عملية القفزة العالية .. المهمة الأمريكية الغامضة بين الحقيقة و نظريات المؤامرة

بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية شهد العالم تحولات جيوسياسية و عسكرية كبيرة بعد أن بدأت القوي العظمي في إعادة ترتيب أوراقها و توسيع نفوذها في مناطق جديدة من بينها القارة القطبية الجنوبية التي كانت محط إهتمام خاص بسبب موقعها الإستراتيجي و مواردها الطبيعية المحتملة و في هذا السياق أطلقت الولايات المتحدة في منتصف الأربعينيات مهمة عسكرية ضخمة تُعرف بإسم عملية القفزة العالية Operation Highjump و التي تعد أكبر بعثة عسكرية أمريكية إلي ذلك المكان و علي الرغم من أن الأهداف الرسمية للعملية كانت تدريب القوات في ظروف قاسية و إجراء إستكشافات علمية إلا أن الشكوك و التكهنات حول أهدافها الحقيقية لم تتوقف أبدًا بعد تساؤل الكثيرين عما إذا كانت مجرد تدريب عسكري أم أنها تخفي أغراضًا أخرى أكثر تعقيدًا .

تم إطلاق عملية القفزة العالية Operation Highjump عام 1946 حين أعلن رئيس العمليات البحرية الأمريكية الأدميرال ” تشيستر نيميتز ” عن بعثة عسكرية ضخمة إلي القارة القطبية الجنوبية تقوم بها الوحدة البحرية المعروفة بإسم Task Force 68 تحت قيادة الأدميرالين ” ريتشارد بيرد ” و ” ريتشارد كروزين ” و كان أهدافها المعلنة هو إختبار السفن و الطائرات و المروحيات الجديدة في ظروف المناطق المتجمدة و تطوير تقنيات لإنشاء و صيانة القواعد الجوية في أنتاركتيكا كما كان لها هدف ثانوي تمثل في زيادة المعرفة بالظروف الجغرافية و الجيولوجية و المناخية و الكهرومغناطيسية للمنطقة و شملت العملية مشاركة 70 سفينة و 13 طائرة و أكثر من 4700 فرد و هو ما جعلها أكبر بعثة عسكرية إلي القارة القطبية الجنوبية .

عملية القفزة العالية .. المهمة الأمريكية الغامضة بين الحقيقة و نظريات المؤامرة

و بمجرد وصول البعثة تمركزت القوات الأمريكية و بدأت عملية القفزة العالية التي شهدت العديد من التحديات أبرزها تحطم طائرة عسكرية في 30 ديسمبر عام 1946 على جزيرة ثورستون أدت إلي مصرع ثلاثة أفراد من طاقمها و نجاة ستة أخرين عقب العثور عليهم بعد 13 يومًا من سقوطها و رغم المأساة إستمرت المهمة في عملها و تمكنت من إستكشاف طرقًا آمنة لسفنها عبر صفائح الجليد الثقيلة كما أثبتت المروحيات كفاءتها في درجات الحرارة المنخفضة رغم الظروف القاسية التي تجعل السفر الجوي خطيرًا للغاية بعد أن تعلموا جيدا كيفية تأهيلها لتجنب تراكم الجليد علي شفراتها الدوارة و التي تؤدي إلي تحطمها كما حدث حين تحطمت مروحية كانت تعود من مهمة إستطلاعية إلي إحدي السفن في البحر بعد أن أصبحت شفراتها متجمدة للغاية و لحسن الحظ و رغم فقدان المروحية إلا أنه تم إنقاذ الرجلين اللذان كانا علي متنها بسرعة من المياه المتجمدة .

عملية القفزة العالية .. المهمة الأمريكية الغامضة بين الحقيقة و نظريات المؤامرة

و رغم كل تلك التحديات إلا أن البعثة نجحت في شق طرق آمنة و إنشاء قاعدة مؤقته تقع بالقرب من خليج الحيتان أطلق عليها إسم “ليتل أمريكا 4” إضافة إلي جمع بيانات جيولوجية و فوتوغرافية قيمة كما تمكنت من جمع عينات من الماء و التربة و إكتشاف رواسب فحم كبيرة و هي بيانات إستخدمها الباحثين المستقبليين لتحديد مواقع إنشاء قواعد جديدة كما أكملت طائرات الفريق 28 رحلة تصويرية إلتقطت خلالها أكثر من 70,000 صورة لأكثر من مليوني كيلومتر مربع من الأراضي إلي أن أنتهت العملية بشكل مفاجئ في فبراير عام 1947و رغم إعلان المسئولين الأمريكيين عن نجاح المهمة إلا أنها و بحسب المشاركين فيها كانت مليئة بفقدان الأرواح و نقص التنظيم و أنها كانت مبعثرة و لم يفهموا طبيعة مهمتهم الحقيقية و مع ذلك قدمت البحرية الأمريكية عملية القفزة العالية علي أنها بعثة شفافة و طوال فترتها قام المصورين العسكريين بتصوير أحداثها و عرضها في دور السينما كفيلم وثائقي بعنوان “الأرض السرية” (The Secret Land) و فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 1948.

عملية القفزة العالية .. المهمة الأمريكية الغامضة بين الحقيقة و نظريات المؤامرة

إقرأ أيضا : مشروع الدودة الجليدية .. البرنامج الأمريكى السري لبناء أنفاق تحت الجليد فى جزيرة جرينلاند

و مع إنتهاء عملية القفزة العالية و تحقيق أهدافها بحسب المسئولين الأمريكيين إلا أن البعض قد تكهن بأنها كانت في الواقع غطاءً حكوميًا لشيء آخر حيث قالت المؤرخة ” ديان أولسون بيلانجر ” أنه تم تكليف البحرية الأمريكية بأوامر سرية للمطالبة بأراضٍ في أنتاركتيكا كما سعت إلي إثبات نفسها أمام الرئيس الأمريكي ” هاري ترومان ” الذي أراد تقليل ميزانية البلاد بعد الحرب العالمية الثانية خاصة و أن المهمة قد جرت في ظل الحرب الباردة في ظل مخاوف من هجوم سوفيتي علي ” الولايات المتحدة ” عبر القطب الشمالي لذلك أراد الجيش الأمريكي التأكد من إمتلاكه التكنولوجيا اللازمة للقتال في المناخات الباردة كما يعتقد العديد من أصحاب نظرية المؤامرة أن المهمة كانت تهدف إلي البحث عن قواعد نازية سرية أو الإتصال بكائنات فضائية و في السنوات الأخيرة إدعي البعض أن عملية القفزة العالية كانت تهدف إلي تصوير الجدار الجليدي الذي يعتقد المؤمنين بنظرية الأرض المسطحة أنه يحيط بكوكب الأرض أو أن الصور العسكرية كشفت عن أدلة علي وجود حضارة سرية و لكن لم يتم إثبات أي من تلك الشائعات و لكن علي أي حال أصبح ينظر إلي تلك المهمة بإعتبارها بداية سلسلة من العمليات القطبية المستقبلية بما في ذلك عملية ” ويندميل ” التابعة للبحرية الأمريكية في أعوام 1947-1948 لكن المجتمع الدولي لم يكن يرغب في أن تصبح القارة القطبية الجنوبية منطقة عسكرية لذلك تم التوقيع علي معاهدة أنتاركتيكا في 1 ديسمبر عام 1959 و التي تمنع عسكرة القارة الجنوبية حيث أصبحت اليوم مكانًا مخصصا للبحث العلمي فقط .

شارك الموضوع

عمرو عادل

فى الحياة الواقعيه مهندس ميكانيكا قوى اما فى الحياه الافتراضيه فباحث و كاتب و مدير الموقع دا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *