فى كل مكان بالعالم تتواجد القرى التى تختلف عن بعضها البعض بعاداتها و تقاليدها و أسلوب حياة سكانها و لكن قليل منهم فقط هم من يلفتون الإنتباه و يصبحون نقطة جذب سياحية و تعتبر قرية ناجورو الواقعة فى اليابان بمحافظة توكوشيما الموجودة على جزيرة شيكوكو هى واحدة من قلائل القرى الشهيرة فى العالم لأنها تتميز بإحتوائها على أكثر من 400 دمية منتشرين فى جميع شوارعها و مبانيها بعدد يفوق السكان البشريين الحاليين بها و ذلك لمحاولة إعادة إعمار القرية مرة أخرى بعد أن بدأ تعداد سكانها فى التناقص اما من خلال وفاة كبار السن أو بسبب هجرة شبابها الى المدن بحثا عن فرص عمل و هو الأمر الذى دفع إمراءة تعيش فيها على محاولة تنفيذ تلك الفكرة لملئ الفراغ الموجود فى شوارع القرية التى أصبحت تعرف بإسم إسم قرية الدمي .
و لا تختلف “قرية الدمي” عن المناطق الريفية الأخرى في “اليابان” التي تواجه مشكلة هجرة السكان بإعتبارها إشكالية كبيرة لها تأثير سلبي على كل من الاقتصاد و المجتمع و مع ذلك فإن الأمر فى تلك القرية تحديدا يبدو مختلفا بعض من الشئ حيث يظهر فى شوارعها كما و لو أن لم يغادر أحد حيث تحتوى كل دمية موجودة فى كل مكان بالقرية على روح قروي غادر سواء بالوفاة أو الهجرة حتى أن أحد المسئولين المحليين قد صرح لأحد السائحين بأن تلك الدمي قد أضيفت إلى سجلات التعداد السكاني للقرية مع وصف تفصيلي لكل دمية منهم و لذلك فيبدو بالفعل أن الدمى قد أعطت زخما و حيوية فى ذلك المكان .
و بدأت فكرة ” قرية الدمي ” عام 2001 حين عادت المقيمة السابقة بها “تسوكيمي أيانو” إلى موطنها في “ناجورو” بعد أن أمضت معظم حياتها في “أوساكا” ثالث أكبر مدينة في “اليابان” و صدمت بعد أن وجدت القرية التي كان يبلغ عدد سكانها 300 نسمة قد تضاءلت إلى 30 شخصًا فقط و شعرت بالحزن لأن العديد من السكان اما قد غادروا أو ماتوا لذلك جاء الإلهام لها لصنع دمي بالحجم الطبيعي لملئ المدينة و ذلك عن طريق الصدفة بعد أن صنعت خيال للمأتة وضعته فى حديقتها النباتية و كانت بشكل هزلي على هيئة والدها الراحل حتى أن جميع جيرانها قد اعتقدوا أن تلك الفزاعة تشبهه جدا لأنها كانت ترتدي ملابسه و سرعان ما بدأ البعض منهم فى التحدث إليها و إلقاء التحية كما أن ” تسوكيمي ” نفسها قد تولد لديها شعور بأنه كل يوم كانت تنظر اليها يخيل لها أن والدها يقف بالخارج للزراعة في وقت مبكر جدًا من الصباح .
و مع مرور الوقت بدأ سكان ” قرية الدمي ” فى الإعجاب بما تصنعه ” تسوكيمي أيانو ” من الدمي لذلك استمرت في صنعها و تعلمت المزيد من المهارات لتصميمها و تنفيذها و لمواجهة الخسارة التي عانت منها البلدة فى الأفراد قررت أن تصنع جميع الدمي على صورة القرويين المهاجرين أو المتوفين و وصل عددهم الى اكثر من 400 دمية مصنوعين من الملابس القديمة و الصحف و النسيج و القش و دائمًا ما كانت تصنع شخصيات جديدة لتحل محل الشخصيات القديمة التي تبلى نتيجة التعرض للعوامل الجوية و الزمن و تعتبر صناعة الأفواه خلال مرحلة انتاج الدمية هي أصعب مرحلة لأن الشفاه هي المفتاح لجعل العديد من التعبيرات تبدو واقعية .
و فى كل مكان تقريبا من ” قرية الدمي ” يمكنك العثور على الدمي حيث ستجد بعضهم واقفين في محطات الحافلات أو يزرعون فى الحقول أو يتسكعون فى الطرقات حتى أن البعض من السكان الحقيقين يحضرون حفل زفاف لزوج من الدمى و هم يرتدون ملابس المناسبات و رغم أن أغلب الدمي يتواجدون فى الخارج الا أنه يوجد بعض منها بداخل المباني ففى عام 2012 أغلقت المدرسة الابتدائية المحلية أبوابها لقلة عدد تلاميذها الذين أنتقلوا الى مدرسة أخرى فى بلدة مجاورة فما كان من ” تسوكيمي أيانو ” سوى ملأها بالدمي التي تشبه الأطفال و كذلك الموظفين العاملين فيها و أصبحت المدرسة التى كانت مهجورة فى السابق هي موطن للطلاب الذين ينتظرون بفارغ الصبر بدء الفصل الدراسي الجديد حتى أن بعض من الدمى الموجودة فيها قد ساهم فى صناعتها أطفال القرية بأنفسهم خلال فصل التدبير المنزلي و ألبسوها نفس الملابس التي كانوا يرتدونها في ذلك الوقت .
أقرأ أيضا : قرية الأقزام فى الصين التى فشل العلم فى الوصول إلي تفسيرها
و نظرا لأن ذلك المكان أصبح فريد من نوعه فقد أصبحت ” قرية الدمي ” منطقة جذب سياحية أكسبت المكان مزيدا من الحيوية حتى أنه يمكنك التجول فيها بشكل إفتراضى من خلال برنامج ” جوجل إيرث ” و فى بعض الأحيان قد ينزعج سكان القرية الذين يتعاملون مع الدمي كما و لو أنهم شخصيات حقيقية من الزوار القادمين لرؤية المكان لأنهم يعتقدون أنها تصرفات غريبة لذلك فينصح دائما زوار ذلك المكان بإظهار الإحترام الى قاطنيه لقضاء الجميع وقتا ممتعا فى ذلك المكان المدهش .