إذا كانت طفولتك خلال فترة الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضي فمن المحتمل بشكل كبير أنك قضيت أوقاتا ممتعة في قراءة قصص مصورة أو مشاهدة مسلسل كارتوني أو ممارسة لعبة إليكترونية كان أبطالها أربعة زواحف من خبراء فنون الدفاع عن النفس و الذين عرفوا بإسم سلاحف النينجا و حملوا أسماء أبرز فنانين عصر النهضة الأوروبية و هم ليوناردو و مايكل أنجلو و رافايللو و دوناتللو و كان من الملاحظ أن كل واحد منهم كان لديه شخصية مختلفة عن الأخر و تخصص في نوع محدد من الأسلحة القتالية و مع ذلك الا أنهم جميعا كانوا يشتركون في حب الخير و الدفاع عن الحق و محاربة قوي الشر مع الإلتزام بتعليمات مدربهم المعلم رشدان إضافة إلي عشقهم لتناول البيتزا و نتيجة نجاح تلك الشخصيات الأسطورية لفترة من الزمن كان من الضرورى تتبع أصولها و معرفة مبتكرها و كيف تتطورت حتي وصلت إلي تلك المكانة العالمية و هو ما نسرده في تلك المقالة .
يرجع الفضل لظهور سلاحف النينجا إلي أثنين من الرسامين المتعثرين و هم “كيفن إيستمان” و “بيتر ليرد” الذين كانوا يعيشون في مدينة “نورثهامبتون” التابعة لولاية “ماساتشوستس” في ” الولايات المتحدة ” حيث بدأوا بإبتكار تلك الشخصيات في نوفمبر عام 1983 على سبيل المزاح حين رسم “إيستمان” سلحفاة واقفة على قدميها الخلفيتين و ترتدي قناعًا علي وجهها و تحمل سلاح النانشاكو و كتب علي الورقة الموجودة بها الرسمة إسم “سلاحف النينجا” و ظل ينظر إلي الصورة قليلا حتي ضحك ثم بدء في رسم نسخة أكثر دقة لتلك السلحفاة و سرعان ما رسم أربعة سلاحف كانت كل واحدة منها مسلحة بسلاح محدد يستخدمهم مقاتلي النينجا و أضاف عبارة ” المراهقين المتحولين ” أسفل عبارة ” سلاحف النينجا ” التى كتبها سابقا ( تم لاحقا بيع الرسومات الأصلية لسلاحف النينجا في مزاد بمبلغ 71.700 دولار عام 2012 ) .
و بعد الإنتهاء من تلك الرسومات أنضم ” بيتر ليرد ” إلي صديقه ” كيفن إيستمان ” و بدأ الثنائي في وضع الأسس لشخصيات سلاحف النينجا و ذلك لإنشاء كتاب فكاهي و بدأوا في التفكير حول إعطاء أسماء لهم و جربوا في البداية الأسماء اليابانية لكنها لم تنجح لذلك أختاروا أسماء فنانين يرجعون إلي عصر النهضة الأوروبية و كانوا ليوناردو و رافايللو و دوناتيللو و مايكل أنجلو و كان من الملاحظ أن بداية نشأة هؤلاء الأبطال متأثرة ببطل خارق لإحدي سلاسل مارفل المصورة و هو ديرديفل Daredevil و التي تحول فيها البطل ” مات ميردوك ” إلي شخصية خارقة بسبب إنطلاق شاحنة نحو رجل عجوز و أثناء محاولته إنقاذه إنحرفت الشاحنة و تتطاير منها عبوة مليئة بمواد مشعة ضربت “موردوك” في وجهه و سببت له العمي و لكن في نفس الوقت قامت بتقوية حواسه الأخرى إلى مستويات خارقة ساعدته في محاربة عالم الجريمة و كان هو نفس ما حدث مع سلاحف النينجا بإستثناء أن العلبة الحاملة للمواد المشعة تحطمت في وعاء به تلك السلاحف الصغيرة و الذين يسقطون مع العبوة ليجدهم المعلم رشدان أو Splinter و هم وسط سائل لزج يتسرب منها و يكون هو المسئول عن حدوث تلك الطفرة التي تحولهم لأبطال خارقين بحجم الإنسان .
و بمجرد الإنتهاء من وضع أسس شخصيات سلاحف النينجا و في مارس عام 1984 أنشأ ” كيفن إيستمان ” و ” بيتر ليرد ” شركة أطلقوا عليها إسم ” ميراج ستوديو ” و أقترضوا مبلغ 1300 دولار أمريكي من عم “إيستمان” لطباعة 3000 نسخة من كتابهم الهزلي الأول و الذي كان بإسم “سلاحف النينجا” و بعد تكاليف الطباعة لم يتبق لديهم سوى ما يكفي من المال لعرض إعلان في مجلة متخصصة للقصص المصورة و الذي بفضله بدأ موزعيها بجميع أنحاء البلاد في التواصل معهم و تمكنوا من بيع الثلاثة آلاف نسخة في غضون أسابيع قليلة و مع وصول المزيد من الطلبات قاموا بطباعة 6000 نسخة أخرى و بيعها بسهولة و مع حلول شهر مايو كانوا قد جنوا ما يكفي من المال لتسديد قرض عم “إيستمان” و تقسيم ربح قدره 200 دولار تقريبًا لكل واحد منهم ( كان يتم بيع الإصدار الأول من القصة المصورة في الأصل مقابل 1.50 دولار و لكنها حاليا من الممكن أن تكلفك مبلغ يتراوح ما بين 2500 دولار – 4000 دولار ) .
و بحلول يناير عام 1985 تم إكمال الإصدار رقم 2 من السلسلة و تلقوا طلبات للحصول على 15000 نسخة و التي كانت ناجحة جدًا لدرجة أن الموزعين طالبوا بإعادة طباعة 30000 نسخة أخري من الإصدار الأول و زيادة طبعات الإصدار الثاني و بلغ مجموع الطلبات 50000 نسخة و أستمرت المبيعات في الصعود و بلغت ذروتها في الإصدار رقم 8 الذي وصلت مبيعاته إلي 135000 نسخة بفضل ظهور شخصيات جديدة فيه و كان من الملاحظ أن الإصدارات الأولية لم تكن مخصصة للأطفال لإحتوائها علي رسومات عنيفة كانت غير مناسبة لأعمارهم لذلك عندما أعربت شركة ” بلايماتس تويز ” عن إهتمامها بإنتاج ألعاب و دمي حول تلك الشخصيات عام 1986 أشترطت أن يتم تخفيف ذلك العنف لأنه لن يناسب الجمهور المستهدف الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و 8 سنوات بالإضافة إلى أن جزء من تسويق الشركة لمنتجاتها كان عبارة عن رسوم متحركة و بالتالي كان عليها إجتياز الرقابة التلفزيونية لذلك كان تخفيف حدة العنف أمر ضروري بالإضافة إلي أنه يجب أن تكون السلاحف تبدو أصغر سنا و هى طلبات أستجاب لها مبتكريها رغم ضيقهم من تلك التغييرات و لكن الشركة كان نظرتها صحيحة حيث أنتجت حوالي 400 شخصية من دمي ” سلاحف النينجا ” و عشرات المركبات الخاصة بهم و خلال السنوات الأربع الأولى من إنطلاق شهرة تلك الشخصيات تم بيع ما قيمته 1.1 مليار دولار مما جعلها في المركز الثالث من بين شخصيات الألعاب الأكثر مبيعًا على الإطلاق في ذلك الوقت بعد جي أي جو و حرب النجوم .
و كان من بين التغييرات التى طرأت علي سلاحف النينجا أيضا أنهم أصبحوا مهووسين بالبيتزا كما أن الشرير ” فرام ” أو Shredder أصبح شريرًا يحمل لمسة كوميدية و تم إستبدال عدد من العبارات بأخري تكون مناسبة أكثر للأطفال و يمكن تسويقها بسهولة مثل ” قوة السلاحف ” و “كوابونجا ” و ربما كان التغيير الأكثر بروزا هو ما حدث في أزياء سلاحف النينجا حيث كانت في المجلات المصورة يظهرون باللونين الأبيض و الأسود لذلك لم يكن احد مهتم بتلك النقطة و لكن مع التلوين و ظهور الرسوم المتحركة كان يتم تمييزهم عن بعضهم البعض بإستخدام سلاحهم الخاص و إعطاء كل شخصية منهم لون علي قناعه و كوعه و ركبته حيث كان الأزرق مخصص لليوناردو و البرتقالي لمايكل أنجلو و الأحمر لرافايللو و الأرجواني لدوناتيللو إضافة إلي أرتدائهم حروف ترمز إلي أسمائهم الأولي في مقدمة أحزمتهم و بعد ذلك تم إنشاء سلسلة رسوم متحركة مكونة من خمسة أجزء و عرضت لأول مرة في ديسمبر عام 1987 و بمجرد أن أكتسبت الحلقات قوة جذب للمشاهدين تم إنتاج المزيد منها و ظل العرض على الهواء من عام 1988 و حتي عام 1996 و كان مجموع الحلقات 188 حلقة و بعد فترة توقف عاد سلاحف النينجا في سلسلة رسوم متحركة جديدة أنتجتها شركة 4Kids Entertainment و أستمرت من عام 2003 و حتى 2009 و هذه المرة كان لمبتكرها ” بيتر ليرد ” دور نشط في الإنتاج خاصة بعد أن أستحوذ علي حصة شريكه ” إيستمان ” عام 2000 مما أدى إلى ظهورها بشكل أقرب بكثير إلى الكتب المصورة الأصلية .
و بالنسبة لعالم السينما دخلت شخصيات سلاحف النينجا إليها عام 1990 حين ظهرت في فيلم الحركة الحي Teenage Mutant Ninja Turtles بميزانية قدرها 13.5 مليون دولار و حقق الفيلم أرباح تجاوزت الـ 200 مليون دولار في شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم و فيه أستخدم خبراء الخدع عدد من التقنيات الحديثة لإضفاء الحيوية على السلاحف و إنشاء تعبيرات الوجه مثل عصا تحكم للعيون و قفازًا إلكترونيًا للعمل على الفكين و سماعة رأس مزودة بأجهزة إستشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتتبع وجه محرك الدمى لتحريك الشفاه و نظرا لنجاح الجزء الأول تم إستغلال ذلك في إنتاج جزئين أخرين أعوام 1991 و 1993 و حقق الإثنان أرباح 78 مليون دولار و 42 مليون دولار على التوالي ثم أنتج فيلم رسوم متحركة عام 2007 بميزانية قدرها 34 مليون دولار و حقق أرباح بلغت 95 مليون دولار في شباك التذاكر و في عام 2014 ظهرت سلاحف النينجا مجددا كفيلم حي من إخراج “جوناثان ليبسمان” و من إنتاج ” مايكل باي ” و كان إنتاجه مضطربًا و التى بدأت بتصريحاته عام 2012 بأن الفيلم سيطلق عليه ” سلاحف النينجا ” و بأنهم سيكونوا كائنات فضائية قادمين من كوكب آخر و هو أمر لم يعجب عشاق تلك السلسلة و دفع المنتج لإعادة كتابته مجددا مع نص جديد لإرضاء المعجبين و بدأ تصويره في أبريل 2013 مع النجوم “ميجان فوكس” في دور “إبريل أونيل” و “ويليام فيشتنر” في دور ” فرام ” و قوبل الفيلم بردود فعل متباينة من المشاهدين بسبب ظهور السلاحف أكبر بكثير مما كانت عليه في النسخ السابقة .
أقرأ أيضا : حرب العوالم .. ليلة مرعبة قضاها الأمريكيين ظنا منهم بأن بلادهم تتعرض لغزو حقيقى من قبل كائنات فضائيه
و رغم النجاحات التى حققتها سلاحف النينجا إلا أنها واجهت عدد من العوائق خلال مسيرتها أبرزها مقاضاة “إيستمان” و “ليرد” و مطالبتهم بمبلغ 5 ملايين دولار من قبل “بوفالو بوب سميث” مقدم برنامج Howdy Doody Show لأنه ادعى أنهم سرقوا هتاف “كاوابانجا” من برنامجه و بعد بضعة أشهر من الجدل القانوني تم تسوية الأمر مع “سميث” بمبلغ 50 ألف دولار كما أنه على الرغم من أن مسلسل الرسوم المتحركة الذى صدر عام 1988 كان غير ضار إلا أنه تم حذف العديد من المشاهد في “المملكة المتحدة” و معظم أوروبا نظرًا للرقابة الأكثر صرامة الموجودة فيهم حيث تم إزالة المشاهد التى كانت تمسك فيها السلاحف للأسلحة بكثرة كما تم تغيير كلمة ” نينجا ” في العنوان لأن لها دلالة عنيفة و من المشاكل الأخري ما حدث عام 1990 حين تم إستيراد حوالي 250000 سلحفاة إلى “بريطانيا” لتلبية طلب عشاق سلاحف النينجا الذين أرادوها كحيوانات أليفة و لكن كانت المشكلة أن الأطفال تناسوا أن تلك السلاحف كانت ستنمو لتصبح بحجم طبق العشاء لذلك عندما كانوا يملون من تربيتها كانوا يقومون بإغراقها أو ألقائها في الأنهار والبرك مما أدي إلي تدمير النظام البيئي و أصبحت مشكلة كبيرة لدرجة أن الإتحاد الأوروبي حظر بيع تلك السلالة عام 1997 .