دائما ما كان البحث عن ينبوع الشباب الأبدي حلم يرواد الكثير من العلماء ليس الأن فقط و لكن على مر التاريخ و لكم صرفت أموال ضخمة على الكثير من الأبحاث و الدراسات لمحاولة تحويل ذلك الحلم الى حقيقة حتى أن البعض قد تطرف فى أبحاثه و بدء فى وضع أفكار غريبة للوصول الى ذلك المسعى بعضها كان جنونيا بالفعل بعد أن قام أحد العلماء فى النصف الأول من القرن العشرين و يدعي سيرجي فورونوف و الذى عرف وقتها بإسم خبير غدة القرود بوضع نظرية غريبة مفادها أن شيخوخة الإنسان قد يمكن إيقافها أو عكسها و حتى علاج بعض الأمراض عن طريق زرع خصيتي قرد داخل البشر و هو الأمر الذى أصاب المجتمع العلمي بالصدمة لدى منطقية ذلك الطرح .
وُلد الطبيب “سيرجي فورونوف” في “روسيا” عام 1866 ثم انتقل إلى “فرنسا” و هو في سن 18 عامًا و ظل بها الى أن أصبح مواطنا فرنسيا عام 1895 و أثناء وجوده درس الطب و تخصص فى الجراحة تحت إشراف “ألكسيس كاريل” رائد الجراحة و زرع الأعضاء و الحاصل على جائزة نوبل لمجهوداته فى خياطة الاوعية الدموية و من خلال دراسته مع “كاريل” أصبح ” سيرجي فورونوف ” مفتونًا بعمليات زرع الأعضاء من حيوان إلى إنسان و التي يعتقد أنها يمكن أن تعيد النشاط الشبابي و حتى علاج الأمراض عن طريق نقل الهرمونات و لذلك في عام 1889 بدأ العمل مع عالم الفسيولوجيا التجريبي “تشارلز إدوارد براون سيكوارد” و الذي كان مهتمًا هو الأخر بتأثيرات تجديد نشاط الغدد الحيوانية و قام بإجراء التجارب على نفسه في العام ذاته عن طريق حقن جسده بمصل يحتوي على مادة مطحونة من خصيتي الخنازير و كلاب غينيا الا أنه لسوء الحظ فشل في تحقيق أي نتائج حتى أن تجربته تم الاستهزاء بها علنًا فى احدى النشرات العلمية حيث تم مقارنتها بقصة “بونس دي ليون” الخيالية للبحث عن ينبوع الشباب الأسطوري و دفعت ” فورنوف ” الى الايمان بأن الحقن ليست الوسيلة الفعالة بل زرع الانسجة هى الطريقة الوحيدة التى من خلالها يمكن جنى النتائج المرجوة .
و في عام 1896 انتقل ” سيرجي فورونوف ” إلى “مصر” و كان تركيزه على الأفراد المخصيين و وفقًا لورقة بحثية صدرت عام 2007 تتناول حياته و طبيعة عمله فقد لاحظ بدانتهم و نقص شعر فى جسمهم و امتلاكهم حوض عريض فضلاً عن عضلاتهم المترهلة و الخمول و معاناتهم بمشاكل فى الذاكرة و ذكاء منخفض حيث ألقى باللوم على كل ذلك لنقص الخصيتين على اعتبار أنها سلبت الخصيان من إفرازات غدية سحرية و بعد أن أمضى 14 عامًا في العمل و البحث في “مصر” عاد ” سيرجي فورونوف ” إلى “فرنسا” عام 1910 لمواصلة تجاربه و العمل على الحيوانات حيث بدء فى زرع الأعضاء و الأنسجة و العظام بين أنواع الحيوانات المختلفة كما بدء فى صنع اسمًا لنفسه بفضل عمله في محاولته زرع أنسجة الخصية من الحيوانات الأصغر سنًا على الحيوانات الأكبر سنًا و خلال تجاربه توصل إلى فكرة أن القردة تعتبر هى المتبرع المثالي للبشر لأنهم يتشاركون في جميع أوجه التشابه البيولوجية الضرورية و المطلوبة لعملية الزرع بالاضافة الى محاولة الاستفادة من بنية القرود القوية لذلك قام “فورونوف” بزرع غدة درقية للشمبانزي في شاب فرنسي مصاب بلوثة عقلية عام 1915 و ادعى أنه خلال العام التالي عادت قدراته العقلية إلى طبيعتها .
و خلال أبحاثه كان من الواضح تركيز ” سيرجي فورنوف ” على قوة و تأثير الأعضاء التناسلية و خاصة الخصيتين حيث قال فى كتابه الذى أصدره عام 1920 و حمل عنوان “الحياة : دراسة عن وسائل استعادة الطاقة الحيوية و إطالة العمر” أن الغدة الجنسية تحفز النشاط الدماغي بالإضافة إلى مساهمتها فى منح الطاقة العضلية و العاطفة كما أنها تعمل على صب نوعا من السوائل الحيوية التى تستعيد طاقة الخلايا و تنشر السعادة في مجرى الدم و لذلك فإن عملية أخذ أنسجة من الغدة الجنسية الصحية لخصية قرد و خياطتها على خصيتي البشر المتقدمين في السن تعتبر مثل حقن الجسم بالشباب نفسه و هو الامر الذى دفعه فى نفس العام بالبدء فى تطبيق نظريته بعد أن قام بزراعة جزء من خصية قرد إلى خصية رجل في يوليو من عام 1920 و يقال إنه أخذ قطعة صغيرة من خصية قرد صغير بعرض بضعة سنتيمترات و سمك بضعة مليمترات فقط و خياطتها مباشرة في كيس الصفن لدى المريض مدعيا أن ذلك الإجراء يمكن أن يفعل كل شيء من إعادة طاقة الشباب و علاج الشيخوخة و انفصام الشخصية و إطالة العمر بشكل جذري بالاضافة الى زيادة في القدرة الجنسية .
و بحلول عام 1923 كان ” سيرجي فورونوف ” مديرًا للمختبر التجريبي في “كوليج دو فرانس” و اكتسبت أبحاثه فى ترقيع الخصية الشعبية و الإشادة من الناس حتى أنه تم البدء فى عمل مزارع خاصة فى قارة أفريقيا على وجه التحديد لتجميع و العناية بالقرود التى ستنقل الغدة منهم و قام بعرض تجاربه و أبحاثه فى المؤتمر الدولي للجراحين الذي ضم الآلاف منهم بلندن فى “المملكة المتحدة” حيث أصيبوا بالذهول من غرابتها كما أنه أضاف أن إجراءاته ستكون متاحة قريبًا للنساء أيضًا و وعد بتحويل الجدات إلى شابات و كان حماس “سيرجي فورونوف” لزراعة خصيتي القرد في جسم الإنسان طموحًا و صدقه الكثيرين لفوائده لذلك و بحلول منتصف عشرينيات القرن الماضي خضع ما لا يقل عن 300 شخص لإجرائه بما في ذلك امرأة واحدة على الأقل تلقت أنسجة من مبيض قردة و استمر الطلب على ذلك النوع من جراحته في الازدياد و كذلك طموحه حيث قام بشراء قلعة بجريمالدي فى “إيطاليا” عام 1925 و بنى فى حديقتها حظيرة للقرود و استأجر مدرب سيرك سابق لإدارتها و تم تجهيز القلعة بمستشفى صغير حيث يمكنه من اجراء العمليات الجراحية بها .
و في مقال نُشر عام 1927 في صحيفة “ديلاوير ستار” ادعى ” سيرجي فورونوف ” أن إجرائه قد تم على أكثر من 1000 حالة لأشخاص في جميع أنحاء العالم بشكل أعاد من هم فى سن السبعين إلى قوة شبابهم و الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه أعلن عن بدأه زراعة أنسجة فى خصية الأغنام الصغيرة مما أدى بشكل أساسي إلى خلق سلالة من الأغنام الخارقة و ادعى أنها أظهرت زيادة في الحجم و القوة و يشير أنه على الرغم من عدم محاولة مثل هذا الإجراء على الإنسان فمن المحتمل أنه سيؤدى الى انتاج بشر خارقين أيضا اضافة الى حصولهم على ميزة الخلود طالما يمكنهم الحفاظ على صحة غدتهم .
و لمحاولة الاستمرار فى أبحاثه كان ” سيرجي فورونوف ” قادرًا على دفع ما يصل إلى 10000 فرنك فرنسي مقابل الجراحة و هو مبلغ مالى ضخم يعادل راتب سنوي لعضو في أوبرا باريس خلال عشرينيات القرن الماضي كما بدء للتفرغ فى محاولة اجراء تجارب أخرى مشكوك فيها بما في ذلك زرع مبيض بشري في قرد و محاولة تلقيح حيوان بالحيوانات المنوية البشرية و مع تقدم العمر في أولئك الذين خضعوا لجراحاته الخاصة بالشباب بدء أعداد المتشككين فى التزايد بعد اختفاء المميزات التى كان يدعو اليه ” فورنوف ” و هي مشكلة أوضحها انها نتيجة تلاشي الغدة و لكن يمكن إصلاحها عن طريق عملية زرع لاحقة و بحلول عام 1930 كان ينظّر أنه بحاجة إلى مطابقة دم القرد و المريض بشكل أفضل و اقترح إجراءً تجربة تسمح للناس بالعيش حتى 140 سنة الا ان المجتمع العلمي كان غير مقتنعا .
أقرأ أيضا : الطبيب هنري كوتون صاحب الأساليب المرعبة فى علاج الجنون
و مع حلول الثلاثينيات تقاعد ” سيرجي فورنوف ” من اجراء تلك العمليات لكنه استمر في الحديث عن فوائدها و أثناء إجرائه بحث حول علاج الأمراض البشرية فى قلعته اندلعت الحرب العالمية الثانية دفعته الى الهروب و العيش فى ” الولايات المتحدة ” و تم استدعائه مرة أخرى إلى “فرنسا” ليعمل كجراح و بعد الحرب عاد إلى قلعته ليجد أنها دمرت بسبب القصف لكنه كان مصمماً على إعادة بنائها لكنه لم يلحق ذلك حيث توفي عام 1951 كعالم ثري و لكن فاقدة للمصداقية لأنه لم يستطيع تجديد شبابه على الرغم من التصريحات المتعددة بأنه سيفعل ذلك إذا ظهرت الحاجة و يترك وراءه إرثا من أبحاث و عمليات جراحية بلغ عددها اكثر من 2000 اجراها فى “فرنسا” و “الهند” و غيرهم و رغم أن العلم الحديث فى الوقت الحالي قد يراها أمر سخيف الا أنها فى ذلك التوقيت ربما كان ينظر اليها أنها أمر ساحر.