فضيحة ووترجيت هى فضيحة سياسية كبرى حدثت في الولايات المتحدة فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى و أتهمت فيها إدارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون بالتنصت على معارضيها السياسين و استغلال الوكالات الأمنية كأسلحة ضدهم و التستر على المشاركة فى اقتحام مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية في العاصمة واشنطن داخل مبنى مكاتب ووترجيت من قبل خمسة أفراد الذين تم اعتقالهم حيث قامت الصحافة و وزارة العدل الأمريكية بالتحقيق حول ذلك الأمر لتجد علاقة تربط بين المقتحمين و بعض من أفراد الإدارة الأمريكية و هو الأمر الذى كثف من التحقيقات لتتكشف أدلة جديدة عقد على إثرها جلسات إستماع داخل الكونجرس الامريكى و التى فيها أقر شهود عيان بأن الرئيس نيكسون وافق على خطط للتستر على تورط ادارته في عملية الاقتحام اضافة الى محاولته عرقلة سير التحقيقات بعدم التعاون معها و انتهت الجلسات بتوجية لوائح اتهام شملت 69 شخصا أدين منهم 48 من كبار مسئولى ادارة نيكسون و تم البدء فى اتخاذ اجرائات نحو عزله الا أنه و بقرار استباقى تقدم بإستقالته ليتولى نائبه جيرالد فورد مقاليد السلطة و يصدر قرار بالعفو عنه و تصبح بعدها فضيحة ووترجيت معيارا تاريخيا لأى فضيحة سياسية لاحقة .
بدأت أحداث فضيحة ووترجيت في وقت مبكر من يوم 17 من يونيو عام 1972 حين ألقت الشرطة القبض على خمسة لصوص في مكتب اللجنة الوطنية الديموقراطية في مجمع ووترجيت و هم يتنصتون على الهواتف و يسرقون الوثائق بعد بلاغ من أحد حراس العقار الذى أشتبه بحدوث نشاط مريب داخل تلك المكاتب و كان أربعة منهم عملاء سابقين في وكالة المخابرات المركزية (CIA) اما الخامس فكان “جيمس ماكورد جونيور ” رئيس الأمن للجنة إعادة انتخاب الرئيس ” ريتشارد نيكسون ” و تم الإبلاغ عن خبر الاعتقال الى صحيفة “واشنطن بوست” و التى نشرت صباح اليوم التالي تفاصيله فى مقال كتبه الصحفيين “ألفريد لويس و كارل بيرنشتاين و بوب وودوارد ” و بعد فترة وجيزة حدد “وودوارد و برنشتاين “و محققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) هوية اثنين من المتآمرين في عملية السطو و الذين كانوا “إي هوارد هانت جونيور” و كان ضابط سابق رفيع المستوى في وكالة المخابرات المركزية تم تعيينه مؤخرًا كموظف فى البيت الأبيض و “جوردون ليدي ” عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي .
و نتيجة ارتباط بعض من المقتحمين بالبيت الأبيض و مسئولين بالادارة الامريكية و الوكالات الأمنية صرح المتحدث الرئاسي “رون زيجلر” بأن الرئيس لن يعلق على محاولة سطو من الدرجة الثالثة فى الوقت الذى زعمت فيه تقارير إعلامية مبكرة مدفوعة بحملة علاقات عامة ناجحة في البيت الأبيض أنه لا يوجد أى علاقة بين ادارة “نيكسون”و المقبوض عليهم و في 23 من يونيو عام 1972 أمر الرئيس مكتب التحقيقات الفدرالي بتخفيض مستوى تحقيقاته و توجيه وكالة المخابرات المركزية الامريكية الى محاولة عرقلة تلك التحقيقات و هو الامر الذى تم الكشف عنه لاحقا و أصبح الدليل الذي يثبت أن الرئيس كان جزءًا من عملية تستر إجرامي منذ البداية و طوال تلك الفترة تلقى الصحفيين “وودوارد و برنشتاين ” تسريبات من مصدر مجهول أشاروا إليه باسم “ديب ثرووت ” والذي عرفت هويته بعد حوالي 30 عامًا بأنه نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “دبليو مارك فيلت” حيث أحتوت تلك التسريبات على أدلة توضح المشاركة المباشرة لمقربين من “نيكسون” في أنشطة اقتحام ووترجيت بالاضافة الى أن تمويل تلك العملية قد تم من خلال مساهمات غير قانونية ليصدر مقال ضخم في 10 من أكتوبر في الصفحة الأولى للواشنطن بوست تقول صراحة أن حادثة التنصت في ووترجيت نشأت عن حملة ضخمة من التجسس السياسي و التخريب و بتوجيه من مسؤولين بالبيت الأبيض .
و رغم تلك الإتهامات الا أن البيت الأبيض قد نجح في تسفيه تقارير “وودوارد وبرنشتاين” باعتبارها هوس من صحيفة ليبرالية تسعى للانتقام من رئيس الولايات المتحدة قبل فترة وجيزة من الانتخابات حيث تزامن ذلك مع تقرير تلفزيونى مطول على جزأين أعدته شبكة “سي بي إس نيوز” يلخص العلاقة بين فضيحة ووترجيت و البيت الأبيض و بعد بث الجزء الأول في 27 من أكتوبر تلقى معد التقرير تهديدات و تم اقتطاع الجزء الثاني و على الجانب الأخر بدأت الصحف المتعاطفة مع “نيكسون” فى الدفاع عنه و في استطلاع “جالوب” عشية الانتخابات قال المشاركون بأغلبية ساحقة إنهم يثقون في “نيكسون” أكثر من المرشح الديمقراطي “ماكجفرن” و بالفعل أعيد انتخابه بأغلبية ساحقة تاريخية و شرع في ما بدا أنه فترة ولاية ثانية .
محاكمة ووترجيت وما بعدها
و قبل أقل من أسبوعين لتنصيب “نيكسون” لولاية ثانية بدأت محاكمة المقتحمين الخمسة و اثنين من شركائهم في محكمة فيدرالية حيث كانت لائحة الاتهام صغيرة نسبيا و متعلقة بتهم السطو و التآمر و انتهاك قوانين التنصت الفيدرالية و بدا من الواضح نجاح البيت الأبيض في احتواء الفضيحة و مع ذلك استمر القاضي الذي كان يرأس الجلسة “جون سيريكا” في إثارة غضب المتهمين و الشهود بشأن مسائل لم يتم تناولها في لائحة الاتهام و المتعلقة بالتورط المالي و المؤسسي للبيت الأبيض و حملة إعادة الانتخاب .
و أقر جميع المتهمين بالذنب باستثناء “ليدي و ماكورد ” اللذان أدينا في نهاية يناير عام 1973 و كان من المقرر أن تجتمع المحكمة مرة أخرى في 23 من مارس للاستماع إلى الأحكام و في غضون ذلك صوت مجلس الشيوخ لإنشاء لجنة تحقيق خاصة بشأن الانتهاكات في الحملة الرئاسية لعام 1972 على أن يرأسها السيناتور الديمقراطي “صامويل إرفين ” و في خلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ زُعم أن مساعدًا قانونيًا غير معروف في البيت الأبيض يُدعى “جون ويسلي دين” قد مُنح حق الوصول الشخصي إلى ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن “ووترجيت” حيث تبع ذلك الكشف على الفور رفض من الرئيس السماح لمساعديه بالإدلاء بشهادتهم أمام الكونجرس و رد “إرفين” بأنه إذا ضغط الرئيس على القضية فإنه سيصدر أوامر اعتقال لإجبار مساعدي “نيكسون” على الإدلاء بشهاداتهم .
و في غضون ذلك سعى القاضى ” جون سيريكا ” بشكل مثير للجدل الاستفادة من جلسات الاستماع تلك و حث المتهمين على التحدث بصراحة أكبر عن مؤامرة أوسع و نجح فى مسعاه عندما سلمه المتهم “ماكورد” خطاب استثنائي أوضح فيه أن المتهمين قد تعرضوا لضغوط للاعتراف بالذنب و الحنث باليمين بشأن تورط كبار المسؤولين و في 23 من مارس قرأ “سيريكا” الرسالة في جلسة علنية ثم اتخذ الخطوة المثيرة للجدل بإصدار أحكام مؤقتة طويلة بشكل استثنائي على الجناة و مع ذلك أوضح أنه إذا تحدث المتهمين بصراحة إلى هيئة محلفي “ووترجيت” أو جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ فسوف يخفف أحكامهم و بمفرده تقريبًا و بشجاعة كبيرة تحسب له قام بفتح القضية على مصراعيها و بدأت الصحافة فى العمل عليها .
و في منتصف أبريل و بعد مواجهة كبار مساعدي “نيكسون” بلائحة اتهام أعلن الرئيس بقلق أن تحقيقاته الخاصة قد حددت أنه لا يوجد أي شخص في هذه الإدارة و يعمل حاليًا متورطا في هذا الحادث الغريب جدًا و بعد يومين قال المتحدث الرئاسي “زيجلر” للصحافة إن جميع تصريحات البيت الأبيض السابقة حول “ووترجيت” أصبحت الآن غير فعالة و بعد أسبوعين و في 30 من أبريل عام 1973 ألقى “نيكسون” خطابًا متلفزًا كبيرًا أعلن فيه استقالة “جون ويسلي دين” أقرب مساعديه و وعد بالتعاون مع التحقيقات المستقبلية .
جلسات استماع ايرفين
بحلول الوقت الذي بدأت فيه جلسات الاستماع في لجنة “إرفين” قد تم تحديد مضمون جديد للحياة السياسية الأمريكية من خلال اكتشافات لافتة للنظر عن فساد لم يحلم به في قلب القوة الأمريكية حيث تكونت تلك اللجنة برئاسة أربعة نواب ديمقراطيين بقيادة الرئيس “إرفين” الذي أصبح بطلاً شعبيًا (و للبعض شيطان شعبي) و ثلاثة نواب جمهوريين و كانت الجلسات تبث تلفزيونيا و استحوذت على نسبة مشاهدات مرتفعة فى المنازل و تجمع طلاب الجامعات حول أجهزة التلفزيون في الممرات بين الفصول الدراسية و أحيانًا أثناءها لدرجة أن شخص أرسل الى الواشنطن بوست قائلا لها أنه لم يستمتع أبدًا بمشاهدة التلفاز أكثر من الأسبوعين الماضيين حيث شاهد أفضل مثال ممكن للعملية الديمقراطية بدون بروفة و لا ضحك معلب و الأفضل من ذلك كله بدون مقاطعة اعلانية تقريبًا و على الجانب الأخر كان هناك بعض من المعارضين لتلك الجلسات منهم سياسيين و الذين اعتبروا تلك الجلسات بمثابة محاكمة ظالمة لمسئولين فى الدولة بينما الأخرين كانوا مواطنين عاديين لم يخفوا ضجرهم من عرض تلك الجلسات فى اوقات عرض مبارياتهم أو اعمالهم الدرامية المفضلة .
و فى 25 من يونيو عام 1973 و في بيان استمر سبع ساعات تقريبًا أمام لجنة “إرفين” و شاهده جزء كبير من جمهور التلفزيون الأمريكي تلاه خمسة أيام من الاستجواب المكثف أقر المساعد “جون ويسلي دين” أن الرئيس ” نيكسون ” هو المحرك الرئيسي وراء فضيحة ووترجيت و التستر عليها و مع ذلك قوبل الاعتراف بالتشكيك من قبل الكثيرين و بدا أن تلك الجلسات سوف تنتقل إلى طريق مسدود و هى كلمة الرئيس ضد أحد مساعديه و بعدها تم التوصل الى أن الأدلة موجودة على تسجيلات صوتية فى البيت الأبيض و طلبت لجنة “إرفين ” على الفور شرائط عدة للمحادثات الرئاسية الا أن ” نيسكون ” قد رفض منحهم إياها على أساس الامتياز التنفيذي له و خطورة تلك المكالمات على الأمن القومي و عندما أمر القاضي “سيريكا” الرئيس بتسليم الأشرطة و أيدت محكمة الاستئناف الأمريكية هذا الأمر في أكتوبر عرض “نيكسون” بدلاً من ذلك تقديم ملخصات مكتوبة للأشرطة المعنية مقابل اتفاق بعدم السعي للحصول على وثائق رئاسية أخرى الا أن ذلك الاقتراح قد تم رفضه و في 20 من أكتوبر أمر الرئيس المدعي العام “إليوت ريتشاردسون” بإقالة المدعي العام بتلك القضية في حدث أصبح معروفًا باسم “مذبحة ليلة السبت” الا أن المدعى العام و نائبه رفضا تنفيذ الأمر و قدما استقالتهم و رغم ذلك تم بالفعل فصل المدعى العام فى تلك القضية من قبل المحامي العام المطيع “روبرت بورك” .
و نظرا لحدوث عاصفة من الضغوط و الاحتجاجات وافق الرئيس ” نيكسون ” أخيرًا في 23 من أكتوبر على إطلاق الأشرطة التسعة التي طلبها القاضى “سيريكا” و لكن من بين الأشرطة التسعة المحددة تم تسليم سبعة منها فقط و احتوت أحد الأشرطة السبعة على فجوة قدرها 18 دقيقة و نصف وفقًا لتقرير لاحق أعدته لجنة من الخبراء و هو الأمر الذى زاد من الشكوك التى دفعت إلى بدء تحقيق رسمي للمساءلة من قبل اللجنة القضائية في مجلس النواب في مايو عام 1974 و في 20 من مايو أمر القاضي “سيريكا” الرئيس بتسليم شرائط إضافية و في 24 من يوليو قضت المحكمة العليا بالإجماع بوجوب تقديم “نيكسون” لتلك التسجيلات و خلال الفترة ما بين 27 و 30 من يوليو أقرت اللجنة القضائية في مجلس النواب ثلاث مواد من إجراءات إقالة الرئيس و في 5 من أغسطس قدم الرئيس نسخًا من ثلاثة شرائط تشير بوضوح إلى تورطه على ذلك التستر و مع هذه الاكتشافات تبخر آخر دعم لنيكسون في الكونجرس و أعلن استقالته في 8 من أغسطس عام 1974 مشيراً إلى أنه لم يعد لديه قاعدة سياسية قوية بما يكفي ليحكم بها و غادر “نيكسون” منصبه ظهر اليوم التالي 9 أغسطس و تسلم مقاليد السلطة نائبه ” جيرالد فورد ” .
العفو و تداعياته
في 8 من سبتمبر عام 1974 و بعد استقالة ” نيكسون ” قرر الرئيس الجديد “جيرالد فورد ” منح “نيكسون” عفواً كاملاً و غير مشروط عن أي جرائم قد يكون ارتكبها عندما كان رئيساً حيث كان الكثير من الامريكيين فى ذلك الوقت مقتنعين أنه كان مذنباً و أن “فورد” قد عفا عنه كمقابل لأنه أصبح رئيساً و عليه فقد انهارت شعبيته بين عشية و ضحاها و حدث فقدان ثقة كبير بينه و بين شعبه و بعد 27 شهرًا من فضيحة ووترجيت أقتيد مجموعة من أقرب مساعدي “نيكسون” إلى السجن في النهاية و خلال الفترة المتبقية من العقد كانت الثقافة الشعبية و السياسية على حد سواء مليئة بخيبة الأمل فى ذلك المنصب و التى كسرها الرئيس الجديد ” رونالد ريجان ” بقدرته الخطابية حيث تمكن من كسر سحابة الكآبة التي ألقتها تلك الفضيحه التى استمر ارثها في ملاحقة السياسة الأمريكية لدرجة أنه أصبح استخدامها أمر شائع كمعيار لدى الصحافة فى الولايات المتحدة عند التعامل مع الفضائح السياسية اللاحقة و بعد وفاة ” نيكسون ” أنفقت عائلته مبلغًا كبيرًا من المال على حملة قانونية لمنع الإفراج عن شرائطه بالكامل الا أن ذلك المسعى قد فشل فى النهاية و أصبح السجل المسجل بالكامل للبيت الأبيض الخاص بالرئيس “نيكسون” متاحًا للجمهور الذى أكتشف أن “نيكسون” أمر بإلقاء قنابل حارقة على معهد “بروكينجز” الفكري بواشنطن العاصمة (لم يتم تنفيذه مطلقًا) في محاولة منه لإزالة السجلات التي تشير إلى أنه تآمر لتخريب سلام “باريس” عام 1968 .