خلال الحرب العالمية الثانية سعى كلا الفريقين المتحاربين الى محاولة ضم دول جديدة الى معسكراتهم و هو الأمر الذى له بالغ الأثر فى تقوية تكتل فريق على حساب الأخر حيث كان يتم ذلك اما بالترغيب من خلال اغراء تلك الدول بمجموعة من الامتيازات التى ستحصل عليها عند الإنضمام أو بالترهيب حال الرفض من خلال التهديد بإيصال الدمار لها أو القيام بغزو فعلى لأراضيها و لطالما كان أكثر ما يؤرق قوى الحلفاء أو المحور هو انسحاب أى دولة من تحالفها معهم و أنضمامها الى المعكسر الأخر و هو ما حدث فى السنوات الأخيرة من الحرب بعد خروج عدد من دول البلطيق من سيطرة ألمانيا النازيه و تحولها الى جانب الإتحاد السوفيتى ( روسيا حاليا ) و كانت أخرها المجر بعد أن وصلت أنباء الى أدولف هتلر عن وجود مفاوضات سرية بينها و بين السوفييت للانضمام إليهم و فك ارتباطها بالألمان و هو ما جعله يستشيط غضبا و يطلب من ظباطه وضع خطة تأديبية لحكام تلك البلد أطلق عليها أسم عملية القبضة المدرعة بغرض إجبارهم على استمرار تحالفهم معه .
فخلال عام 1944 تلقى “أدولف هتلر” معلومات تشير الى أن الوصى على العرش و حاكم المجر الأدميرال “ميكلوس هورثي” كان يتفاوض سراً على استسلام بلاده للجيش الأحمر المتقدم مقابل تعهد من السوفييت باستقلالية الحكومة المجرية و ان تدار البلاد بشكل ذاتى و هو أمر أثار غضب الزعيم الألمانى حيث كانت ” المجر ” خاضعة الى سيطرة النازيين بعد أحتلالها من قبل الجيش الألمانى فى مارس عام 1944 و لكن كان من الواضح أنه نتيجة تراجع الألمان امام الاجتياح السوفيتى على الجبهة الشرقية قرر المجريين الى أنه من الأفضل فك ذلك الإرتباط و التحالف مع المنتصر رغم ما كان يعرف عن ” هورثي ” بأنه كاره للشيوعية حيث كان مبعث قلق ” هتلر ” من استسلام المجريين و تسليم بلادهم الى الجيش السوفيتى أن يؤدى ذلك الى كشف جناحه الجنوبي خاصة بعد انضمام “رومانيا” لتوها إلى السوفييت و هى أمور سوف تؤدى الى عزل مليون جندي ألماني لا يزالون يواجهون التقدم السوفيتي في البلقان اضافة الى خسارة الموارد الطبيعية لتلك البلاد و التى كان يستفيد منها الألمان خلال حربهم لذلك و على الفور طلب أستدعاء قائد الكوماندوز الألمانى “أوتو سكورزيني” و يرسله بشكل عاجل إلى “المجر” لمواجهة ذلك الأمر و اتخاذ ما يلزم حيث وضع ” أوتو ” خطة محكمة أطلق عليها ” عملية القبضة المدرعة ” او بانزرفوست .
و مع وصول ” أوتو سكورزينى ” الى ” المجر ” أمر برصد تحركات الأدميرال ” ميكلوس هورثي ” و وضعه تحت المراقبة و معه ابنه ” ميكلوس جونيور ” الذى كان هو من يقوم بالاجتماع و التفاوض مع ممثلين عن “الاتحاد السوفيتي” و صدرت التعليمات من “برلين” واضحه بأن يتم ازاحة الأدميرال من السلطه لذلك تم تفعيل ” عملية القبضة المدرعة ” و التى بدأت بقيام أجهزة الأمن الألمانية بخداع “ميكلوس جونيور” عن طريق إبلاغه من خلال وسطاء أن مبعوثي المارشال “تيتو” من “يوغوسلافيا” يريدون مقابلته و الاجتماع به بشكل سرى لمناقشة بعض من الأمور الهامة و وافق على ذلك الا أن الاجتماع الأول قد فشل بعد أن لاحظ وجود أفراد مشبوهين بالقرب من مكان الاجتماع المقترح ليتم تحديد موعد أخر في 15 من أكتوبر عام 1944 في مكتب “فيليكس بورنيميزا” مدير موانئ الدانوب المجرية حيث كان يأمل ابن الحاكم أن يكون لدى الممثلين اليوغوسلافيين أخبار مهمة و لكن بمجرد دخوله المبنى هاجمه “سكورزيني” و قواته و ضربوه و قيدوه و تم إختطافه تحت تهديد السلاح و ربطه في سجادة و اقتياده على الفور إلى المطار حيث نقل إلى “فيينا” فى “النمسا” و من هناك تم نقله إلى معتقل “ماوتهاوزن” .
و فى تلك الأثناء كان الأدميرال ” ميكلوس هورثى ” فى اجتماع له مع مجلس التاج و فيه ألقى باللوم على الحكومة الألمانية في إجبار “المجر” على الحرب معهم حيث قال بأنه من الواضح اليوم لأي شخص عاقل أن الرايخ الألماني قد خسر الحرب لذلك يجب على جميع الحكومات المسؤولة عن مصير بلدانهم استخلاص النتائج المناسبة من هذه الحقيقة خاصة و أن المفكر الألمانى “بسمارك” قال ذات مرة بانه لا ينبغي لأي دولة أن تضحي بنفسها على مذبح تحالف و لذلك فقد قرر الحفاظ على شرف “المجر” حتى ضد حليفها السابق على الرغم من أن هذا الحليف بدلاً من تقديم المساعدة العسكرية الموعودة كان يهدف في النهاية إلى سلب الأمة المجرية من أعظم كنزها و هو حريتها و استقلالها و لذلك فقد أبلغ أحد ممثلي الرايخ الألماني بأن “المجر” على وشك إبرام هدنة عسكرية مع أعدائنا السابقين و وقف جميع الأعمال العدائية ضدهم و فى تمام الساعة 2:00 مساء يوم 15 من أكتوبر أعلن “هورثي” في بث إذاعي وطني بأن “المجر” قد وقعت هدنة مع السوفييت حيث كان الألمان على دراية بتلك الخطوة و بدأوا بالفعل في تنفيذ ” اعملية القبضة المدرعة ” لاستبدال الحكومة بأخرى موالية للقضية الألمانية و احتلال المجر فعليًا حيث قام أعضاء من حزب ” صليب السهم ” الموالى للنازيين بالاستيلاء على محطة الراديو بعد فترة وجيزة من بيان ” هورثى ” و أعلن أحد أعضاء الحزب بيانا مضادًا و تم اعتقال ظباط وحدتين من الجيش المجري المتمركزين في “بودابست” و ينضم جنودهم الى أفراد حزب ” صليب السهم ” و فى نفس الوقت قاد “سكورزيني” قافلة من القوات الألمانية و أربع دبابات “تايجر 2″ إلى قلعة ” هيل ” مقر حكم الأدميرال ” هورثي ” و الذى أدرك أنه لم يكن لديه قوات كافية لصد ذلك الهجوم الألماني لذلك أصدر أوامره بأنه لا يجب القيام بأى مقاومة حيث أستسلمت الوحدات الموجودة فيما عدا واحدة لم تحصل على هذه الأوامر و قاتلت الألمان لمدة 30 دقيقة تقريبًا .
و نجحت ” عملية القبضة المدرعة ” و تم احتجاز “هورثي” ليبقى طوال الليل في أحد مكاتب القوات الخاصة الألمانية و بعدها عاد إلى مقر حكمه لجمع متعلقاته الشخصية و هناك تم اجباره على توقيع بيان مكتوب على الآلة الكاتبة سلمه إليه رئيس وزراءه “جيزا لاكاتوس” يعلن فيه تخليه عن الهدنه و تنازله عن الحكم لصالح ” فيرينك زالاسي ” زعيم حزب ” “صليب السهم ” حيث تفاجئ ” هورثي ” من أن صديقه ” جيزا ” المخلص يشجعه على التوقيع على الوثيقة و لكن مفاجئته تلاشت بعد أن أخبره بأن حياة ابنه معرضة للخطر و عند سؤاله للقائد الألمانى المرافق له عن صحة تلك المعلومة أكدها له و هو ما جعله يوقع على البيان حيث قال فى وقت لاحق بعد هزيمة الألمان أنه لم يستقيل بل تم اجباره على ذلك حيث قام بتلك المقايضة للحفاظ على حياة ابنه و من الطبيعى أن أى توقيع ينتزع تحت تهديد السلاح يكون غير شرعى .
أقرأ أيضا : عملية البلوط .. تفاصيل تحرير الديكتاتور الإيطالي موسولينى من الأسر علي يد القوات الخاصة الألمانية
و على الرغم من وعد القائد الألمانى بإطلاق سراح ابن ” هورثي ” من معسكر الاعتقال الألماني الا أنه ظل سجينًا حتى نهاية الحرب في 8 من مايو عام 1945 و حتى ” هورثي ” نفسه تم نقله الى ألمانيا فى حراسة 100 رجل من القوات الخاصة و في الأول من مايو عام 1945 قام الجنرال “الكسندر باتش” قائد الجيش السابع للولايات المتحدة بزيارة “هورثي” في مكان أسره لأن “المجر” قاتلت حتى النهاية في الدفاع عن “ألمانيا ” و بعد سبعة أشهر و في 17 من ديسمبر عام 1945 تم إطلاق سراحه من سجن “نورمبرج” وتم لم شمله مع عائلته في منزل خاص في ويلهايم .