خلقت المنافسات الرياضيه بغرض أن تكون بديلا للاقتتال و الصراع بين الناس و أنشئت البطولات الرياضيه لتكون ملتقى سلمى لجميع شعوب العالم و لكن يبدو أن ذلك الهدف السامى ربما يختلف تماما على أرض الواقع حين تسببت أحدى المباريات المؤهلة الى تصفيات كأس العالم فى احداث شرارة حرب بين دولتين و هم السلفادور و هندوراس أستمرت لمدة أربعة أيام وأودت بحياة الألاف من الأشخاص و تسببت فى تشريد الأخرين حيث أشتهرت عالميا بإسم حرب كرة القدم بعد أن أنتقلت احداثها من أروقة المنظمات الرياضيه الى المؤسسات الأمميه .
الشرارة حدثت على ملعب “أزتيكا” في “مكسيكو سيتي” عاصمة دولة “المكسيك” فى 27 من يونيو عام 1969 حيث أقيمت مباراة فاصلة جمعت بين دولتى “هندوراس” و “السلفادور” للصعود الى نهائيات كأس العالم التى تنظم فى “المكسيك” بعد عام حيث لم يشارك كلا البلدين فى تلك النهائيات مطلقا و خاضا سويا التصفيات المؤهله حيث فازت “هندوراس” بمباراة الذهاب 1-0 في عاصمتها “تيجوسيجالبا” لترد عليها ” السلفادور ” فى مباراة العودة بالفوز على أرضها 3-0 في “سان سلفادور” و احتكم الفريقان الى مباراة فاصلة للصعود تقام فى أرض محايدة و هى “المكسيك” حيث انتهى وقتها الأصلى بالتعادل بهدفين لكلا الفريقين مما اضطرهم الى الدخول فى وقت اضافى و بحلول الدقيقة 11 أحرز اللاعب السلفادورى “ماوريسيو رودريجيز” هدف السلفادور الثالث لتنتهى المباراة بخسارة ” هندوراس ” 3-2 و تتأهل “السلفادور” الى المونديال الا أن الأمر لم ينتهى فبعد مرور ثلاثة أسابيع أندلعت حرب شعواء بين البلدين قتل فيها الألاف من الطرفين .
و رغم أن المباراة كانت هى شرارة حرب بينهم الا أن الامر كان له أبعاد عدائية تاريخية بين البلدين ففى عام 1969 كان يبلغ عدد سكان “السلفادور” 3 ملايين نسمة و هى دولة صغيرة الحجم تقع أغلب أراضيها تحت سيطرة النخبة من ملاك الأراضي و الاقطاعيين و هو أمر لم يسمح للمزارعين السلفادوريين الفقراء سوى بإستغلال مساحات صغيرة جدا من الأراضى بعكس ما يحدث فى ” هندوراس ” الدولة المجاورة التي يسيطر عليها عدد قليل من ملاك الأراضي بجانب أنها أكبر بخمس مرات فى المساحه عن “السلفادور” و ذات كثافة سكانية أقل التى بلغت 2.3 مليون نسمة , نتيجة لذلك أنتقل المواطنين السلفادوريين إلى “هندوراس” للاستفادة من تلك الأراضي المتاحة و العمل لدى شركات الفاكهة الأمريكية الموجودة في البلاد و ذلك بتشجيع من الاقطاعيين السلفادوريين لتخفيف الضغط عليهم و على أراضيهم حيث أنتقل ما يقرب من 300 ألف مواطن سلفادورى بحلول أواخر الستينيات أى ما يقارب من 20% من سكان هندوراس و هو الأمر الذى قوبل بإستياء كبير من قبل المزارعين الهندوراسيين الذين كانوا يقاتلون من أجل الحصول على مزيد من أراضي الاقطاعيين لذلك أقرت سلطات “هندوراس” برئاسة ” أوزوالدو لوبيز أريلانو ” قانون الإصلاح الزراعي لتخفيف تلك التوترات لدى المزراعين و التى كانت انتقائيه حيث لم تركز السلطات على الأراضي المملوكة للنخب و شركات الفاكهة الأمريكية و لكن على الأراضي التي استوطنها المهاجرون السلفادوريون و التى نزعت ملكيتها و تم تسليمها الى المواطنين الهندوراسيين مع ترحيل الألاف منهم إلى بلادهم الأصليه بالاضافة الى حدوث مشاكل أخرى بين البلدين تمثلت فى وقوع عددا من النزاعات الحدوديه البرية و البحرية .
شكلت عودة المهاجرين بكثافة الى بلادهم الأصلية ضغطا كبيرا على الحكومة السلفادوريه خاصة بعد تحريض الاقطاعيين للرئيس السلفادورى “فيديل سانشيز هيرنانديز” نحو القيام بعمل عسكرى ضد “هندوراس” و بدأت الصحافة السلفادوريه تتحدث عن انتهاكات تحدث لهؤلاء المهاجرين و مزاعم حول تعرضهم للاغتصاب و التعذيب و القتل و هو الأمر الذى ساهم فى زيادة العداء و الكراهية بين مواطنى الدولتين و ما زاد الطين بله هو حدوث مواجهة للفريقين فى تصفيات كأس العالم وسط كل تلك الاجواء المشحونه حيث أصبح الأمر واجبا وطنيا على اللاعبين للسعى نحو الفوز لأن الخسارة معناها عارا سوف يلاحقهم على مر السنيين .
و فى 8 يونيو التقى الفريقين فى مباراة الذهاب التى أقيمت فى “هندوراس” حيث تعرض فندق اقامة المنتخب السلفادورى للرشق بالحجارة قبل المباراة و انتهت المباراه بفوز أصحاب الأرض بهدف نظيف و الذى كان له أثرا سلبيا على مراهقة سلفادورية تبلغ من العمر 18 عاما و تدعى ” أميليا بولانيوس ” و التى قررت الانتحار باطلاق النيران على نفسها و نشرت صحيفة “ناسيونال” المحليه خبر وفاتها على صفحتها الأولى كجزء من تغطية اخباريه على الهزيمة المخزية التى حدثت فى البلاد حيث أشارت إلى أن الفتاة الصغيرة لم تتحمل رؤية وطنها وهو يجثو على ركبتيه و أصبحت الدولة بأكملها في حالة حداد على تلك الفتاة المراهقة و سار أفراد المنتخب السلفادورى فى جنازتها و حملوا النعش الذى يحمل ” أميليا ” في الشوارع و بكى الرئيس و أتباعه و رفعوا صورا للفتاة المتوفاة خلال الحدث المتلفز على الصعيد الوطني الى أن جاء يوم مباراة العودة فى 15 من يونيو حيث تصدرت صور ” أميليا ” الصحف مع عنوان يقول: “لم تستطع تحمل العار” و سبق يوم المباراة تدمير الفندق الذى يقيم فيه فريق “هندوراس ” و ألقيت رؤوس الخنازير عبر النوافذ و في يوم المباراة نقلت الفرقة الآلية الأولى لجيش السلفادور لاعبي “هندوراس” إلى الملعب في دبابات حيث قال مدربهم “ماريو جريفين” : “بدا الأمر و كأن الجنود أرادوا قتلنا و إطلاق النار علينا ثم بعد ذلك كان الطريق محاطًا بآلاف الأشخاص الذين كانوا يحملون صورًا للفتاة الميتة و كان الحرس الوطني يتعامل مع لاعبي و مسؤولي “هندوراس” كما لو كانوا أسرى و فى داخل الملعب احترق علم هندوراس واستبدل بقطعة قماش قديمة و تحت مظلة الموت والكراهية تلك لعبنا المباراة و التى أنتهت بفوز السلفادور بثلاثة أهداف نظيفه و نحن محظوظون على تلك الخسارة ” , و كان محقا فى كلامه حيث حدثت أعمال شغب كبيرة فى أعقاب تلك المباراة و ذبح اثنان من مشجعي “هندوراس ” و أصيب المئات منهم بجروح مناجل و دمرت 150 سيارة .
و نتيجة لفوز الفريقين فى مباراتى الذهاب و العودة اضطروا الى الاحتكام لمباراة فاصلة اقيمت يوم 27 من يونيو عام 1969 بالمكسيك و خلال استعدادهم لخوضها قطعت “السلفادور” العلاقات الدبلوماسية مع “هندوراس” بدعوى إن ما يقرب من 12 ألف سلفادوري أجبروا على مغادرتها بعد المباراة الثانية نتيجة تعرضهم للاضطهاد بسبب هزيمة “هندوراس” فى مباراة العودة و اتهمت الحكومة الهندوراسيه بأنها لم تفعل شيئًا لمنع القتل و القمع و الاغتصاب و الطرد الجماعي كما أنها لم تتخذ أي تدابير فعالة لمعاقبة من قام بتلك الجرائم التي تشكل إبادة جماعية و لم تقدم تأكيدات بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالسلفادوريين لذلك فليس هناك فائدة تذكر في الحفاظ على العلاقات معهم و هو الأمر الذى ادى الى تصاعد الأجواء بين الجانبين بشكل أكبر و أضطرت السلطات المكسيكيه الى توفير 1700 شرطي لمنع أى أعمال شغب من قبل الجمهورين حيث ردد الجمهور السلفادورى المشحون من المدرجات هتافات ” قتله .. قتله ” .
أقرأ أيضا : قصة مباراة لكرة القدم أقيمت فى حضور أطباق طائرة و كائنات فضائيه
و انتهت المباراه الفاصله بفوز “السلفادور” 3-2 و تأهلها الى المونديال لتشتعل شرارة الحرب بين كلا البلدين و التى بدأت بمناوشات حدودية في 14 من يوليو ثم أمرت “السلفادور” قواتها بغزو “هندوراس” و أنطلقت طائراتها الحربية فى قصفها لترد “هندوراس” بقيام سلاح طيرانها بقصف المنشئات الحيويه لدى ” السلفادور “من قواعد عسكريه و مطارات و منصات نفط و اندلاع معارك برية بين الطرفين حيث أستمرت الحرب بينهم لأربعة أيام و بحلول الوقت الذي تمكنت فيه منظمة الدول الأمريكية من ترتيب وقف إطلاق النار بين الجانبين في 18 من يوليو كان يعتقد أن حوالي 3000 شخص قد لقوا حتفهم معظمهم من المدنيين في “هندوراس” مع نزوح عدد أكبر بسبب القتال و نتيجة للضغوط الدوليه على “السلفادور” قامت بسحب قواتها من الأراضى الهندوراسيه فى أغسطس من نفس العام و رغم انتهاء الحرب الا أنه اصبح هناك جرحا غائرا بين البلدين حيث توقفت بينهم التجارة و ظلت الحدود مغلقة لفترة طويله الى أن انتهى الأمر بتوقيعهم لمعاهدة سلام فى “بيرو” عام 1980 و الى الأن لا تزال المشاكل الحدودية موجودة بينهم الا أنها لم تصل الى درجة الحرب مثلما حدث فى السابق .
و ذهبت ” السلفادور ” الى “المكسيك” فى العام التالى للمشاركة فى كأس العالم حيث منيوا بثلاث هزائم من المكسيك و بلجيكا و الاتحاد السوفيتي و لم يسجل الفريق شيئًا و أستقبل مرماه تسعة أهداف و بعد انتهاء مشاركتهم فى المونديال ذهبوا جميعًا إلى قبر “أميليا” للجلوس معها و تأبينها حيث أصبح إحياء ذكراها حدثا سنويا فى البلاد و عن هدف الفوز فى المباراه الفاصله و الذى يعتبر شرارة تلك الحرب يقول اللاعب الذى أحرزه “ماوريسيو رودريجيز” : “بالنسبة لي سيكون هذا الهدف دائمًا مصدر فخر رياضي و لكن ما أنا متأكد منه هو أن السلطات و السياسيين استغلوا انتصارنا الرياضي لتمجيد صورة السلفادور و ان الحرب كانت ستقوم سواء كنت أحرزت ذلك الهدف أم لا كما أننا نكن الاحترام للمنتخب الهندوراسى فهم لم يكونوا أعدائنا و لكن مجرد متنافسين رياضيين “.