في أعماق جبل جليدي يقع على جزيرة فى منطقة سفالبارد الجليدية بالدائرة القطبية الشمالية الواقعة بين النرويج و القطب الشمالي يقف أحد المبانى بمفرده فى مكان مقفر يطلق عليه اسم ” قبو البذور العالمى ” و الذى يمثل أهمية حيوية لمستقبل البشرية و ضمان الأمن الغذائى العالمى نظرا الى أنه يعد بمثابة مستودع يوضع فيه أثمن شيئ لدى الانسان المتمثل فى البذور التى تستخدم فى زراعة المحاصيل الغذائية بغرض الحفاظ عليها و حمايتها من الفقد أو التلف فى بلدانها الأصليه حال تعرضها لأى أى أزمات عالميه كالحروب و الأوبئة او كوارث مثل الزلازل و البراكين الامر الذى جعل البعض يطلق على ذلك المبنى لأهميته الشديدة اسم ” قبو يوم القيامة ” .
بدأت فكرة اقامة قبو يوم القيامة عام 2003 من قبل ” كارى فاولر ” و هو عالم و ناشط فى مجال الحفاظ على البيئة و أحد المدافعين عن التنوع البيولوجي فعلى الرغم من وجود أكثر من 1700 بنك للجينات حول العالم معنيين بالحفاظ على البذور التى تستخدم فى الزراعه إلا أنها جميعًا معرضة للتدمير نتيجة أسباب عدة سواء كانت حروب أو كوارث الطبيعية أو حتى أى أعطال للمعدات التى تقوم بالحفاظ عليها الامر الذى يؤدى الى فقدان مجموعة متنوعة من بذور النباتات و بالتالى انقراضها و نتيجة لذلك الامر فقد بدأ “فاولر” في وضع تصور لوجود مرفق تخزين احتياطي يمكن فيه وضع جميع بذور العالم بأمان و اختير ذلك الموقع تحديدا لانشائه نظرا الى أنها منطقة مستقرة جيولوجيا و تعد أخر نقطة يمكن الوصول اليها عبر الطيران التجارى بالاضافة الى تمتعها برطوبة منخفضة و برودة طبيعيه و بالتالى سيتم الحفاظ على البذور مجمدة من دون الحاجة الى اى معدات اضافية للتبريد كما أنها ستكون فى منطقة مرتفعه بحيث لا يمكن وصول الفيضانات اليها و بدأ البناء بتمويل من الحكومة النرويجيه و بحلول عام 2008 أصبحت الفكرة أمرا واقعا بوجود المستودع داخل أحد الجبال بعمق 152 مترًا و كان أول استخدام فعال له فى عام 2015 حين تم سحب مجموعة من البذور لتحل محل مجموعة أخرى تالفة كانت موجودة فى بنك الجينات الواقع بالقرب من مدينة حلب السورية التي مزقتها الحرب مؤخرا .
و رغم أن قبو يوم القيامة انشئ بغرض ان يكون مصدر بذور للعالم بعد وقوع أى كارثة عالمية إلا أن ذلك ليس صحيحًا بشكل كامل حيث لا تقدم تلك البذور الى المزراعين و الفلاحين لزراعتها لأنها تعد نظرة قاصرة على أهمية ذلك المكان و لكنها تقدم الى البنوك الجينيه لتعويضها عن البذور التالفه و أيضا لخدمة العلماء و الخبراء الزراعيين الذين يشاركون في تطوير أنواع محاصيل جديدة للزراعه لتكون ذات سمات أفضل مثل مقاومة الأمراض و الآفات و الجفاف و تحمل الحرارة و ما إلى ذلك بالاضافة الى الحفاظ على البذور الخاصة بالانواع التاريخية من النباتات للاجيال القادمة حيث فقدت الولايات المتحدة بمرور الزمن ما يقدر بنحو 90 في المائة من أصناف الفاكهة والخضروات التاريخية بها .
و فى ذلك المخزن يتم وضع البذور بداخل عبوات رقيقة ثلاثية الطبقات ثم يتم غلقها وحفظها داخل صناديق توضع على أرفف داخل القبو حيث تتم مراقبة درجات الحرارة ومستويات الرطوبة عن كثب و ذلك للحفاظ على نشاط منخفض للتمثيل الغذائي في البذور مما يجعلها قابلة للحياة لفترات طويلة من الزمن اما بالنسبة للقبو فهو مصمم لاستيعاب 4.5 مليون نوع من المحاصيل و لكل صنف منه يحتوي على ما يقارب 500 بذرة و هذا يعادل 2.5 مليار بذرة كحد أقصى يمكن تخزينها , و يدار القبو من قبل مجموعة دوليه يطلق عليها اسم ” الصندوق الاتئماني العالمي لتنوع المحاصيل ” بالشراكة مع الحكومة النرويجيه تحت قواعد محددة تنص على أن ذلك المستودع لا يمتلك تلك البذور و لا يملك الحق فى التصرف فيهم بل تؤول ملكيتهم الى الدولة التى تبرعت به و هذا يعنى انها هى الوحيدة التى لها الحق فى استعادة تلك البذور و لا يسمح لأى دولة الاخرى الحصول عليها الا بعد استئذان الدولة المالكة لها حيث يحتوي المخزن حاليًا على أكثر من 930 ألف عينة محصول تم التبرع بها من قبل كل دولة في العالم تقريبًا منها أنواع غريبه أثارت دهشة و اهتمام مؤسس المستودع ” كارى فاولر ” حيث يقول انه كان يتوقع الكثير من بذور الأرز و القمح الا أنه دهش من رؤية العديد من البذور الخاصة بمحاصيل غير مألوفة له مثل “أصابع الجبن” أو “أجنحة الحمام الآسيوية” أو “البازلاء الزومبي” .