قوس قزح هى ظاهرة طبيعية و بصرية خلابة يمكنك مشاهدتها و لكن من الصعب لمسها كشئ مادي و هى تنتج عن إنعكاس و إنكسار و تشتت الضوء على قطرات المياه لذلك فهى تترافق دائما مع هطول الأمطار حيث تظهر للأعين على هيئة قوس مكون من ألوان مبهجة و مختلفة فى عنان السماء و نظرا لسحر تلك الظاهرة الفريدة فقد إرتبطت بها عدد من المعتقدات حيث يراها البعض بأنها رسالة من الله أما البعض الأخر فقد لصق بها عدد من الخرافات التى تشير الى وجود قدر من الذهب عند نهايتيه و لسوء حظ تلك الظاهرة الفريدة أنه فى الوقت الراهن تم ربطها بعدد من الحركات التى تدعو الى ممارسات مرفوضة دينيا و مجتمعيا و أخلاقيا .

كيف ينتج قوس قزح ؟

يميل قوس قزح للظهور أثناء الاستحمام الشمسي أى وجود الأمطار و الشمس في نفس الوقت مع ضرورة توفر عدد من الشروط أهمها أن تكون الشمس خلف الموقع الذى يقف فيه المشاهد و لا تزيد عن 42 درجة فوق الأفق و فى نفس الوقت يجب أن تكون الأمطار أمام المشاهد مع ضرورة أن تكون قطرات الماء طافية في الهواء و لهذا السبب نرى دائما قوس قزح بعد هطول الأمطار مباشرة و بعد أن تكون السماء قد أصبحت صافية بما يكفي من الغيوم لرؤيتها .

و لمحاولة فهم تلك الظاهرة بشكل أعمق فيجب علينا أن نفهم بنية الضوء الذى يتكون من أطوال موجية لونية مختلفة تظهر للعين بيضاء عند مزجها معا كما أنه ينتقل في خط مستقيم ما لم يعكسه شيء ما أو يعمل على إنكساره أو تشتيته و عندما يحدث أي من هذه الأشياء فيتم فصل أطوال موجات الألوان المختلفة التى يمكن رؤية كل منها على حدة لذلك فنستطيع القول أن ظاهرة قوس قزح تبدء عندما يسطع ضوء الشمس على زخات المطر و عندما تخترق أشعتها قطرة الماء تتباطأ سرعتها قليلاً نظرا لأنها أكثر كثافة من الهواء و يؤدي ذلك إلى انحناء مسار الضوء أو انكساره و بالتالى إنفصاله إلى أطوال موجية لونية مختلفة ثم يستمر الضوء في الانتقال عبر القطرة حتى يرتد (ينعكس) عن الجزء الخلفي منها و يخرج من الجانب المقابل لها بزاوية 42 درجة و عندما يخرج الضوء الذى أصبحت ألوانه منفصلة من قطرة الماء فإن سرعته تزداد أثناء انتقاله للخارج إلى الهواء الأقل كثافة مما يجعله ينكسر (مرة ثانية) أمام الأعين و بالتالى يظهر أمامك كامل الشكل .

و ليس بالضرورة أن يرى قوس قزح في السماء فقط حيث يمكن رؤيته أثناء عمل رشاش المياه في الفناء الخلفي أو على ضباب فى قاعدة شلال متناثر أو حتى يمكن أيضًا إنشاءه بدون استخدام الماء حيث تعتبر أحد الأمثلة على ذلك هو تثبيت المنشور البلوري على نافذة مشمسة .

لماذا يظهر ترتيب ألوان قوس قزح بذلك الشكل ؟

دائما ما نلاحظ أنه عند ظهور قوس قزح فإن ألوانه بداية من الحافة الخارجية ثم إلى الداخل دائمًا ما تبدء بالأحمر ثم البرتقالي ثم الأصفر ثم الأخضر ثم الأزرق ثم النيلي و تنتهى بالبنفسجي و يرجع ذلك بسبب أن بعض من هذه الأطوال الموجية تنحنى بزوايا أكثر من غيرها فعندما يدخل الضوء إلى قطرة الماء ينكسر اللون البنفسجي الذى يعتبر هو أقصر طول موجي للضوء المرئي بزاوية أكبر من الضوء الأحمر صاحب اكبر طول موجى لذلك فعند انعكاس الضوء داخل القطرة و خروجه تصبح بذلك الترتيب .

هل بالفعل قوس قزح يتشكل على هيئة قوس ؟

نظرًا لأن قطرات المطر دائرية نسبيًا فإن الانعكاس الذي تخلقه يكون منحنيًا لذلك نستطيع القول أن قوس قزح الكامل هو في الواقع دائرة كاملة لكننا لا نستطيع رؤية النصف الآخر لأن الأرض تعترض الطريق و لكن كلما كانت الشمس منخفضة في الأفق زادت مساحة الدائرة الكاملة التي يمكننا رؤيتها و يمكن الحصول على الرؤية الكاملة لذلك القوس عبر الطائرات حيث يستطيع منها المراقب أن ينظر إلى الأعلى و الأسفل ليرى القوس الدائري الكامل .

و فى بعض من الأحيان قد يظهر قوس قزح مزدوج و هو يحدث بنفس الخطوات التى تم شرحها سابقا ( الانكسار – الانعكاس – الانكسار ) مع الفارق أن الضوء يضرب الجزء الخلفي من قطرة المطر مرتين بدلاً من مرة واحدة فقط و يخرج هذا الضوء المعاد انعكاسه من القطرة بزاوية مختلفة و تكون 50 درجة بدلاً من 42 درجة مما ينتج عنه قوس قزح ثانوي يظهر فوق القوس الأساسي و نظرًا لأن الضوء يخضع لانعكاسين داخل قطرة المطر و نتيجة قلة عدد الأشعة التي تمر عبر الخطوات الأربع فتقل شدته خلال الانعكاس الثاني و نتيجة لذلك فتكون ألوانه ليست ساطعة بنفس قدر القوس الأساسي بالإضافة الى أن ترتيب الالوان فيه منعكسا حيث يبدء هذه المرة باللون البنفسجى عند الحافة الخارجيه و الاحمر للداخليه .

تاريخ و خرافات

يعتبر العالم اليوناني “أرسطو” هو أول من أولى اهتمامًا جادًا لظاهرة قوس قزح و بعد وفاته تألفت الكثير من النظريات حول تلك الظاهرة حيث ناقش الفيلسوف الروماني “سينيكا الأصغر” نظريات مختلفة حول تكوينه حيث لاحظ أنه دائمًا يكون مقابل الشمس ثم حاول الفيزيائي العربي “ابن الهيثم” تقديم تفسير علمي لها الا أن كل تلك التفسيرات السابقة لم تكن صحيحة بالقدر الكافى الى أن قدم عالم الفلك الفارسي “قطب الدين الشيرازي” تفسيرًا دقيقًا للظاهرة و أوضح تلميذه “كمال الدين الفارسي” ذلك أيضا بعد أن قدم تفسيرًا مرضيا من الناحية الرياضية حيث صنع نموذجًا ينكسر فيه شعاع الضوء من الشمس مرتين بواسطة قطرة ماء و تم إجراء تجربة عملية على كرة زجاجية مملوءة بالماء ثم وضع هذا النموذج في غرفة مظلمة لكاميرا تحتوي على فتحة تحكم لإدخال الضوء إليها و استنتج في النهاية من خلال العديد من التجارب و الملاحظات التفصيلية لانعكاسات و انكسارات الضوء أن ألوان قوس قزح هي ظاهرة تنتج عن تحلل الضوء .

و فى عام 1268 واصل “روجر بيكون” عمله على فكرة الضوء و كان له الفضل فى أن يكون أول من قام بحساب الحجم الزاوي لقوس قزح و هو 42 درجة فوق الأفق و فى عام 1307 أصبح من المعروف أن “ثيودوريك فرايبرج” هو من قدم تفسيرًا نظريًا دقيقًا لكل من قوس قزح الأولي و الثانوي و هو ما أكده العالم ” رينيه ديكارت ” و بعدها أظهر العالم “إسحاق نيوتن” أن الضوء الأبيض يتكون من ضوء ألوان قوس قزح بعد أن قام بفصله من خلال منشور زجاجي إلى مجموعة كاملة من الألوان كما أظهر أن الضوء الأحمر ينكسر بدرجة أقل من الضوء الأزرق و هو ما أدى إلى صدور أول تفسير علمي للسمات الرئيسية لظاهرة قوس قزح .

اما بالنسبة لإرتباط تلك الظاهرة بالثقافات ففي الميثولوجيا الإغريقية يعتبر الإله ” إيريز ” الذى يقوم بربط العالم الفاني بالآلهة تجسيدا لتلك الظاهرة التى يرسل من خلالها مجموعة من الرسائل للبشر كما يظن البعض أن فى أخره وعاء من الذهب و أستخدم كرمز للحركة التعاونية في حرب الفلاحين الألمان في القرن السادس عشر و حركات السلام في “إيطاليا” و لسوء الحظ لحركات المثليين منذ السبعينيات و في عام 1994 وصف رئيس الأساقفة “ديزموند توتو” و رئيس جنوب أفريقيا “نيلسون مانديلا” الديمقراطية الجديدة في مرحلة ما بعد الفصل العنصري بأنها دولة قوس قزح كما تم استخدامه في شعارات منتجات التكنولوجيا بما في ذلك شعار كمبيوتر أبل بالإضافة الى العديد من التحالفات السياسية التي تمتد عبر عدة أحزاب سياسية فى قارة أوروبا أطلقت على نفسها اسم “تحالف قوس قزح” .