فيدل كاسترو هو زعيم شيوعي كوبي بدأ أنشطته الثورية عام 1958 بقيادته لعمليات من حروب العصابات بالمشاركة مع الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا و التي أدت فى نهاية المطاف إلي الإطاحة بالديكتاتور الموالي للأمريكيين فولجنسيو باتيستا و بصفته الزعيم الجديد لدولة كوبا قام بإحداث تغيير جذري داخل البلاد بعد أن أتبع السياسات الشيوعية و عمل علي إقامة علاقات عسكرية و إقتصادية علي نطاق واسع مع الإتحاد السوفيتي و هو ما أدى إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة بلغت ذروتها أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 و التي كانت نقطة فاصلة في تاريخ الحرب الباردة و علي الرغم من أنه في عهده تم إجراء تحسينات علي نظم الرعاية الصحية و التعليم إلا أن الكثير من الإنتقادات قد لاحقته من قبل خصومه الدوليين بزعم إستمراره فى الحفاظ علي النظام الديكتاتوري داخل البلاد و إضطهاده لأي شخص يعتقد أنه من أعداء النظام إضافة إلي مسئوليته عن إثارة الثورات الشيوعية في مناطق متفرقة من العالم و مع ذلك أدى انهيار الشيوعية في روسيا عام 1991 إلي حدوث تأثير سلبي على الإقتصاد الكوبي دفع فيدل كاسترو إلي القيام ببعض الإصلاحات لتجاوز تلك الأزمة و مع مرور الوقت و تدهور حالته الصحية سلم السلطة رسميًا إلى شقيقه راؤول كاسترو عام 2008 لكنه ظل يتمتع ببعض من النفوذ السياسي في كوبا و خارجها حتى وفاته .
حياة فيدل كاسترو المبكرة و دراسته
ولد “فيدل كاسترو روز” في 13 أغسطس عام 1926 بالقرب من “بيران” في مقاطعة أورينتي الشرقية في “كوبا” و كان ترتيبه الثالث من بين ستة أطفال بينهم شقيقيه “راؤول و رامون ” و ثلاث شقيقات ” أنجيلا و إيما و أجوستينا ” و كان والده “أنجيل” مالكًا ثريًا لمزرعة سكر و هو في الأصل من “إسبانيا” و قام بمعظم أعماله مع شركة الفاكهة المتحدة المملوكة للولايات المتحدة و التي سيطرت على الزراعة في تلك المنطقة بذلك الوقت و كانت والدته “لينا روز جونزاليس” خادمة لزوجة “أنجيل” الأولى “ماريا لويزا أرجوتا” وقت ولادة “فيدل كاسترو ” و عندما كان في الخامسة عشرة من عمره فسخ والده زواجه الأول و تزوج من والدته و في سن 17 عامًا تم الإعتراف به رسميًا من قبل والده و تغيير لقبه من “روز” إلى “كاسترو” .
و تلقى ” فيدل كاسترو ” تعليمه في مدارس داخلية خاصة و نشأ في ظروف متيسرة ماديا وسط الفقر المدقع الموجود في “كوبا” و كان مشبعًا بشعور الفخر الإسباني من معلميه و منذ سن مبكرة أظهر أنه موهوب فكريًا لكنه كان أيضًا مثيرًا للمشاكل و كان في كثير من الأحيان مهتمًا بالرياضة أكثر من الدراسة حيث لعب لفريق البيسبول بالمدرسة و لعب أيضا كرة السلة و ركض في المضمار و بعد تخرجه في أواخر عام 1945 التحق بكلية الحقوق في جامعة “هافانا” و أنغمس داخلها في مناخ القومية الكوبية و الإشتراكية و معاداة الإمبريالية و خلال تلك الفترة ركز طاقاته بشكل كبير على السياسة .
تمرداته السياسية المبكرة و إعتقالاته
بحلول عام 1947 أصبح ” فيدل كاسترو ” شغوفًا بشكل متزايد بالعدالة الإجتماعية و سافر إلى جمهورية الدومينيكان للإنضمام إلى حملة تحاول الإطاحة بديكتاتور البلاد “رافائيل تروخيو” و على الرغم من فشل الإنقلاب قبل أن يبدأ إلا أن ذلك لم يخفف من شغف كاسترو بالإصلاح حيث سافر إلى “بوغوتا” عاصمة “كولومبيا” و شارك في أعمال شغب مناهضة للحكومة هناك ثم أنضم في نفس العام إلى حزب “بارتيدو أورتودوكسو” و هو حزب سياسي مناهض للشيوعية تأسس لإصلاح الحكومة في “كوبا” و كان مؤسسه هو المرشح الرئاسي الكوبي “إدواردو تشيباس” الذي خسر إنتخابات عام 1948 لكنه ألهم ” فيدل كاسترو ” ليكون تلميذا متحمسا له حيث تعهد ” تشيباس ” بفضح فساد الحكومة و تحذير الناس من الجنرال “فولجنسيو باتيستا” الذي كان رئيس سابق و يخطط للعودة إلى السلطة و مع ذلك باءت جهوده بالفشل بعد أن رفض حلفاؤه المفترضون تقديم أدلة على إرتكاب الحكومة مخالفات و في أغسطس 1951 أطلق “تشيباس” النار على نفسه أثناء بث إذاعي.
و في هذه الأثناء تزوج ” فيدل كاسترو ” من ” ميرتا دياز بالارت ” التي كانت من عائلة سياسية ثرية في “كوبا” و كان لديهما طفل واحد اسمه “فيدل” ولد في عام 1949 و رغم أن هذا الزواج قد يسر له أسلوب حياة أكثر ثراءً و علاقات سياسية متشعبة إلا أنه طور إهتمامًا بأعمال ” كارل ماركس ” و أصبح عازمًا على الترشح لمقعد في الكونجرس الكوبي و لكن في مارس 1952 نجح إنقلاب بقيادة الجنرال “فولجنسيو باتيستا” في الإطاحة بالحكومة و تم إلغاء الإنتخابات المقبلة مما ترك ” فيدل كاسترو ” بدون منصة سياسية مشروعة مع دخل ضئيل لإعالة أسرته.
و عقب نجاح إنقلاب ” باتسيتا ” نصب نفسه ديكتاتور و عزز سلطته مع الجيش و النخبة الإقتصادية في “كوبا” و أعترفت ” الولايات المتحدة ” بحكومته و رداً على ذلك نظم ” فيدل كاسترو ” و زملاؤه أعضاء الحزب الأرثوذكسي مجموعة أطلقوا عليها اسم “الحركة” و خططوا للتمرد و في 26 يوليو عام 1953 هاجم “كاسترو” و حوالي 150 من أنصاره ثكنات مونكادا العسكرية خارج “سانتياجو دي كوبا ” في محاولة للإطاحة بباتيستا و مع ذلك فشل الهجوم و تم القبض عليه و حوكم و أدين و عوقب بالسجن لمدة 15 عامًا و كان شقيقه “راؤول” من بين المسجونين أيضًا.
فيدل كاسترو و حروب العصابات ضد باتيستا
أثناء وجود ” فيدل كاسترو ” في السجن أعاد تسمية مجموعته إلى “حركة 26 يوليو” و أستمر في تنسيق أنشطتها من خلال المراسلات ثم تم إطلاق سراحه هو و رفاقه في نهاية المطاف عام 1955 بموجب إتفاق عفو مع حكومة “باتيستا” و سافر مع أخيه “راؤول” إلى “المكسيك” حيث واصلوا التخطيط لثورتهم و هناك التقى بمنفيين كوبيين آخرين فضلاً عن المتمرد الأرجنتيني “إرنستو تشي جيفارا” الذي كان يعتقد أن محنة فقراء أميركا اللاتينية لا يمكن تصحيحها إلا من خلال ثورة عنيفة و انضم إلى مجموعته و أصبح صديقًا مهمًا له و هو ما ساعد في تشكيل معتقدات “كاسترو” السياسية.
و في 2 ديسمبر عام 1956 عاد ” فيدل كاسترو ” إلى “كوبا” على متن قارب و معه ما يزيد قليلاً عن 80 متمردًا و في وقت قصير قتلت قوات “باتيستا” و أسرت معظم هؤلاء المتمردين لكن “كاسترو و راؤول و جيفارا ” مع حفنة أخرى تمكنوا من الفرار إلى سلسلة جبال سييرا مايسترا على طول الساحل الجنوبي الشرقي للجزيرة و على مدار العامين التاليين شنت قواته المتنامية حرب عصابات ضد حكومة “باتيستا” و تم تنظيم مجموعات مقاومة في المدن و البلدات الصغيرة في جميع أنحاء “كوبا” كما كان أيضًا قادرًا على تنظيم حكومة موازية عملت علي تنفيذ بعض الإصلاحات الزراعية و السيطرة على المقاطعات ذات الإنتاج الزراعي و التصنيعي و بداية من عام 1958 شن مع قواته سلسلة من الحملات العسكرية الناجحة للإستيلاء على المناطق الرئيسية في جميع أنحاء البلاد و السيطرة عليها و بطبيعة الحال نتيجة فقدان الدعم الشعبي و الهروب الجماعي من الجيش إنهارت حكومة “باتيستا ” الذي فر في يناير عام 1959 إلى جمهورية الدومينيكان و في سن الثانية والثلاثين أنهى “فيدل كاسترو ” بنجاح حملته الثورية للسيطرة على “كوبا”.
و بعد السيطرة علي البلاد سرعان ما قام ” فيدل كاسترو ” بإنشاء حكومة مؤقتة حيث تم تعيين “مانويل أوروتيا” رئيسًا و “خوسيه ميرو كاردونا” رئيسًا للوزراء و سرعان ما أكتسبت حكومته إعتراف “الولايات المتحدة” و وصل “كاسترو” نفسه إلى العاصمة “هافانا” وسط هتاف الحشود و تولى منصب القائد الأعلى للجيش و في فبراير عام 1959 استقال “ميرو” فجأة و أدى “كاسترو” اليمين كرئيس لوزراء “كوبا” و في الوقت نفسه تمت محاكمة و إعدام المئات من أعضاء حكومة “باتيستا” .
التحول إلي الشيوعية
خلال تولي ” فيدل كاسترو ” السلطة نفذ إصلاحات بعيدة المدى من خلال تأميم المصانع و المزارع في محاولة لإنهاء الهيمنة الإقتصادية الأمريكية على الجزيرة و سرعان ما شعرت تلك الشركات بالآثار السلبية لمثل هذه التدابير و هو ما أدى إلى توتر كبير في العلاقات بين “كوبا” و “الولايات المتحدة” و خلال هذا الوقت نفى “كاسترو” مرارًا و تكرارًا كونه شيوعيًا و لكن بالنسبة للعديد من الأمريكيين كانت سياساته في السيطرة تشبه إلى حد كبير النمط السوفييتي في كل من الإقتصاد و الحكومة و في أبريل عام 1959 قام “كاسترو” و وفد مرافق له بزيارة “الولايات المتحدة” كضيوف على نادي الصحافة الوطني و أستأجر شركة علاقات عامة مشهورة للمساعدة في الترويج لجولته لكن الرئيس ” دوايت أيزنهاور ” رفض مقابلته.
و بحلول شهر مايو من ذلك العام وقع “فيدل كاسترو” على أول قانون للإصلاح الزراعي و الذي حد من حجم حيازات الأراضي و حظر ملكية العقارات الأجنبية و كان المعلن من ذلك هو تطوير فئة من المزارعين المستقلين و لكن في الواقع أدى هذا البرنامج إلى سيطرة الدولة على الأراضي حيث أصبح المزارعين مجرد موظفين حكوميين و بحلول نهاية عام 1959 أصبحت ثورة “كاسترو” متطرفة مع عمليات تطهير للقادة العسكريين و الحكوميين بما في ذلك الرئيس “أوروتيا” مع قمع أي وسيلة إعلام تنتقد سياسات “كاسترو” كما بدأت حكومته في إقامة علاقات مع “الإتحاد السوفيتي” الذي أرسل أكثر من 100 مستشار ناطق بالإسبانية للمساعدة في تنظيم لجنة الدفاع الكوبية و في فبراير عام 1960 وقعت “كوبا” إتفاقية تجارية لشراء النفط من السوفييت و أقامت علاقات دبلوماسية معهم و عندما رفضت مصافي التكرير المملوكة للولايات المتحدة في “كوبا” معالجة ذلك النفط صادرها “كاسترو” و أنتقمت منه “الولايات المتحدة” بخفض حصة كوبا من الواردات من السكر و بالتالي بداية ما أصبح علاقة خلافية استمرت لعقود من الزمن بين البلدين.
عملية خليج الخنازير و أزمة الصواريخ الكوبية
أثبت عام 1961 أنه كان محوريًا في علاقة ” فيدل كاسترو ” بالولايات المتحدة ففي 3 يناير قطع الرئيس المنتهية ولايته “أيزنهاور” العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الكوبية و في 14 أبريل أعلن “كاسترو” رسميًا أن “كوبا” دولة اشتراكية و بعد ثلاثة أيام قام حوالي 1400 من المنفيين الكوبيين بغزو كوبا في خليج الخنازير النائي في محاولة للإطاحة بنظامه إلا أن ذلك التوغل قد أنتهي بكارثة بعد أن قُتل المئات من المتمردين و أُسر أكثر من 1000 شخص و على الرغم من نفي “الولايات المتحدة” أي تورط لها في ذلك إلا أنه تم الكشف عن أن المنفيين الكوبيين قد تم تدريبهم على يد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA و تسليحهم بأسلحة أمريكية و بعد عقود من الزمن كشف أرشيف الأمن القومي أن “الولايات المتحدة” بدأت التخطيط للإطاحة بحكومة “كاسترو” في وقت مبكر من مارس 1959 و قد تم التخطيط للغزو خلال إدارة “أيزنهاور” و ورثه الرئيس ” جون كينيدي ” الذي وافق على هذا الإجراء على مضض و لكن مع عدم منح الغزاة الدعم الجوي على أمل إخفاء دور ” الولايات المتحدة ” في هذا الجهد.
و أستفاد ” فيدل كاسترو ” بدوره من الحادث لتعزيز سلطته و أجندته و في الأول من مايو أعلن عن نهاية الإنتخابات الديمقراطية في “كوبا” و ندد بالإمبريالية الأمريكية ثم في نهاية العام أعلن نفسه ماركسيًا لينينيًا و أن الحكومة الكوبية تتبنى سياسات إقتصادية و سياسية شيوعية و في 7 فبراير عام 1962 فرضت “الولايات المتحدة” حظرا اقتصاديا كاملا على كوبا و هو ما جعله يقوم بتكثيف علاقاته مع “الإتحاد السوفيتي” من خلال قبول المزيد من المساعدات الإقتصادية و العسكرية و في أكتوبر عام 1962 أدى إعتماده المتزايد على الدعم السوفييتي إلى دفع العالم إلى حافة حرب نووية على أمل ردع أي غزو أمريكي آخر لكوبا حيث تصور “فيدل كاسترو” و معه رئيس الوزراء السوفيتي ” نيكيتا خروتشوف ” أن فكرة وضع صواريخ نووية في “كوبا ” على بعد 150 كيلومتر فقط من ساحل “فلوريدا ” ستكون رد فاعلا على صواريخ “جوبيتر” الأمريكية التي تم نشرها في “تركيا” و مع ذلك اكتشفت طائرة إستطلاع أمريكية من طراز U-2 بناء تلك القواعد قبل تركيب الصواريخ و رد الرئيس “كينيدي” بالمطالبة بإزالتها و أصدر أوامر للبحرية الأمريكية بتفتيش أي سفن متجهة إلى الجزيرة.
وعلى مدى 13 يوماً من الإتصالات السرية بين “خروتشوف” و “كينيدي” و عملائهما وافق السوفييت على إزالة الصواريخ مقابل موافقة “الولايات المتحدة” العلنية على عدم غزو “كوبا” كما وافقت إدارة “كينيدي” على إزالة صواريخ جوبيتر سراً من “تركيا” و قد حفظ الزعيمان ماء وجههما و نالا بعض الإعجاب بضبط النفس و لكن من ناحية أخرى تعرض ” فيدل كاسترو ” للإهانة بعد أن استبعدته القوتان العظميان تمامًا من المفاوضات علاوة على أن “الولايات المتحدة” تمكنت من إقناع منظمة الدول الأمريكية بإنهاء العلاقات الدبلوماسية مع “كوبا” ردا على تصرفات كاسترو “المخزية” علي حد زعمهم .
كوبا تحت حكم فيدل كاسترو
في عام 1965 قام ” فيدل كاسترو ” بدمج الحزب الشيوعي الكوبي مع منظماته الثورية و نصب نفسه رئيسًا للحزب و في غضون سنوات قليلة بدأ حملة لدعم الكفاح المسلح ضد الإمبريالية في بلدان أمريكا اللاتينية و أفريقيا و في يناير عام 1966 أسس منظمة التضامن مع شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية لتعزيز الثورة و الشيوعية في ثلاث قارات و في عام 1967 قام أيضًا بتشكيل منظمة التضامن لأمريكا اللاتينية لتعزيز الثورة في بلدان مختارة بأمريكا اللاتينية و خلال السبعينيات واصل ” فيدل كاسترو ” الترويج لنفسه بإعتباره المتحدث الرسمي الرئيسي لدول العالم الثالث من خلال تقديم الدعم العسكري للقوات الموالية للسوفييت في “أنجولا” و “إثيوبيا” و “اليمن” على الرغم من أن “كوبا” كانت لا تزال مدعومة بشكل كبير من قبل الحكومة السوفيتية خلال هذه الفترة إلا أن تلك الحملات أثبتت في النهاية عدم نجاحها و وضعت ضغطًا على الإقتصاد الكوبي.
و رغم موافقة ” الولايات المتحدة ” على عدم غزو ” كوبا ” إلا أن ذلك لم يمنعها من محاولة الإطاحة بنظام ” فيدل كاسترو ” بطرق أخرى فعلى مر السنين كان هدفا للعديد من محاولات إغتيال كانت تتم تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية (ما يقدر بنحو 638 في المجموع وفقا للمخابرات الكوبية) بدءا من تلغيم السيجار الذي يشربه إلى بدلة غوص ملوثة بالفطريات إلى إطلاق النار على غرار المافيا و هو ما جعله يشعر بسعادة غامرة بحقيقة أن أياً من تلك المحاولات لم تنجح على الإطلاق و نُقل عنه قوله أنه لو كانت فكرة تجنب محاولات الاغتيال تعتبر رياضة أولمبية لكان قد فاز بميداليات ذهبية.
و خلال فترة حكم ” فيدل كاسترو ” قام بإفتتاح 10000 مدرسة جديدة و حدوث زيادة في نسبة معرفة القراءة و الكتابة إلى 98 بالمائة كما تمتع الكوبيون بنظام رعاية صحي شامل أدى إلى خفض معدل وفيات الرضع إلى 11 حالة وفاة لكل 1000 (1.1 بالمائة) و لكن في المقابل تم تقليص الحريات المدنية حيث فقدت النقابات العمالية حقها في الإضراب و تم إغلاق الصحف المستقلة و مضايقة المؤسسات الدينية و أزال المعارضة لحكمه من خلال عمليات الإعدام و السجن و كذلك من خلال الهجرة القسرية و على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة فإن أرشيف “كوبا” يقدر أن عشرات الآلاف قد قتلوا منهم 5600 شخص موثقين على يد فرق الإعدام وحدها كما قُتل المزيد من الكوبيين على يد القوات الحكومية عندما حاولوا الفرار من البلاد و هو ما حدث خلال مذبحة نهر كانيمار عام 1980 و مذبحة زورق القطر عام 1994 أما من نجح في الفرار فتقدر أعدادهم بمئات الألاف و الذين أستقر العديد منهم عبر مضيق فلوريدا في “ميامي” و كانت أكبر هذه النزوحات الجماعية عام 1980 عندما فتح “كاسترو” ميناء “مارييل” للسماح للكوبيين المنفيين الذين يعيشون في “ميامي” بالمجيء للمطالبة بأقاربهم و عند وصولهم قام “كاسترو” أيضًا بتحميل السفن بنزلاء السجون الكوبية و المرضى العقليين و في المجمل غادر ما يقرب من 120 ألف كوبي وطنهم بحثًا عن ملاذ آمن في ” الولايات المتحدة” .
إنهيار الإتحاد السوفيتي
بعد أن أدى إنهيار “الاتحاد السوفييتي” عام 1991 إلى إنهيار الاقتصاد الكوبي بدأت ثورة ” فيدل كاسترو ” تفقد زخمها لأنه بدون واردات النفط الرخيصة و السوق السوفييتية المتلهفة للسكر الكوبي و السلع الأخرى إرتفعت معدلات البطالة و التضخم في البلاد و هو ما أدى لحدوث إنكماش في الاقتصاد الكوبي أدي إلى اختفاء 85% من أسواقه و مع ذلك كان ” فيدل كاسترو ” ماهرًا جدًا في الحفاظ على سيطرته خلال الأوقات الاقتصادية العصيبة حيث ضغط على ” الولايات المتحدة ” لمحاولة رفع الحظر الاقتصادي لكنها رفضت و هو ما دفعه لتبنى فكرة إقتصاد السوق شبه الحر و شجع الإستثمار الدولي كما قام بتشريع الدولار الأمريكي و شجع السياحة المحدودة و في عام 1996 زار ” الولايات المتحدة ” لدعوة المنفيين الكوبيين الذين يعيشون هناك للعودة إلى ” كوبا ” لبدء الأعمال التجارية.
و في عام 2001 بعد الأضرار الجسيمة التي سببها إعصار ميشيل رفض ” فيدل كاسترو ” المساعدات الإنسانية الأمريكية لكنه أقترح شراء المواد الغذائية نقدًا لمرة واحدة من ” الولايات المتحدة ” و وافقت إدارة الرئيس “جورج دبليو بوش” على الشحنة و أذنت بها و مع إنخفاض إمدادات الوقود بشكل خطير أمر “كاسترو” بإغلاق 118 مصنعًا و أرسل آلاف الأطباء الكوبيين إلى “فنزويلا” مقابل واردات النفط.
تحويل سلطة فيدل كاسترو إلي أخيه راؤول
بحلول أواخر التسعينيات بدأت التكهنات في الظهور حول صحة ” فيدل كاسترو ” حيث تم الإبلاغ عن العديد من المشاكل الصحية التي ألمت به على مر السنين و كان أهمها ما حدث في عام 2006 عندما خضع لعملية جراحية بسبب نزيف في الجهاز الهضمي و بإعلان مثير في 31 يوليو عام 2006 عين شقيقه “راؤول” و الذي كان بمثابة الرجل الثاني في البلاد زعيماً مؤقتاً و ذلك بعد أن تم اختياره رسميًا ليكون خلفًا له في عام 1997 بعد الجراحة التي أجراها كاسترو حيث كان ظهوره الوحيد في الصور و تسجيلات الفيديو للإجتماعات و في 19 فبراير عام 2008 تخلى “كاسترو” البالغ من العمر 81 عامًا نهائيًا عن رئاسة “كوبا” بسبب تدهور حالته البدنية و سلم السلطة لراؤول الذي كان عمره آنذاك 76 عاما و أنتخبت الجمعية الوطنية الكوبية “راؤول” رسميًا رئيسًا لكوبا في نفس الشهر على الرغم من أن “كاسترو” ظل السكرتير الأول للحزب الشيوعي.
و في أبريل عام 2011 ظهرت أنباء عن تنحي ” فيدل كاسترو ” رسميًا عن دوره داخل الحزب الشيوعي الكوبي و فاز ” راؤول ” بسهولة في الانتخابات بصفته السكرتير الأول الجديد للحزب و تولى منصب أخيه و أختار الثوري الشهير “خوسيه رامون ماتشادو فينتورا” ليكون الرجل الثاني في قيادة الحزب و بعد تقاعده بدأ “كاسترو” في كتابة عمود عن تجاربه و آرائه بعنوان “تأملات فيدل” و في عام 2007 نُشرت سيرته الذاتية “حياتي” ومع ذلك من منتصف نوفمبر و حتي أوائل يناير عام 2012 لم يعد ينشر له أي أعمدة و أثار هذا الصمت المفاجئ شائعات بأن “كاسترو” قد اتخذ منعطفاً صحيا نحو الأسوأ و لكن سرعان ما ثبت أن هذه القصص لا أساس لها من الصحة حيث نشر سلسلة من المقالات في وقت لاحق من شهر يناير من ذلك العام.
سنواته الأخيرة و وفاته
و على الرغم من عدم مشاركته في الشؤون اليومية لإدارة “كوبا” إلا أن ” فيدل كاسترو ” كان لا يزال يحتفظ بدرجة معينة من النفوذ السياسي في الداخل و الخارج حيث كان يواصل لقاءاته مع الزعماء الأجانب مثل الرئيس الإيراني “محمود أحمدي نجاد” في عام 2012 خلال زياراته لكوبا و رتب البابا “بنديكتوس” لقاء خاصا معه في نهاية رحلته في مارس 2012 سعيا للحصول على قدر أكبر من الحرية الدينية للكاثوليك الذين يعيشون في الدولة الشيوعية و في سبتمبر عام 2015 التقى البابا “فرانسيس” على إنفراد و عندما أصبح “باراك أوباما” أول رئيس أمريكي في منصبه يزور “كوبا” منذ ما يقرب من 90 عامًا لم يلتق بكاسترو الذي ندد لاحقًا بتلك الزيارة في عموده مشيرًا إلى عدم الثقة في دوافع ” الولايات المتحدة ” و كتب: “لسنا بحاجة إلى الإمبراطورية لتهدينا أي شيء.” .
و في يوم 25 نوفمبر عام 2016 توفي ” فيدل كاسترو ” عن عمر يناهز 90 عامًا و أعلن شقيقه و خليفته “راؤول” الخبر على التلفزيون الحكومي الكوبي و عقب وفاته أعلنت “كوبا” الحداد لمدة تسعة أيام و أصطف آلاف الكوبيين لتكريم زعيمهم في نصب تذكاري أقيم في ساحة الثورة في العاصمة “هافانا” حيث ألقى العديد من الخطب طوال فترة حكمه و في 29 نوفمبر قاد ” راؤول ” مسيرة حاشدة حضرها زعماء الدول الحليفة بما في ذلك “نيكولاس مادورو” من ” فنزويلا ” و ” إيفو موراليس ” من ” بوليفيا ” و ” جاكوب زوما ” من ” جنوب أفريقيا ” و “روبرت موجابي ” من “زيمبابوي ” و هتف عشرات الآلاف من الكوبيين الذين حضروا المسيرة “يو سوي فيدل” (أنا فيدل) و”فيفا فيدل!” (يحيا فيدل).
مقتطفات من حياة فيدل كاسترو
- على الرغم من عدم وجود إحصاء رسمي و لكن يُعتقد أن ” فيدل كاسترو ” أنجب تسعة أطفال على الأقل حيث أنجب من زوجته الأولى “مارتينا” إبنًا فيدل (“فيديليتو”)، الذي ورد أنه انتحر في فبراير 2018 بعد معركة مع الإكتئاب و أنجب من زوجته الثانية “داليا سوتا ديل فالي” خمسة أبناء آخرين كما أن لديه ثلاثة أطفال آخرين (بنتان و إبن واحد) من ثلاث نساء منفصلات.
- كان ” فيدل كاسترو ” معتادا علي تدخين السيجار لكنه أقلع عنه عام 1985 و بعد سنوات لخص ضرر تدخين التبغ بقوله: «أفضل شيء يمكنك فعله بعلبة السيجار هذه هو أن تعطيها لعدوك».
- قاد ” فيدل كاسترو ” “كوبا ” لمدة خمسة عقود و يعد بذلك ثالث أطول حاكم لدولة في العالم بعد “الملكة إليزابيث” ملكة بريطانيا و ملك تايلاند.
- يحمل ” فيدل كاسترو ” الرقم القياسي لأطول خطاب ألقاه على الإطلاق أمام الأمم المتحدة و كان زمنه 4 ساعات و 29 دقيقة في يوم 26 سبتمبر عام 1960 كما أستمر أحد أطول خطاباته المسجلة لمدة 7 ساعات و 30 دقيقة في 24 فبراير عام 1998 بعد أن أعادت الجمعية الوطنية إنتخابه رئيسًا لولاية جديدة مدتها خمس سنوات.
- على الرغم من المؤامرات الأمريكية ضده إلا أنه فى عهده تغير تسعة رؤساء أمريكيين بداية من “دوايت أيزنهاور” إلى “بيل كلينتون ” و تنحى بينما كان “جورج دبليو بوش” في منصبه.