في الخامس من سبتمبر عام 1977 أُطلق المسبار فويجير 1 إلي الفضاء بعد أسبوعين من إطلاق توأمه فوييجر 2 و كانت مهمتهم هي القيام بجولة إستكشافية في كوكب المشتري و زحل و أورانوس و نبتون و خلال تصنيعه تم تجهيز فويجير 1 بأخر ما وصل إليه العلم الحديث في ذلك الوقت من كاميرات للتصوير و أدوات علمية تستخدم لجمع البيانات عن الكواكب و نقلها إلي كوكب الأرض التي تبعد عن تلك الأماكن مليارات الكيلومترات و عقب إطلاقه دخل العالم في عصر جديد لإستكشاف الفضاء بعد أن إزدادت طموحات البشر و فضولهم نحو معرفة المزيد عن الكواكب الموجودة معنا في المجموعة الشمسية و ما بعدها .
و بمجرد وصول المسبار فويجير 1 بالقرب من كوكب المشتري و أقماره بدأت الصور الأولي عنهم فى الوصول إلي الأرض حيث شهد علمائها أول بركان نشط تم رصده خارج كوكبنا و الذي كان علي القمر آيو التابع للمشتري كما حلق حول ” زحل ” و أرسل بيانات مهمة عن ذلك الكوكب بما في ذلك التركيبة الجوية لقمره ” تيتان ” و أدت هذه الإكتشافات المهمة إلي فهم أكبر لنظامنا الشمسي و المساهمة بشكل كبير في الجهود المستقبلية لإستكشاف الكواكب الخارجية كما كانت بيانات فويجير 1 لا تقدر بثمن في إنشاء مجسات مسابير كاساني و نيو هورايزنز و جونو .
و في 14 فبراير عام 1990 إلتقطت فويجير 1 أول صورة لجميع كواكب نظامنا الشمسي كما إلتقط صورة “النقطة الزرقاء الشاحبة” و التي كانت للأرض و إستخدمها العالم الأمريكي ” كارل ساجان ” لتوضيح وجهة نظره عن الإنسانية في المسلسل الوثائقي “كوزموس” و لكن ربما كان أهم إنجاز للمسبار فويجير 1 هي المعلومات التي قدمها منذ مغادرته للنظام الشمسي ففي 25 أغسطس عام 2012 إنطلق المسبار خارج الغلاف الشمسي ( منطقة تشبه الفقاعة في الفضاء و تهيمن عليها الشمس ) إلي الفضاء بين النجوم خارج المجموعة الشمسية و على الرغم من أنه من المحتمل ألا يكون أول جسم من صنع الإنسان يفعل ذلك حيث كان من المتوقع أن يكون المسباران الفضائيان بايونير 10 و 11 قد غادرا النظام الشمسي بالفعل في أوائل السبعينيات إلا أنه كان أول جسم يفعل ذلك بينما لا يزال على إتصال بكوكب الأرض .
و يوضح العالم ” إد ستون ” أحد المشرفين علي مشروع فويجير 1 داخل وكالة ناسا بأن ما في داخل الغلاف الشمسي هي الرياح و المجال المغناطيسي القادمين من الشمس بينما الرياح في خارج ذلك الغلاف تأتي من إنفجارات حدثت علي مدار ملايين السنيين من المستعرات الأعظم أما المجال المغناطيسي فهو يأتي من مجرة درب التبانة نفسها و قد أرسل مسبار فويجير 1 بالفعل معلومات تصف كيفية تفاعل هذه الرياح الشمسية و بين النجوم و هي معرفة قد تكون جزءًا لا يتجزأ من تصميم مركبة فضائية تنحصر مهمتها علي السفر بين النجوم و الآن بعد أن سافرت إلى ما هو أبعد من أي جسم آخر من صنع الإنسان قبلها يشق المسبار فويجير 1 طريقًا جديدًا عبر الكون لزيادة مدارك الإنسان عنه .
و علي متن مسبار فويجير 1 يوجد أحد “السجلات الذهبية” و هي أقراص صوتية و مرئية مطلية بالذهب أنشأتها وكالة ناسا ككبسولة زمنية للبشرية مصممة لشرح وجودنا للمخلوقات البعيدة و فيها تم ترميز مشاهد و أصوات الأرض علي تلك الأقراص بما في ذلك صور الأشخاص الذين يقومون بمهام يومية و تسجيلات للموسيقى التقليدية و الكلاسيكية و الحديثة كما يحتوي أيضًا على تسجيل مدته ساعة واحدة للموجات الدماغية لآن درويان المديرة الإبداعية لمشروع السجلات الذهبية أما السجل الذهبي الآخر فقد ألحق بمسبار فويجير 2 الذي إتخذ منعطفا لزيارة ” أورانوس ” و ” نبتون ” قبل أن يتجه في مساره خارج النظام الشمسي هو الأخر .
أقرأ أيضا : الفندق الفضائي و بداية مرحلة التفكير فى الفضاء كوجهة سياحية
و الآن بعد مرور عقود لا يزال فويجير 1 مستمر في رحلته المنفردة في أعماق الفضاء بين النجوم تاركا وراءه النظام الشمسي حيث تم إنشاؤه و حاليا يواصل البحث في الظلام و يكشف أسرار هذا العالم المجهول عنا و من المتوقع أنه في السنوات المقبلة سيتدهور ببطء قدرته على مراقبة العالم الخارجي و نقله إلي الأرض و ذلك بسبب محدودية الطاقة و ستبدأ الأجهزة العلمية الموجودة على متنه في التوقف عن العمل تباعا و بحلول عام 2030 لن يتمكن فويجير 1 من تشغيل أي من أدواته العلمية و لكن حتى ذلك التاريخ سيستمر المسبار في إرسال بيانات جديدة و مهمة و مثيرة للاهتمام و التي من المرجح أن تساعد في إنشاء مسبار أكثر متانة يعمل بين النجوم و سيسهم في دفع مسيرة المعرفة العلمية إلى الأمام .