عقب إندلاع الحرب العالمية الثانية و خلال المعارك وقع الكثير من الأسري الألمان في قبضة الجيش البريطاني حيث تم السماح للعديد منهم و خاصة من الجنرالات بالإقامة في بريطانيا داخل منازل فخمة مع الإحتفاظ بخدمهم الشخصيين و تناول الطعام الجيد و شرب الخمور لدرجة أن بعضهم بدء في الشعور بمدي غباء البريطانيين للسماح لهم بكل تلك الإمتيازات و وصل الأمر أن كتب أحدهم رسالة إلى أسرته يتمنى فيها أن ينضموا إليه في مقر إقامته و لكن ما لم يعرفه هؤلاء السجناء هو أنه كان يتم التجسس عليهم من خلال عملية الغرفة إم التى كانت تدار تحت إشراف المخابرات البريطانية التى قامت بزرع أجهزة تصنت في كل مكان من تلك المنازل و كان من يتابعهم و يعد أنفاسهم عبر تلك الأجهزة هم لاجئين ألمان عملوا لصالح البريطانيين و ذلك من أجل إستخلاص معلومات عن الجيش النازي و ألة الحرب الألمانية من خلال المحادثات التى كانت تدور بين الأسري و بعضهم .
و دارت أحداث “عملية الغرفة إم” فى ثلاثة مواقع بـ “إنجلترا” و هى “لاتايمر هاوس” و “ويلتون بارك” و “ترينت بارك ” و التى ضمت المنازل التى أقام فيها الأسري المراد التنصت عليهم و كان من أوائل المحتجزين فى تلك المنازل أثنين من أطقم الغواصات الألمانية التي تم الاستيلاء عليها بالإضافة إلي طيارين ألمان تم إسقاط طائراتهم حيث تم تسكينهم في تلك المنازل و التجسس عليهم لمدة تراوحت ما بين أسبوع إلي أسبوعين ثم تم نقلهم إلى أماكن الأسر التقليدية أما بالنسبة إلي الجنرالات و الذين وصلت أعدادهم مع تقدم الحرب إلى 59 فقد أقاموا في نزل “ترينت بارك” حتى إنتهاء الحرب حيث كان يتم تسجيل محادثتهم علي يد ألمان موالين لبريطانيا كانوا يقيمون في مكان قريب من تلك المنازل الثلاثة التي تحولت إلى سجون و علي مدار الساعة كانوا يستمعون إليهم داخل ما يعرف بإسم الغرفة إم حيث كان الحرف الـ “إم” يرمز إلى الميكروفونات المزروعة فى تلك الأماكن و يستمع من خلالها العملاء علي المحادثات المليئة بالمعلومات الغير مقدرة بثمن و ذات أهمية حيوية للمجهود الحربي .
و خلال “عملية الغرفة إم” حققت المخابرات البريطانية العديد من النجاحات فمن بين 100 ألف محادثة تم التصنت عليها و تسجيلها توصل البريطانيين إلي معرفة الكثير عن القدرات العسكرية الألمانية و طبيعة أسلحتها و تطورهم التكنولوجي خلال الحرب بالإضافة إلي تمكنهم من فك العديد من الشفرات الخاصة بالجيش الألماني و تحديد مواقع صواريخ V2 المنتشرة على الساحل الشمالي لألمانيا و المجهزة لتنفيذ هجمات علي الأراضي البريطانية و التى تم تدميرها بلا رحمة بواسطة الطائرات عام 1943 و كل ذلك يرجع فضله إلي تلك العملية الإستخبارية التى دفعت رئيس الوزراء البريطاني أنذاك ” وينستون تشرشل ” إلي الإشادة بها قائلا أن المخابرات البريطانية تمكنت من الحصول على أكثر الأشياء روعة من خلال التنصت على تلك المحادثات و أن منزل ” ترينت بارك ” تحديدا قدم إلينا نظرة فريدة عن نفسية العدو و التى ساعدتنا كثيرا من فهم طريقة تفكيره و كذلك معرفة العديد من الأسرار العسكرية الخاصة بهم و أنه لولا عملية الغرفة إم ربما لم نكن لننتصر في تلك الحرب .
و لم تقتصر عملية الغرفة إم في الحصول علي الأسرار العسكرية الألمانية فقط و لكن حصل البريطانيين أيضا علي إعترافات بأن الجيش الألماني قد شارك في العديد الفظائع و عمليات القتل و الإبادة الجماعية للعديد من العرقيات و بأنه مذنب بإرتكاب جرائم حرب و ذلك من خلال المحادثات التى كانت تدور بين الأسري من الجيش الألماني خاصة من الجنرالات و التي تم تسجيلها و إعتبارها دليل إدانة مادي علي النازيين رغم إنكار الجيش الألماني فعل ذلك لسنوات طويلة .
و بدا من الواضح أن “عملية الغرفة إم” لم تتوقف علي إستخلاص المعلومات من الجنرالات الألمان من خلال التجسس و التصنت فقط و لكن من خلال المحادثات المباشرة مع البريطانيين أيضا حيث كان يقام لهم حفلات ترفيهية داخل حدائق تلك المنازل تحت إشراف ظابط الأستخبارات البريطاني العقيد “توماس كيندريك” المسئول عن تلك العملية بالكامل حيث كان الجنرالات الألمان رفيعى المستوي يجتمعون في مثل تلك الأحداث و يتجاذبون الحديث بلغتهم الأم غير مدركين أن العقيد “كندريك” نفسه يتحدث الألمانية و أن هذه الحفلات الترفيهية كان المقصود منها الإسترخاء في الأسر مما يجعلهم يشعرون بالراحة و بشكل لا إرادي يبدأون في إفشاء الأسرار حتي أنهم في أحد الأيام تم نقلهم بالحافلات إلى فندق “سيمبسون إن ذا ستراند” الفخم في وسط لندن لتناول طعام الغداء و هو ما أثار غضب ” تشرشل ” و أمر بوقف ما أسماه “تدليل الجنرالات” و لكن لم تلتفت المخابرات البريطانية لتلك الأوامر لأن إفساد هؤلاء الجنرالات و تعزيز غرورهم كان يوفر لهم الكثير من المعلومات المفيدة لذلك أستمروا فى هذا الأسلوب و توقفوا عن إخبار “تشرشل” بذلك .
و نظرا للمعاملة الراقية التى لاقاها الجنرالات الألمان فقد شعروا أنهم يعاملون وفقا لوضعهم لدرجة أن أحدهم كتب لأسرته رسالة يقول فيها أنه يتمنى أن يكونوا معه في تلك الأماكن الرائعة و الخالية من الأسلاك الشائكة و الخدمات الممتازة التى كانوا يحصلون عليها لدرجة أنه تم توفير ظابط بريطاني لرعايتهم و كان يذهب مرة واحدة فى الأسبوع إلي ” لندن ” لشراء بعض من الأغراض التى يريدوها مثل كريم الحلاقة أو الجوارب أو أي شيء أخر لذلك كان من الطبيعي أن يكون لعملية الغرفة إم مردودا إيجابيا كبيرا بالنسبة للبريطانيين الذين أستغلوا المعلومات التى تم إستخلاصها جيدا لحسم تلك الحرب لصالحهم .
أقرأ أيضا : العملية مينسميت .. الرجل الذى ساهمت وفاته فى خداع الألمان و تغيير مسار الحرب العالمية
و مع مرور السنوات يُعتقد حاليا أنه لم يتبق سوى اثنين من المستمعين السريين فقط على قيد الحياة من أصل مجموعة قوامها حوالي 100 شخص أحدهم هو “فريتز لوستج” الذي يبلغ من العمر 93 عامًا و يعيش في شمال “لندن” و الذي علي الرغم من ولادته بمدينة ” برلين ” في ” ألمانيا ” الا أنه و نتيجة ضم عائلته لعناصر من اليهود لم يعتبر في نظر الألمانيين آريًا بما فيه الكفاية لذلك غادر مع أسرته إلى “المملكة المتحدة” في أبريل عام 1939 للإقامة فيها و حرصًا منه على المساعدة في محاربة النازيين أنضم في النهاية إلى فيلق الرواد الملكي بالجيش البريطاني و لأنه كان قادرًا على التحدث باللغة الإنجليزية و الألمانية تم نقله إلى جهاز المخابرات ليصبح مستمعًا سريًا حيث أخبرهم الكولونيل “كندريك” عند لقاءه بهم في يومهم الأول أن ما سيفعلوه هو أهم من إطلاق النيران في ميادين المعارك و يقول ” فريتز لوستج ” عن عمله في تلك المجموعة أنهم كمستمعين لم يشعروا أن هؤلاء الأسرى من أبناء وطنهم حيث كانوا يعرفون كل الأشياء المروعة التي كانت تحدث في أوروبا الشرقية أثناء الحرب و علي يقين أن هذا ما كان سيحدث لهم إذا بقيوا في ” ألمانيا ” لذلك لم يشعروا بالذنب و لكن بالفخر لكونهم كانوا قادرين علي المساهمة فى المجهود الحربي البريطاني .