نسمع دائما في اللغة العربية جملة مجازية تقول بأنه يقف علي حافة الهاوية و هو لفظ يعني أن ذلك الشخص علي وشك السقوط من أعلي أو يقترب من الهلاك لكن الوضع يختلف بشكل كامل في إسبانيا و تحديدا إقليم كتالونيا الذي يحتضن بلدة صغيرة تدعي كاستيل فوليت دو لا روكا التي تترجم تلك الجملة بشكل واقعي نظرا لوقوعها بشكل كبير أعلي قمة جرف جبلي علي هيئة شريط ضيق يمتد على طول كيلومتر كامل و يتسع عرضه بالكاد لمنزلين في عدد من الأماكن و هو ما يعطي لذلك المكان منظرا ساحرا خلابا و في نفس الوقت مشهدا يتسم بالرهبة لأنه حال وقوع أي زلازل في تلك المنطقة فمن الممكن أن تصبح تلك البلدة خلال لحظات قصيرة جزء من الماضي إلا أنه و لحسن الحظ لم يحدث ذلك .
و تقع بلدة ” كاستيل فوليت دو لا روكا ” عند نقطة إلتقاء نهري فلوفيا و تورونيل و حتى الأن لا أحد يعرف سبب إطلاق ذلك الاسم على تلك البلدة إلا أنه توجد ترجيحات لذلك حيث تقول الرواية الأولي أنها نسبة لوجود قلعة بذلك المكان لذلك أطلق عليها اسم ” castle ” أما “فوليت” فقد تكون مشتقة من حقيقة أن تلك القلعة كانت مصفحة و منيعة و ذلك لبنائها من صخور الإردواز التي لا تتواجد في تلك المنطقة أما الرواية الثانية فتشير إلي أن سبب تسمية البلدة يرجع إلي أن الجرف نفسه بمثابة تلك القلعة أو الحصن لذلك أطلق عليه إسم ” castle ” أما “فوليت” فنتيجة أن صخور البازلت في تلك المنطقة تعطى تشكيلات شبيهة بأوراق الأشجار لذلك اطلق على ذلك المكان إسم ” قلعة أوراق الشجر foliage castle ” و التى تحولت إلي الإسبانية ” كاستيل فوليت ” أما كلمة دي لا روكا فقد أضيفت لتمييزها عن مدينتين أخريين فى “كتالونيا” يحملون نفس الإسم و هو ” كاستيل فوليت ” .
و يرجع تاريخ بلدة ” كاستيل فوليت دو لا روكا ” التى يعيش فيها حاليا ما يقارب من ألف نسمة إلي العصور الوسطي حين قرر السكان الأوائل الإستقرار فى ذلك المكان لموقعه الفريد حيث بدأوا فى إنشائها و إقامة المنازل بشكل غير مستقر بالقرب من حواف الجرف الذى تشكل من مساهمة النهرين في تأكل تدفقات الحمم البركانية التي حدثت منذ آلاف السنين و تم ربط أجزاء البلدة بشبكة من الطرق الضيقة المعبدة بالصخور البركانية البازلتية المنتشرة فى تلك المنطقة و تنتهى تلك الطرق بأخر مبنى مطل على حافة الجرف و هى كنيسة “سانت سلفادور” التي أنشئت فى القرن الثالث عشر الميلادي و تعد بمثابة القلب النابض لتلك البلدة كما كان لها يوما إسهامات فعالة خلال الحرب الأهلية الإسبانية و تم تدميرها ثم أعيد إنشائها مجددا على نسق فنون عصور النهضة إتساقا مع البلدة التي لا تزال تحمل عبق و تاريخ القرون الوسطي رغم مرور السنوات عليها .
و إذا قررت يوما السفر و الذهاب إلي ” كاستيل فوليت دو لا روكا ” فبإمكانك الذهاب إلي نهاية الجرف و الوقوف عليه و هى ساحة معروفة بإسم ” جوسيب بلا ” و لكن تحت شرط ألا تكون من أصحاب القلوب الضعيفة نظرا لأنك ستقف على منحدر بإرتفاع 50 مترا يقبع أسفله الأنهار و وادى ذات طبيعة خلابة حيث كانت تلك الساحة قديما مخصصة لمقابر القرية إلا أنه تم إغلاقها و نقلها لاحقا فى ستينيات القرن الماضي و من تلك النقطة يمكنك فهم وضع تلك البلدة الإستراتيجي و خصائصها الطبيعية فى الدفاع عن نفسها خلال فترات الحروب المتعاقبة .
و بجانب المناظر الطبيعية الخلابة في ” كاستيل فوليت دو لا روكا ” فيوجد بها أيضا واحدا من أغرب المتاحف و هو “متحف اللحوم المعالجة” و الذى تم إفتتاحه عام 1993 و المعني بسرد تاريخ معالجة و حفظ اللحوم في “إسبانيا” بالإضافة إلى عرض العديد من الآلات المستخدمة في تصنيع تلك اللحوم المقددة على مر العصور و الدخول إليه مجاني كما يوجد متحف أخر و هو “متحف فيتنام” الذي يستعرض مجموعة خاصة تضم الزي الرسمي و الأسلحة و المعدات المتعلقة بحرب فيتنام عام 1960 و تضاء منحدرات تلك البلدة بداية من غروب الشمس حتى منتصف الليل لمدة ستة أشهر من العام .
أقرأ أيضا : سيتينيل دى لاس بوديجاس بلدة إسبانية خلابة تقع منازلها أسفل صخور الجبال
و بجانب مناظر بلدة ” كاستيل فوليت دي لا روكا ” الطبيعية الخلابه فهى تشتهر أيضا بفنون الطهي و الأطعمة المليئة بالمكونات المحلية مثل حبوب سانت بو و الفطر المحلي و صنع البيرة بجميع أنواعها و رغم قلة المطاعم بها إلا أن الجلوس على واحد منهم يختلف تماما عن أى مطعم فى مكان اخر نظرا لوجوده علي حافة جبليه تجعل من تلك التجربة لا تنسى .