صحراء باتاجونيا هي أكبر صحاري الأرجنتين و إحدى عجائبها الطبيعية حيث تبلغ مساحتها ما يقرب من 673,000 كيلومتر مربع و هو ما يجعلها ثامن أكبر صحراء في العالم و تمتد تلك المساحات القاحلة بين جبال الأنديز غربًا و المحيط الأطلسي شرقًا و تغطي أجزاء كبيرة من جنوب الأرجنتين و بعض المناطق في تشيلي و رغم قسوة البيئة الصحراوية بها إلا أنها كانت في أحد الأيام موطنًا للعديد من القبائل و الشعوب الأصلية التي إعتمدت علي الموارد الطبيعية المتاحة ثم حدث تحول جذري في طبيعة الحياة بها خلال القرن التاسع عشر بعد أن إستقطبت صحراء باتاجونيا إهتمام المهاجرين الأوروبيين الذين جاؤوا بحثًا عن أراضٍ جديدة للإستقرار فيها .
مناخيا .. تقع صحراء باتاجونيا في منطقة تمتد جنوب خط عرض 40° في الجزء الجنوبي من ” الأرجنتين ” و هي واحدة من أكبر الصحاري الواقعة في المناطق الباردة إذ يتميز مناخها بشتاء طويل و قاسٍ يمتد لنحو سبعة أشهر و صيف قصير نسبيًا لا يتجاوز خمسة أشهر و يبلغ متوسط درجات الحرارة خلال الشتاء حوالي 3 درجات مئوية بينما قد تصل في بعض المناطق إلي 12 درجة و رغم برودة الطقس بها إلا أن تساقط الثلوج فيها يعد أمر نادرًا بسبب الجفاف الشديد الذي يسيطر علي المنطقة طوال السنة و تعتبر جبال الأنديز الواقعة غرب الصحراء هي المتحكمة في مناخ صحراء باتاجونيا بسبب منعها وصول الرياح الرطبة القادمة من المحيط الهادئ مما يخلق ما يُعرف بـ”ظل المطر” الذي يعد السبب الرئيسي في تكون تلك الصحراء رغم قربها من المحيط الأطلسي الذي يبعد نحو 320 كيلومتر فقط عن بعض أجزائها حيث يسهم هو الأخر في جفافها نتيجة تيار فالكلاند البارد الذي يعمل علي خفض الرطوبة المتاحة في الجو .
و بجانب المناخ الصحراوي القاسي تتميز صحراء باتاجونيا بعدة مناخات فرعية تتباين حسب الموقع الجغرافي و الإرتفاع عن سطح البحر فعلى سبيل المثال تتمتع المناطق الساحلية شمال خط العرض 45° بمناخ أكثر إعتدالًا بفضل التيارات الدافئة القادمة من ” البرازيل “و تكون المنطقة الشمالية أكثر دفئًا خلال فصل الصيف و تتراوح درجات الحرارة بها ما بين 26 و 31 درجة مئوية خلال النهار ثم تنخفض إلي 12و 15 درجة مئوية ليلًا أما في الجنوب فتنخفض درجات الحرارة خلال الصيف نهارا ما بين 16 و 22 درجة مئوية علي السواحل و تصل إلي 24 درجة مئوية في المرتفعات بينما تصل درجات الليل إلي حوالي 6 إلي 11 درجة مئوية أما بالنسبة إلي فصل الشتاء فيصبح المناخ أكثر برودة و تتراوح درجات الحرارة ما بين -2 و 5 درجات مئوية في المناطق الساحلية الجنوبية بينما تتراوح بين -3 إلى 4 درجات مئوية في المناطق الداخلية الجنوبية و بشكل رسمي سجلت محافظة ” تشوبوت ” أدني درجة حرارة في المنطقة و كانت -33 درجة و في مناطق أخري قد تصل إلي – 35 درجة .
بيئيا .. علي الرغم من الطبيعة القاسية التي تميز صحراء باتاجونيا إلا أنها موطن لمجموعة متنوعة من النباتات و الحيوانات التي إستطاعت التأقلم مع بيئتها الفريدة حيث تسودها النباتات الصحراوية الصغيرة مثل الشجيرات العشبية التي تتحمل الجفاف بينما توجد علي أطرافها نباتات أكثر تنوعًا مثل الحشائش المائية المزدهرة حول البحيرات الموسمية التي تتغذي من ذوبان ثلوج الأنديز أما من ناحية الحيوانات فإن صحراء باتاجونيا تستضيف أنواعًا متعددة من الكائنات التي تكيفت مع شح الغذاء و صعوبة المناخ حيث يعيش فيها بعض الأنواع المميزة مثل النعام الصغير المعروف بإسم “رييا” و الذئب الرمادي الباتاجوني و البومة المحفورة و الثعلب الرمادي فضلاً عن أنواع عديدة من الطيور الجارحة كالصقور و النسور كما تكيفت بعض من الثدييات مثل الـ”جواناكو”، و هو نوع من الجمال الصغيرة مع الحياة القاسية في هذه البيئة و لكنهم يفضلون البقاء علي الأطراف حيث تتوفر مصادر الغذاء بشكل أكبر .
تاريخيا .. تواجد الإنسان في صحراء باتاجونيا منذ عصور ما قبل الإستعمار حيث سكنتها القبائل الأصلية مثل “التيويلشي” الذين عاشوا علي صيد الحيوانات و جمع الغذاء و في سبعينيات القرن التاسع عشر واجهت المنطقة موجة من الإستيطان الأوروبي بسبب حملة أطلقتها الحكومة الأرجنتينية إسمها ” غزو الصحراء ” و كانت تهدف إلي بسط السيطرة الأرجنتينية و طرد السكان الأصليين من المنطقة حيث إستجاب لتلك الدعوة الكثيرين و أستقر بها مجموعة من المهاجرين أغلبهم من ” ويلز ” و عاشوا في ضواحي الصحراء و هو ما كان له بالغ الأثر في طبيعة الحياة في ذلك المكان بعد أن حدث إنخفاض كبير في عدد السكان الأصليين خاصة بعد أسر ما يقارب من 10,000 منهم و نقلهم إلي العاصمة ” بوينس آيرس ” في حين هاجر الآخرون إلي ” تشيلي ” و عقب نجاح تلك الحملة أصبحت باتاجونيا جزءًا من ” الأرجنتين ” و سرعان ما تحولت المنطقة إلي واحدة من أهم المناطق في تربية الأغنام و تصدير منتجاتها.
إقتصاديا .. يعتمد الإقتصاد في صحراء باتاجونيا علي عدة أنشطة من بينها تربية الماشية حيث تُعتبر تربية الأغنام من أبرز الأنشطة التي تساهم في تصدير الصوف و اللحوم كما تشهد المنطقة نشاطًا كبيرًا في مجال التعدين و إستخراج الموارد الطبيعية مثل النفط و الغاز و الفحم و هو ما يجعلها منطقة حيوية للإقتصاد الأرجنتيني و علي الرغم من كون الصحراء قليلة السكان إلا أن المجتمعات القليلة الموجودة فيها تعتمد علي هذه الموارد كمصدر رئيسي للرزق و وسيلة للحصول علي فرص للعمل بالإضافة إلي تحفيز الإقتصاد المحلي .