رغم ما نشاهده دائما فى دعوات الولايات المتحدة بأنها أمة بنيت على مجموعة من القيم أهمها المساواة الا أن واقع الأمر على الأرض مغايرا تماما عن تلك الشعارات حيث كان بها تفرقة واضحة بين البيض و السود و هو الأمر الذى دفع العديدين الى تشكيل حركات الحقوق المدنية للمطالبة بالمساواة و نبذ العنصرية فى المجتمع التى لم تنحصر على ذوات البشرة الملونة فقط و لكن حتى على المرأة التى كانت منذ نشأة البلاد ممنوعة من المشاركة السياسية سواء بتولى المناصب أو من حق التصويت فى الانتخابات اضافة الى بعض الفعاليات الرياضية التى لم يكن مسموحا لها مزاحمة الرجال فيها مثل ماراثون بوسطون الشهير حتى جائت أمرأة تدعى كاثرين سويتزر لتدخل التاريخ بعد محاولتها كسر تلك القيود و المشاركة فى ذلك الماراثون و اجتيازه رغم مرورها ببعض من العقبات خلال تلك المشاركة .
ولدت ” كاثرين سويتزر ” فى “ألمانيا” عام 1947 لعائلة أمريكية من أفراد يخدمون فى الجيش و كان من المعروف عنها أنها فتاة رياضية نشيطة و التحقت بجامعة “سيراكيوز” بنيويورك لدراسة الصحافة و أحبت رياضة الجرى و تدربت فى تلك الفترة مع فريق الرجال لاختراق الضاحية بشكل غير رسمى لعدم وجود فريق نسائى فى ذلك الوقت و التقت بمدربها “أرني بريجز” الذى كان عدائا مخضرما فى ماراثونات بوسطن حيث كان يحكى لها قصص عن ذلك الماراثون و التى كانت تستمع لها بإنبهار حتى قالت له يوما دعنا نوقف الحديث عن ذلك الماراثون و لنشارك فيه ليرد عليها بأنه لا يمكن لأي امرأة أن تجري ماراثون بوسطن لصعوبته مما أشعل روح التحدى بداخلها و تصمم على المشاركة و رغم وقوع الطرفين فى حالة من الجدال حول تلك النقطة الا أن ” أرنى ” أتفق معها بأنه اذا أثبتت له خلال التدريبات استطاعتها ذلك فسوف يأخذها بنفسه الى ذلك الماراثون و المشاركة فيه .
و خلال التدريبات تمكنت ” كاثرين سويتزر ” من قطع مسافة 31 ميلا و هو ما دفع ” أرنى بريجز ” للتحمس فى مشاركتها بماراثون بوسطن خاصة بعد أن فحصا قواعد و لوائح تلك البطولة و لم يجدوا فيها شيئ يمنع مشاركة النساء فيه لذلك فقد ملئت إستمارة ببياناتها و قامت بدفع 3 دولارات كرسوم أشتراك و وقعتها بالأحرف الأولى من أسمها و حصل مدربها “أرني” على تزاكر السفر و أرسل استمارات المشاركة بالبريد و بعد أسبوعين أعلن صديقها ” توم ميلر ” لاعب كرة القدم الأمريكي السابق و رامي المطرقة المصنف أنه سيشارك فى بوسطن أيضًا حيث قال لها أنه لم يكن بحاجة إلى التدريب لأنه إذا كان يمكن للفتاة أن تجري ماراثون فيمكنه هو الأخر أن يركض فيه ليكونوا جميعا فريقا واحدا يغادر للمشاركة .
و رغم أن ” كاثرين سويتزر ” كانت أمرأة الا أنه تم قبولها فى المشاركة بسبب توقيعها الاستمارة بأحرفها الأولى فقط و هو ما ظنه المسئولين عن السباق انها ترجع الى رجل لذلك تم السماح لها بالانضمام و منحت رقم 261 و فى يوم الأربعاء الموافق 19 من أبريل عام 1967 و بعد الظهيرة تجمع المتسابقين للمشاركة فى الماراثون حيث كانت ” كاثرين ” وسط المتسابقين الرجال متأهبة و هى تضع مساحيق التجميل على وجهها و هو ما جعل المشاركين ينظرون لها باستغراب الا انها كانت تبتسم لهم و بدء السباق و أنطلق الثلاثى ” كاثرين و توم و أرنى ” و بدأوا فى قطع الأميال الأولى منه و فى الميل الرابع بدأ المصورين الصحفيين فى التقاط الصور حيث كانوا متحمسين للغاية لرؤية امرأة تشارك في ذلك السباق .
و بعد مرور وقت من ذلك و رغم انضمام ” كاثرين سويتزر ” فى الماراثون بشكل شرعى الا أن مسئولى السباق أنتبهوا الى وجودها بسبب خطأ منهم و حاول بعضهم إيقافها وصلت لدرجة أن أحد مسؤولي السباق و يدعى ” جوك سمبل ” حاول الانقضاض عليها و مسكها من كتفها محاولا اعادتها الى الوراء و يصرخ فيها قائلا أخرجى من سباقى و أعطينى تلك الأرقام و مد يده لانتزاعهم منها و حاولت ” كاثرين ” الهرب منه الا انها لم تستطيع سوى بعد تدخل مدربها ” أرنى بريجز ” و صديقها ” توم ميلر ” الذان أشتبكا معه و أسقطوه أرضا و حدث هرج و مرج كبير فى المكان حتى أن ” كاثرين ” قالت أنها شعرت بالخوف من أنهم قد يكونوا قتلوه و سيدخلون السجن بعدها الا أنها رأته حى يرزق و هو يهددهم بمشاكل لا حصر لها و بدأت الصحافة فى مطاردتها للحصول على بعض من الأسئلة أثناء جريها و فكرت فى التوقف الا أنها قررت استكمال الماراثون لأن توقفها سيؤدي إلى تراجع الرياضة النسائية بشكل كبير فى البلاد والتأكيد على ان النساء يستطعن اجتيازه و بالفعل تمكنت من استكمال ماراثون بوسطن بزمن قدره أربع ساعات و عشرين دقيقة .
كان دائما دافع المسئولين عن عدم مشاركة النساء فى ماراثون بوسطن هو أنهن ضعيفات للغاية للمشاركة في سباق يبلغ طوله 26.2 ميلاً لذلك كان يتم منعهن من المنافسة و لكن أثبتت “كاثرين سويتزر” أنهم مخطئين تمامًا بعد مشاركتها و تمكنها من إجتيازه و رغم ذلك النجاح الا أن رد اتحاد الرياضيين الهواة كان بمنع جميع النساء من المشاركة فى أى فعاليات مع العدائين الذكور حيث قامت ” كاثرين ” و معها بعض من المدافعات عن حقوق المراة بتنظيم حملات من أجل تغيير تلك القواعد و لكن لم يُسمح للمرأة رسميًا بالمشاركة فى ماراثون بوسطن حتى عام 1970 و التى بعدها بسنوات قليله و فى عام 1974 فازت ” كاثرين ” بالمركز الأول على السيدات و بالمركز 59 إجمالاً بماراثون بوسطن الذى قطعته فى زمن بلغ ثلاث ساعات و سبع دقائق و تسع و عشرون ثانية .
أقرأ أيضا : قصة اللاعبة جوديت بولجار أعظم لاعبة شطرنج عبر كل العصور
بعد ذلك قامت ” كاثرين سويتزر ” بتأسيس نادي الجري النسائي 261 Fearless و الذي سمي برقم مريلتها الأصلية التى شاركت به فى أول ماراثون حيث كان الهدف من نادي الجري النسائي هو تمكين و إلهام العدائات في جميع أنحاء العالم حيث تقول ” كاثرين ” ان ذلك النادي و مدى الاستجابة التي تلقتها من زميلاتها العداءات من خلاله تعد مصدر القوة لها و لهن و تضيف بأنها عندما تذهب إلى ماراثون بوسطن الآن يصبح كتفها مبللة بسبب بكاء النساء على ذراعها من الفرح لأن الجري غيّر حياتهم لأنه يجعلهم يشعرون بأنهم يستطيعون فعل أي شيء .
و تقديرا لجهودها و فى عام 2011 تم إدخال “كاثرين سويتزر” إلى قاعة مشاهير النساء الوطنية لمساهماتها التي لا يمكن إنكارها في النهوض بالمرأة و تمكينها من خلال الجري , و في عام 2017 أدارت ” كاثرين ” ماراثون بوسطن و حصلت على الرقم 261 المسجل باسمها الكامل هذه المرة و ذلك للاحتفال بالذكرى الخمسين لمسارها التاريخي و بعد السباق قالت جمعية بوسطن الرياضية إنها لن تحدد ذلك الرقم بعد الآن لأى متسابق أخر لأنه تكريم لعمل “كاثرين سويتزر” إلى الأبد.