يعتبر كسوف الشمس الحلقي مشهد نادر و مدهش و يختلف عن الكسوف الكلي حيث فيه تظلم السماء إلى حد ما و يظهر نوع من “الشفق المزيف” و لا يزال يظهر جزء من ضوء الشمس و يعد الكسوف الحلقي نوع فرعي من الكسوف الجزئي و أقصى مدة له هي 12 دقيقة و 30 ثانية و مع ذلك فإن النوع الحلقي قد يتشابه مع الكسوف الكلي فى أن القمر يمر مركزيًا عبر الشمس و لكن الفارق الوحيد هو أن القمر أصغر من أن يغطي قرص الشمس بالكامل نظرًا لأنه يدور حول الأرض في مدار بيضاوي الشكل و اذا كنت سعيد الحظ و حدثت تلك الظاهرة أمامك فسوف تشاهد ما وراء جانبي ظل القمر و سترى حلقة النار الواردة من الشمس حوله .
كسوف الشمس الهجين
و يسمي ذلك النوع أيضا الكسوف الكلي الحلقي و يحدث عندما تكون مسافة القمر قريبة من حدها حتى تصل الظلمة إلى الأرض و في معظم الحالات يبدأ الأمر ككسوف حلقي ثم يصبح كليا لأن استدارة الكوكب تصل لأعلى و تعترض طرف الظل بالقرب من منتصف المسار ثم تعود أخيرًا إلى نهاية المسار و نظرًا لأن القمر يبدو أنه يمر مباشرة أمام الشمس فإن الكسوف الكلي و الحلقي و الهجين يطلق عليهم أيضًا الكسوف المركزي لتمييزه عن الكسوف الجزئي فقط .
و فى العموم من بين جميع أنواع الكسوف الشمسي يوجد حوالي 28 ٪ منه كلي و 35٪ جزئي و 32٪ حلقي و 5٪ فقط هجينة .
التنبوء بالكسوف الشمسي
ليس بالضرورة أن يحدث كسوف الشمس مع كل قمر جديد و ذلك لأن مدار القمر مائل بما يزيد قليلاً عن 5 درجات بالنسبة إلى مدار الأرض حول الشمس و لهذا السبب عادة ما يمر ظل القمر فوق الأرض أو تحتها لذلك لا تحدث تلك الظاهرة دائما و لكن كقاعدة عامة تحدث على الأقل مرتين كل عام ( و أحيانًا ما يصل إلى خمس مرات ) حين يحاذي القمر نفسه تمامًا مع كلا من الأرض و الشمس حيث تسمى نقطة المحاذاة هذه بالعقدة و اعتمادًا على مدى اقتراب القمر الجديد منها سيتحدد عما إذا كان كسوفًا مركزيًا أم جزئيًا و بالطبع فإن مسافة القمر من الأرض و بدرجة أقل مسافة الأرض عن الشمس ستحدد في النهاية نوع الكسوف المركزي عما اذا كان كليًا أم حلقيًا أم هجينًا .
و لا تحدث هذه الاصطفافات بين الثلاثة أجرام بشكل عشوائي لأنه بعد فترة زمنية محددة سيتكرر الكسوف نفسه حيث تُعرف هذه الفترة بدورة “ساروس” و هى دورة تُعرف منذ زمن بعيد لدى علماء الفلك الكلدان الأوائل منذ حوالي 28 قرنًا حيث تعني كلمة ساروس “التكرار” و هي تساوي 18 عامًا و عند هذا الفاصل الزمني تكون المواضع النسبية للشمس و القمر بالنسبة للعقدة هي نفسها تقريبًا كما كانت من قبل فعلى سبيل المثال في 29 مارس عام 2006 اجتاح كسوف كلي أجزاء من غرب و شمال إفريقيا ثم عبر جنوب آسيا و بعد مرور دورة ساروس فسوف يتكرر ذلك الأمر في 8 أبريل عام 2024 باستثناء أنه بدلاً من قارتي إفريقيا و آسيا سيكون عبر شمال “المكسيك” و وسط و شرق “الولايات المتحدة” و المقاطعات البحرية فى “كندا” .
و من المتوقع أن يكون الكسوف الشمسي القادم عبارة عن كسوف هجين نادر للشمس في 20 أبريل عام 2023 و الذى سيكون مزيج من كسوف حلقي و كلي للشمس و خلاله ستكون حلقة النار مرئية لبضع ثوان في المحيطين الهندي و الهادئ أما الكسوف الكلي القادم للشمس سيكون في 8 أبريل عام 2024 و يعرف باسم “الكسوف الكبير لأمريكا الشمالية” كما سيكون مرئيًا في جميع أنحاء أمريكا الشمالية و الوسطى.
كيفية مراقبة كسوف الشمس بأمان
دائما ما ينصح الأطباء بعدم النظر أبدًا إلى الشمس بمنظار أو تلسكوب أو العين المجردة دون حماية حيث يستخدم المصورين الفلكيين و العلماء مرشحات خاصة للمراقبة بأمان أثناء كسوف الشمس أو ظواهر الشمس الأخرى .
و توجد طريقة آمنة لمتابعتها من خلال بناء كاميرا ذات ثقب حيث يتم استخدام ثقب صغير أو فتحة صغيرة لتكوين صورة للشمس على شاشة موضوعة على بعد حوالي متر خلف الفتحة كما يمكن أيضًا استخدام مناظير أو تلسكوب جيد مثبت على حامل ثلاثي الأرجل لعرض صورة مكبرة للشمس على بطاقة بيضاء و كلما كان التليسكوب بعيدًا عن البطاقة كلما كانت الصورة مركزة بشكل أكبر حيث من خلال تلك الطريقة يمكنك مشاهدة البقع الشمسية و ستلاحظ أن الشمس تبدو أغمق إلى حد ما حول طرفها أو حافتها و تعتبر تلك الطريقة آمنة طالما أنك لا تنظر بشكل مباشر نحو سطحها اللامع .
و تشمل أدوات الحماية أو المرشحات المناسبة للملاحظات الشمسية المرئية ” مرشح مايلر ” و هو مصمم خصيصًا لرصد الطاقة الشمسية بالإضافة الى منظار اللحام المتوفر في متاجر توريد اللحام و من الضرورى دائمًا اختبار تلك المرشحات قبل يوم الكسوف اما أدوات الحماية الغير مناسبة فهى النظارات الشمسية و الأفلام السلبية الملونة القديمة و الأفلام بالأبيض والأسود التي لا تحتوي على الفضة و مرشحات الصور الفوتوغرافية ذات الكثافة المحايدة و المرشحات الاستقطابية و رغم من أن هذه المواد تحتوي على مستويات منخفضة جدًا من نفاذية الضوء المرئي إلا أنها تنقل مستوى مرتفع و غير مقبول من الأشعة تحت الحمراء القريبة التي يمكن أن تسبب حروقًا حرارية في شبكية العين كما أن الشمس ستبدو باهتة و لن تستطيع مشاهدة شئ بشكل واضح .
و تعتبر الفترة الوحيدة التى يمكنك فيها النظر مباشرة إلى الشمس بأمان هى أثناء الكسوف الكلي عندما يكون قرص الشمس مغطى بالكامل فخلال تلك الثواني أو الدقائق القليلة الثمينة تتألق الهالة الرائعة المحيطة بالشمس المظلمة على شكل هامشى رائع من الضوء الأبيض اللؤلئي مع لمعان مثل الشفق الباهت و في بعض الأحيان يكون لها مظهر ناعم و مستمر و في أوقات أخرى تنطلق أشعة طويلة منه في ثلاثة أو أربعة اتجاهات و لكن عندما تبدأ الشمس في الظهور مرة أخرى تختفي الهالة بسرعة و ستحتاج إلى حماية عينيك مجددا .
الكسوف و الثقافات القديمة
كان أول كسوف تم تسجيله منذ أكثر من أربعة آلاف عام في الصين حيث كان يُعتقد وقتها أن هناك تنين يحاول التهام الشمس و كان من واجب علماء الفلك في البلاط الملكى إطلاق السهام و ضرب الطبول و رفع كل ما يمكن أن يخيفه و وفقًا للمؤرخ الإغريقي “هيرودوت” فقد اندلعت حرب دامت خمس سنوات بين الليديين و الميديين و عندما كانت على وشك الانتقال إلى عامها السادس تلاشت الشمس تمامًا و اعتقادًا منهم بأنها كانت علامة من السماء دعا المقاتلين إلى هدنة و تم ترسيخها من خلال الزواج المزدوج لأنه و كما كتب هيرودوت: “بدون بعض الروابط القوية سيكون هناك القليل من الأمان الذي يمكن العثور عليه في عهود الرجال” كما أن المصطلح الشهير ” خائف حتى الموت ” قد أشتق من كسوف الشمس بعد أن شهد الإمبراطور ” لويس ” حاكم بافاريا كسوفًا كليًا طويلًا بشكل غير عادي للشمس في يوم 5 مايو عام 840 م و أستمر لأكثر من خمس دقائق و لكن ما إن بدأت الشمس في الظهور مرة أخرى مات ” لويس ” خوفا من تلك الظاهرة .
و مع مرور السنوات تعلم علماء الفلك الكثير من خلال دراسة تلك الظاهرة فمع حلول القرن الثامن عشر وفرت تلك الظاهرة كنزا حقيقيًا من المعلومات الفلكية على الرغم من أن الحصول على هذه المعلومات لم يكن سهلاً في بعض الأحيان حيث قاد عالم الفلك “صمويل ويليامز” الأستاذ بجامعة هارفارد رحلة استكشافية إلى خليج بينوبسكوت بولاية “مين” لمشاهدة كسوف الشمس الكلي في 27 أكتوبر 1780 و لسوء حظه حدث هذا الكسوف خلال الحرب الثورية و كان خليج بينوبسكوت يقع خلف خطوط العدو و لكن منحه البريطانيين رحلة استكشافية آمنة مستشهدين بأن العلم فوق الاختلافات السياسية كما أنه نتيجة تلك الظاهرة في 18 أغسطس عام 1868 أكتشف الفلكي الفرنسي “بيير يانسن” عنصرًا كيميائيًا جديدًا أطلق عليه اثنان من علماء الفلك الإنجليز و هما “ج. نورمان لوكير” و “إدوارد فرانكلاند” اسم “الهيليوم” و الذى أشتق من اليونانية هيليوس (الشمس) حيث لم يتم التعرف على الغاز على الأرض حتى عام 1895.
و لأن ضوء الشمس يتم حجبه أثناء الكسوف الكلي فيمكن ملاحظة بعض النجوم و الكواكب الأكثر إشراقًا في السماء المظلمة ففي ظل هذه الظروف تمكن علماء الفلك من اختبار جزء من النظرية النسبية العامة التي وضعها العالم ” ألبرت أينشتاين ” و التى تنبأت بأن الضوء القادم من النجوم وراء الشمس سوف ينحني عن مسار مستقيم بطريقة معينة أثناء مروره بالشمس حيث قورنت مواقع النجوم التي تم تصويرها بالقرب من حافة الشمس أثناء الكسوف الكلي في 29 مايو 1919 بصور لنفس المنطقة من السماء تم التقاطها ليلاً و دعمت النتائج بقوة نظرية “أينشتاين” .