مع إقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها الحتمية و توالي إنتصارات الولايات المتحدة علي مسرح المحيط الهادئ أصبح لدي قادة اليابان شعور متزايد باليأس لعدم قدرتهم علي تحقيق أي إنتصارات أو حتي قدر من الضرر لأعدائهم لذلك بدأوا في وضع خطط هجومية بديلة يتم فيها الإبتعاد عن إستخدام الأسلحة التقليدية و الإستعانة بأدوات الحرب البيولوجية و كانت من أبرز تلك الخطط هي عملية أزهار الكرز في الليل التي رغم رومانسية إسمها إلا أنها واقعيا وضعت بهدف تدمير الساحل الغربي الأمريكي بالكامل من خلال نشر مرض الطاعون الدبلي داخل أشهر مدنه علي أمل أن يساعد ذلك في تحويل دفة الحرب لصالحهم أو علي أقل تقدير إبطاء التقدم الأمريكي فيها لإلتقاط الأنفاس و العودة للقتال مجددا .
تم التخطيط لعملية أزهار الكرز في الليل في ربيع عام 1945 و كان التصور المبدأي لها أن تتم من خلال تحرك عدد من الغواصات سرًا إلي سواحل كاليفورنيا ثم منها يتم إرسال قنابل البالونات أو طيارين إنتحاريين أو كما يطلق عليهم ” الكاميكاز ” بطائرات مليئة بالبراغيث المحملة بوباء الطاعون إلى عدد من المدن الأمريكية بما في ذلك مدينة “سان دييجو ” و التي بمجرد إرتطامها بالأرض ستنطلق البراغيث و معها المرض المميت علي البشر و المحاصيل الزراعية و ذلك ردًا منهم على إلقاء ” الولايات المتحدة ” للقنابل الحارقة على المدن اليابانية و تقرر تكليف الوحدة 731 سيئة السمعة التي كانت تقوم بالعديد من التجارب علي الأسلحة البيولوجية برئاسة عالم الأحياء الدقيقة الجنرال ” شيرو إيشي ” بتولي تلك العملية .
و علي الرغم من أن تنفيذ عملية أزهار الكرز في الليل بدت صعبة إلا أن ” اليابان ” كانت واثقة من قدرتها على تنفيذها لأنهم فعلوا ذلك بنجاح في مكان آخر خلال الحرب و تحديدا في جارتها ” الصين ” حيث كشفت نصوص محاكمات جرائم الحرب في “خاباروفسك” عام 1949 و التي تمت فيها محاكمة 12 عضوًا من جيش كوانتونج الياباني كمجرمي حرب عن ذلك بعد أن قالوا خلال إعترافاتهم أن الغرض من الإحتفاظ بحشرات البراغيث كان الحفاظ على جراثيم الطاعون من خلال حملها و إصابة البشر مباشرة بها فبعد أن حظرت إتفاقية جنيف إستخدام أساليب الحرب الجرثومية عام 1925 رأى المسؤولين اليابانيين أن مثل هذا الحظر يؤكد فقط مدى قوة هذا السلاح و هو ما أدي إلي إنشاء برنامج الأسلحة البيولوجية الياباني في ثلاثينيات القرن الماضي و قسم الحرب البيولوجية بالجيش و الذي عرف بإسم الوحدة 731.
و لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى قام الجيش الياباني بإخضاع المدنيين الصينيين لتجاربه القاسية و مع إحتلال ” اليابان ” لمساحات واسعة من ” الصين ” في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين استقر الجيش في “هاربين” بالقرب من منشوريا و أخلى ثماني قرى هناك و قام ببناء منشأة هاربين سيئة السمعة التي شهدت أكثر الأنشطة و التجارب اللاإنسانية في القرن العشرين منها حبس الأشخاص في غرف و تعريضهم لهواء مضغوط حتى تنفجر أعينهم من مآخذها أو تحديد مقدار قوة الجاذبية المطلوبة للتسبب في الوفاة كما روي العامل الطبي السابق في الوحدة ” تاكيو وانو ” أنه شاهد رجلاً مخللًا في وعاء زجاجي يبلغ إرتفاعه مترين تقريبا بعد تقطيعه عموديًا إلى قطعتين كما كان هناك جرار أخرى تحتوي على رؤوس و أقدام و حتى أجساد كاملة يتم تحديدها أحيانًا حسب جنسية الضحية.
و بحلول أكتوبر عام 1940 تحولت القوات اليابانية إلى حرب الطاعون و قاموا بقصف مدينة “نينجبو” في شرق الصين و ” تشانجده ” في شمال وسط الصين بالبراغيث المصابة و قدر “تشيو مينجشوان” الذي نجا من القصف عندما كان يبلغ من العمر تسع سنوات و أصبح فيما بعد عالم أوبئة أن ما لا يقل عن 50 ألف مواطن قتلوا بسبب ذلك القصف حيث يقول قال مينغ شيوان: “ما زلت أتذكر حالة الذعر بين الناس حيث أبقى الجميع أبوابهم مغلقة و كانوا خائفين من الخروج و تم إغلاق المتاجر و المدارس و بحلول شهر ديسمبر كانت الطائرات اليابانية تأتي لإسقاط القنابل كل يوم تقريبًا لذلك لم نتمكن من إبقاء منطقة الحجر الصحي مغلقة و هرب الناس في الداخل إلى الريف حاملين معهم جراثيم الطاعون ” لذلك و نتيجة هذا النجاح بالنسبة إلي اليابانيين كانت تركيبة الوحدة 731 القاتلة من ذلك الطاعون جاهزة للقيام أيضا برحلة طويلة عبر المحيط الهادئ لتنفيذ عملية أزهار الكرز في الليل .
و من أجل تنفيذ عملية أزهار الكرز في الليل خططت “اليابان” في البداية لإطلاق قنابل بالونية كبيرة يمكنها ركوب التيار النفاث إلى ” الولايات المتحدة ” و تم بالفعل إرسال حوالي 200 منهم و أسفرت تلك القنابل عن مقتل سبعة أمريكيين إلا أن الرقابة الأمريكية قد منعت نشر ذلك الخبر ثم تحول التفكير الياباني بعد ذلك في التنفيذ إلي الإعتماد علي الطيارين الإنتحاريين الذين سيقومون بضرب ولاية كاليفورنيا أولاً و وقع الإختيار بالفعل علي 20 طيار من أصل 500 و كان سيتم إرسالهم إلى ساحل كاليفورنيا الجنوبي من خلال غواصة ثم يقومون بعد ذلك بتشغيل طائرات على متنها و يحلقون بها إلي مدينة “سان دييجو ” و بمجرد إصطدام طائراتهم بالأراضي الأمريكية سوف يتم نشر الآلاف من البراغيث الموبوءة بالطاعون و قد تم تحديد موعد تنفيذ العملية ليكون في 22 سبتمبر عام 1945 و لكن لحسن حظ الأمريكيين لم تؤت عملية أزهار الكرز في الليل ثمارها أبدًا .
و يرجح البعض فشل تنفيذ عملية أزهار الكرز في الليل إلي أن البحرية اليابانية لم تكن لتوافق أبدًا على هذه المهمة خاصة في النصف الأخير من عام 1945 لأنه بحلول ذلك الوقت كانت حماية الجزر اليابانية نفسها أكثر أهمية بكثير من شن هجمات على ” الولايات المتحدة ” كما يقال أن العملية ربما قد تم إيقاف تنفيذها نتيجة إجتماع حاسم عقد في يوليو عام 1944 بعد أن رفض الجنرال ” هيديكي توجو ” إستخدام الحرب الجرثومية ضد ” الولايات المتحدة ” لأن هزيمة ” اليابان ” كانت وشيكة و في حالة إستخدامهم الأسلحة البيولوجية فلن يؤدي ذلك إلا إلي تصعيد الإنتقام الأمريكي .
أقرأ أيضا : المشروع A119 .. خطة الجيش الأمريكى لتفجير سطح القمر بالأسلحة النووية
و رغم دور الجنرال ” هيديكي توجو ” في منع تنفيذ عملية أزهار الكرز في الليل و إنقاذه لألاف الأرواح الأمريكيين إلا أن ذلك لم يشفع له لإنقاذه فبعد بعد ما يزيد قليلاً عن أسبوع من إستسلام ” اليابان ” حاول الإنتحار بمسدس ثم تم إنقاذ حياته بنقل دم إليه و بعد ذلك تم تحويله إلي محكمة دولية بتهمة إرتكاب جرائم حرب و التي أصدرت حكمها بإعتباره مذنبا و شنق جراء ما فعله .