غزو خليج الخنازير هو محاولة إجتياح فاشلة قامت بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA أثناء إدارة الرئيس جون كينيدي عام 1961 في محاولة للإطاحة بالزعيم الكوبي ذات التوجهات الشيوعية فيدل كاسترو عن السلطة و ذلك بعد سلسلة من المحاولات السابقة و الفاشلة أيضا بداية من عام 1959 حيث قامت الوكالة بالإشراف علي تنفيذ غزو و إنزال واسع النطاق علي سواحل دولة كوبا من قبل 1400 معارض كوبي كانوا قد فروا من منازلهم إلي الولايات المتحدة عقب تولي كاسترو حكم البلاد و قامت السلطات الأمريكية بتدريبهم و تسليحهم و إرجاعهم مجددا لتنفيذ ذلك المخطط إلا أنه كان غزو محكومًا عليه بالفشل لأسباب متعددة أبرزها أن عدد الغزاة كان أقل بكثير من قوات كاسترو علي الأرض و هو ما أدي إلي إستسلامهم بعد أقل من 24 ساعة من القتال إضافة إلي أن الحاضنة الشعبية داخل البلاد كانت ملتفة حول ذلك النظام الوليد و تكن مشاعر عدائية للأمريكيين .
بدأت قصة غزو خليج الخنازير قبل عامين و تحديدا في الأول من يناير عام 1959 حين قاد قومي كوبي شاب يدعى ” فيدل كاسترو ” جيشه المتمرد إلى داخل العاصمة “هافانا” و تمكن من الإطاحة برئيس البلاد ” فولجنسيو باتيستا ” المدعوم من ” الولايات المتحدة ” و رغم ترحيب الشعب الكوبي بتلك الحركة في الجزيرة التي تبعد حوالي 150 كيلومتر عن سواحل ” فلوريدا ” إلا أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يشعرون بالتوتر و القلق فرغم أن ” باتيستا ” كان ديكتاتورًا فاسدًا و قمعيًا لكنه كان يُعتبر مؤيدًا لهم و حليفًا للشركات الأمريكية التي يمتلكها رجال أعمال يسيطرون علي ما يقرب من نصف مزارع السكر في البلاد و غالبية مزارع الماشية و المناجم و المرافق العامة و لم يفعل “باتيستا” الكثير لتقييد عملياتهم كما كان أيضًا مناهضًا للشيوعية بشكل موثوق و لكن على النقيض من ذلك كان “كاسترو” شيوعيًا و رافضا النهج الذي أتبعه الأمريكيين في التعامل مع أعمالهم و مصالحهم في ” كوبا ” و كان يعتقد أن الوقت قد حان لكي يتولى الكوبيين المزيد من السيطرة على بلادهم .
و بمجرد وصول ” فيدل كاسترو ” إلى السلطة أتخذ خطوات لتقليل النفوذ الأمريكي في الجزيرة حيث قام بتأميم الصناعات التي يهيمنون عليها مثل السكر و التعدين و قدم خطط لإصلاح الأراضي و دعا حكومات أمريكا اللاتينية الأخرى إلى التصرف بمزيد من الإستقلالية عن الرغبة الأمريكية و ردًا على ذلك في أوائل عام 1960 سمح الرئيس “دوايت أيزنهاور” لوكالة المخابرات المركزية بتجنيد 1400 منفي كوبي يعيشون في ” ميامي ” بقيادة ” خوسيه ميرو كاردونا ” و هو مسؤول سابق في حكومة “كاسترو” و تدريبهم للإطاحة بنظامه و في مايو عام 1960 بدء ” كاسترو ” في إتخاذ خطوات أكثر تصاعدا بعد أن أقام علاقات دبلوماسية مع ” الإتحاد السوفييتي ” و ردت ” الولايات المتحدة ” بحظر إستيراد السكر الكوبي الذي كان يمثل 80% من الدخل القومي للبلاد و لمنع الإقتصاد الكوبي من الإنهيار وافق السوفييت على شراء تلك الكميات .
و بحلول يناير عام 1961 قطعت الحكومة الأمريكية علاقاتها الدبلوماسية مع ” كوبا ” و كثفت إستعداداتها للغزو و رغم تأكيد بعض مستشاري وزارة الخارجية و غيرهم من مستشاري الرئيس الأمريكي الجديد “جون كينيدي ” أن ” كاسترو ” لا يشكل أي تهديد حقيقي لأمريكا إلا أن الرئيس الجديد أعتقد أن تدبير خطط لإزاحة الزعيم الكوبي سيُظهر للسوفييت و ” الصين ” و الأميركيين المتشككين أنه كان جادًا في الفوز علي ” الإتحاد السوفيتي ” في الحرب الباردة لذلك ورث ” كينيدي ” خطط سلفه ” أيزنهاور ” لتدريب و تجهيز جيش من المنفيين الكوبيين لكنه كان لديه بعض الشكوك حول حكمة الخطة و قال إن آخر شيء يريده هو التدخل المباشر و العلني من قبل الجيش الأمريكي في “كوبا ” لأنه من المرجح أن ينظر السوفييت إلى هذا بإعتباره عملاً من أعمال الحرب و قد ينتقمون إلا أن ظباط وكالة المخابرات المركزية قاموا بطمأنته بأنه يمكن إبقاء تورط “الولايات المتحدة” في الغزو سراً و إذا سارت الأمور وفقًا للخطة فإن الحملة ستشعل إنتفاضة مناهضة لكاسترو في الجزيرة .
و كان الجزء الأول من خطة غزو خليج الخنازير هو تدمير القوة الجوية الصغيرة لدي ” كاسترو ” مما يجعل من المستحيل على جيشه مقاومة الغزاة و في 15 أبريل عام 1961 أقلعت مجموعة من المنفيين الكوبيين من ” نيكاراجوا ” في سرب من قاذفات القنابل الأمريكية من طراز B-26 و التي تم رسمها لتبدو و كأنها طائرات كوبية مسروقة و نفذت ضربة ضد المطارات الكوبية و مع ذلك أتضح أن ” كاسترو ” و مستشاريه كانوا على علم بتلك الغارة و قاموا بإبعاد طائراتهم عن طريق الخطر و بدأ الرئيس ” كينيدي ” المحبط يشك في أن الخطة التي وعدت بها وكالة المخابرات المركزية ستكون سرية و ناجحة حيث بدا له أن الأمور تسير نحو أن تكون أكبر من سرية و أصغر من أن تكون ناجحة لكن كان الأوان قد فات للضغط على المكابح ففي 17 إبريل بدأت فعليا عملية غزو خليج الخنازير بإنزال اللواء الكوبي المنفي في مكان معزول على الشاطئ الجنوبي للجزيرة يُعرف باسم “خليج الخنازير” إلا أن الأمر أصبح كارثيا فعلي الرغم من أن وكالة المخابرات المركزية أرادت أن يبقي الأمر سرا لأطول فترة ممكنة إلا أن محطة إذاعية على الشاطئ و التي فشل فريق الإستطلاع التابع للوكالة في رصدها بثت كل تفاصيل العملية للمستمعين في جميع أنحاء “كوبا ” كما أنه في نفس الوقت قامت الشعب المرجانية و بشكل غير متوقع بإغراق بعض سفن المنفيين و هبطت قوات المظليين الإحتياطية في مكان خاطئ و لم يمض وقت طويل حتى تمكنت قوات ” كاسترو ” من محاصرة الغزاة على الشاطئ و أستسلم المنفيين بعد أقل من يوم من القتال و قُتل 114 شخصًا و تم أسر أكثر من 1100 شخص .
وفقًا للعديد من المؤرخين فقد أعتقدت وكالة المخابرات المركزية و لواء المنفيين الكوبيين أن الرئيس “كينيدي” سيسمح في النهاية للجيش الأمريكي بالتدخل في “كوبا” نيابة عنهم و مع ذلك كان الرئيس حازماً نحو ذلك الأمر فبقدر أنه لا يريد التخلي عن “كوبا” للشيوعيين لكنه في نفس الوقت لن يبدأ معركة قد تنتهي بالحرب العالمية الثالثة و مع ذلك لم تتراجع جهوده للإطاحة بكاسترو أبدًا ففي نوفمبر عام 1961 وافق “كينيدي” على عملية النمس و هي حملة تجسس و تخريب ضد ” كوبا ” و التي أنبثقت منها ” عملية نورثوودز ” المثيرة للجدل لكنه لم يصل أبدًا إلى حد إثارة حرب صريحة علي الرغم من أنه عام 1962 أدت أزمة الصواريخ الكوبية إلى تأجيج التوترات الأمريكية الكوبية السوفييتية إلى أبعد من ذلك .
مقالتك رائعة ومفيدة نرجو ان تستمر مع ذكر المصدر ولكم حالص التحية