شارل ديجول هو رئيس الجمهورية الخامسة في فرنسا و الذي أرتقى من ظابط فرنسي صغير في الحرب العالمية الأولى إلي قائدا في الجيش الفرنسي بعد تزعمه حركة فرنسا الحرة لمقاومة الإحتلال النازي عقب إجتياح ألمانيا للأراضي الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية ثم ترأس الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية خلال الفترة ما بين عامي 1944 و 1946 و ذلك من أجل إستعادة الديمقراطية في البلاد و في عام 1958 خرج من التقاعد بعد أن عينه الرئيس رينيه كوتي رئيسًا لمجلس الوزراء و خلال توليه ذلك المنصب قام يإعادة كتابة دستور جديد من أجل تأسيس الجمهورية الخامسة و بعد الموافقة عليه من خلال إستفتاء شعبي تم إنتخابه رئيسا للدولة ثم أعيد انتخابه مجددا عام 1965 إلي أن إستقال عام 1969 و خلال توليه مهام منصبه منح الجزائر إستقلالها و بالمثل باقي المستعمرات الفرنسية الأخرى و في سياق الحرب الباردة بدأ شارل ديجول في إتباع سياسة خاصة تعتمد علي أن فرنسا قوة عظمى لا ينبغي لها أن تعتمد على دول أخرى مثل الولايات المتحدة من أجل الحفاظ علي أمنها القومي و إزدهارها و لذلك إنتهج سياسة الإستقلال الوطني التي دفعته إلى الإنسحاب من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي و إطلاق قوة هجومية نووية مستقلة جعلت فرنسا رابع قوة نووية في العالم كما أعاد العلاقات الودية الفرنسية الألمانية لخلق ثقل أوروبي موازن بين مناطق النفوذ الأنجلو أمريكي و السوفيتي كما فضل أن تكون قارة أوروبا لأمم ذات سيادة و أنتقد علانية التدخل الأمريكي في فيتنام و الإمتيازات التي حصل عليها الدولار الامريكي .
حياة شارل ديجول المبكرة و إنخراطه فى العسكرية
ولد شارل ديجول في 22 نوفمبر عام 1890 وسط أسرة كاثوليكية وطنية متدينة و نظرا لعمل والده كأستاذ في الفلسفة و الأدب فكان من الطبيعي أن يصبح إبنه مثقفًا و جيد القراءة و خلال طفولته المبكرة كان يحلم بأن يكون قائدا عسكريا لذلك ألتحق عام 1909 بأكاديمية ” سان سير ” التي كانت تعتبر أعلي أكاديمية عسكرية في البلاد و في عام 1912 أتم دراسته بها و أنضم كملازم في فوج مشاة كان بقيادة العقيد “فيليب بيتان” و خلال الحرب العالمية الأولى أظهر “شارل ديجول” تميز قتالي في ساحة المعركة و أصيب مرتين و نال علي جهوده وسام تقديرا لشجاعته كما تم ترقيته إلى رتبة نقيب و خلال تلك الحرب شارك في واحدة من أكثر المواجهات دموية و هي “معركة فردان” عام 1916 و أثناء قتاله أصيب بجروح و تم أسره و بعد عدة محاولات هروب فاشلة تم إطلاق سراحه في نهاية الحرب .
بعد ذلك ألتحق ” شارل ديجول ” ببرنامج تدريبي خاص في المدرسة العليا للغواصات ثم عمل لاحقًا مع “بيتان” و خدم في المجلس الأعلى للحرب و الذي أكتسب فيه بعض من الخبرة الدولية بعد أن أمضى بعض من الوقت في “ألمانيا” و منطقة الشرق الأوسط و بجانب حياته العسكرية كان كاتبا أيضا حيث نشرت له بعض من الكتب التي تناولت عدد من القضايا المعاصرة مثل كتاب يرصد الحالة السياسية و العسكرية الألمانية و كتاب أخر قدم فيه مقترحات لتكوين جيش أفضل و الذي تم تجاهلها من قبل المسؤولين العسكريين الفرنسيين و وفقًا لبعض التقارير فقد أتبع الجيش الألماني بعض من توصيات “شارل ديجول” في الحرب العالمية الثانية .
شارل ديجول و الحرب العالمية الثانية
مع إندلاع الحرب العالمية الثانية و أثناء إحتدام القتال بين “ألمانيا” و “فرنسا” كان ” شارل ديجول ” يقود لواء للدبابات ثم تم تعيينه مؤقتًا عميدًا للفرقة المدرعة الرابعة في مايو 1940 و بعد مرور شهر ترقي ليصبح وكيل وزارة الدفاع و الحرب التي كان يقودها الزعيم الفرنسي ” بول رينود ” و بعد فترة وجيزة تم إستبدال “رينود” ببيتان و الذي توصلت حكومته التي يطلق عليها أحيانًا إسم “حكومة فيشي” لإتفاق مع الألمان لتجنب المزيد من إراقة الدماء و أصبحت تلك الحكومة سيئة السمعة نتيجة تعاونها مع النازيين حيث لم يقبل ” شارل ديجول ” الذي كان وطني مخلص فكرة إستسلام ” فرنسا ” عام 1940 حيث هرب إلى “المملكة المتحدة” و أصبح قائدًا لحركة فرنسا الحرة بدعم من رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرشل” و كان ” ديجول ” يبث رسائله لأبناء بلده من “لندن” و يدعوهم فيها لمواصلة مقاومة الإحتلال الألماني قائلا ” مهما حدث فإن شعلة المقاومة الفرنسية يجب أن لا تموت و لن تموت ” كما قام بتنظيم جنود من المستعمرات الفرنسية للقتال إلى جانب قوات الحلفاء .
و خلال الحرب أثار ” شارل ديجول ” في بعض الأحيان غضب قادة الحلفاء الآخرين بسبب مطالبه و غروره و بحسب ما ورد لم يستطع الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” الإجتماع معه و تم إستبعاده عن قصد من مؤتمر يالطا و الذي فيه كان زعماء الدول المتحالفة يتفاوضون علي ترسيم العالم الجديد و مع ذلك نجح في تأمين أمته بمناطق نفوذ فرنسية في الداخل الألماني و الحصول علي مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و لذلك تمتع “شارل ديجول ” بتأييد واسع في الداخل و نتيجة ذلك في عام 1945 أصبح رئيسًا للحكومة الفرنسية المؤقتة و خلال نزاع سياسي حول الحصول علي سلطة أكبر أستقال من منصبه و قاد حركته السياسية المسماة “التجمع من أجل الشعب الفرنسي” إلا أنها لم تكتسب الكثير من الزخم ثم تقاعد من السياسة عام 1953 قبل أن يعود ليصبح رئيسًا للبلاد عام 1959 .
رئاسة الجمهورية الخامسة
بدأت الحكومة الفرنسية المعروفة بإسم الجمهورية الرابعة في الإنهيار أواخر الخمسينيات من القرن الماضي لذلك بعد فترة من التقاعد السياسي عاد ” شارل ديجول ” مرة أخري إلى الخدمة العامة لمساعدة بلاده و ساعد في تشكيل الحكومة المقبلة للبلاد و أصبح رئيسًا لها في يناير عام 1959 و أسس الجمهورية الفرنسية الخامسة و كرس نفسه لتحسين الوضع الإقتصادي للبلاد و الحفاظ على إستقلالها كما سعى إلى إبقاء “فرنسا” منفصلة عن القوتين العظميين “الولايات المتحدة” و “الإتحاد السوفيتي” و لإظهار الأهمية العسكرية لفرنسا قام بحملة ناجحة للمضي قدمًا في برنامج أسلحتها النووي .
و خلال توليه منصبه لم يكن ” شارل ديجول ” خائفًا من إتخاذ قرارات مثيرة للجدل فبعد التعامل مع الإنتفاضات الواقعة في الجزائر التي أستمرت لسنوات قام بمساعدتها علي نيل إستقلالها عام 1962 في خطوة لم تكن شائعة على نطاق واسع في ذلك الوقت كما أيد فكرة أوروبا الموحدة شريطة تحررها من تأثيرات القوى العظمى و حارب لإبقاء “بريطانيا” خارج المجموعة الاقتصادية الأوروبية بسبب علاقاتها الوثيقة مع “الولايات المتحدة” و في عام 1966 سحب ” شارل ديجول ” قوات بلاده من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) و في بعض الأحيان كان غير مرن و عسير الحل حيث كاد أن يُطيح بحكومته بعد إحتجاجات للطلاب و العمال في عام 1968 ثم ترك السلطة بعد فترة وجيزة عقب معركة حول الإصلاحات السياسية و الإقتصادية و في أبريل عام 1969 أستقال “شارل ديجول” من الرئاسة .
وفاته
و عقب إستقالته تقاعد ” شارل ديجول ” في منزله و لكن لم يكن لديه سوى القليل من الوقت للإستمتاع بالحياة الهادئة حيث توفي بنوبة قلبية في 9 نوفمبر عام 1970 و نقل الرئيس الفرنسي “جورج بومبيدو” الذي عمل عن كثب مع ” ديجول ” قبل أن يخلفه الأخبار المحزنة إلي الشعب الفرنسي قائلا عبارته الشهيرة “الجنرال ديجول مات و فرنسا أصبحت أرملة” حيث حزنت البلاد على فقدان رجل الدولة الشهير و قائدها العسكري و أحد أعظم أبطالها الذي ساهم في تحرر بلاده خلال الحرب و أثبت أن له دور فعال في تعافي بلاده.
و عقب وفاته قام زعماء العالم بنعيه حيث قالت الملكة إليزابيث الثانية أن “شجاعته و إصراره في قضية الحلفاء خلال السنوات المظلمة للحرب العالمية الثانية لن يُنسى أبدًا” كما بعث الرئيسان الأمريكيان “ليندون جونسون” و “هاري ترومان ” بتعازيهما إلى الشعب الفرنسي و كان الرئيس “ريتشارد نيكسون” من بين كبار الشخصيات الأجنبية الذين حضروا قداسًا خاصًا أقيم للزعيم الراحل ” شارل ديجول ” بعد وفاته بفترة وجيزة بكاتدرائية “نوتردام” في “باريس”.
مقتطفات من حياة شارل ديجول
- تزوج “شارل ديجول ” من “إيفون فيندرو” عام 1921 و أنجبا معًا ثلاثة أطفال و هم “فيليب” و ولد عام 1921 و أصبح فيما بعد أميرالًا و عضوًا في مجلس الشيوخ الفرنسي و “إليزابيث” التي ولدت عام 1924 و “آن” التي ولدت عام 1928 .
- بعد شجب ” شارل ديجول ” للإتفاقية التى وقعت بين الحكومة الفرنسية الجديدة و “ألمانيا” عقب إجتياحها للأراضي الفرنسية ردت الحكومة بإلغاء ترقيته إلى رتبة عميد و في 2 أغسطس عام 1940 حوكم عسكريا و تم الحكم عليه غيابيا بالإعدام و الحرمان من الرتبة العسكرية و مصادرة ممتلكاته .
- خلال حياته العسكرية و السياسية نجا “شارل ديجول ” من عدة محاولات إغتيال حيث كانت المحاولة الأولى على يد قناصة ألمان في “باريس” عام 1945 بعد بضعة أشهر من عودته من المنفى كما تمت محاولة إستهدافه مرة أخري في 22 أغسطس عام 1962 من قبل المنظمة العسكرية السرية (OAS) إنتقاما لمبادراته فى حصول الجزائر علي إستقلالها و نجا هو و زوجته من الهجوم أيضا .