عند سفرك لأى دولة بغرض السياحه من الطبيعى أن يكون لك برنامجا يتضمن زيارة أشهر الأماكن فى تلك البلد سواء كانت تاريخية من معابد و مبانى تراثيه او أماكن طبيعية ذات مناظر خلابه من شواطئ و جزر و حتى صحارى الا أن الوضع قد يختلف قليلا فى بوليفيا بأمريكا الجنوبيه لأن رحلتك قد تتضمن زيارة لأحد السجون الغريبة من نوعها و المعروف بسجن سان بيدرو الذى يعد أكبر سجن في العاصمة لاباز و يشتهر بأن حراسته الشرطيه تنحصر على الخارج فقط أما داخله فهو مجتمعا قائما بذاته يعمل فيه نزلائه بوظائف عده و لديهم قدرًا غير عادي من الحرية داخل جدرانه و يقومون بشراء أو استئجار الزنازين الخاصة بهم و غالبًا ما يعيشون مع عائلاتهم بداخلها و الأغرب من ذلك هو السماح للراغبين فى زيارته من السياح بدخوله و التجول فيه برفقة مرشدين من داخل السجن و قد يباع اليهم المخدرات أيضا و التى تدر دخلا كبيرا للمتاجرين بها داخل السجن .
تخطيط سجن سان بيدرو
تم تصميم السجن في الأصل لاستيعاب 600 نزيل الا أنه حاليا يضم ما يقرب من 3000 نزيل ( و هو رقم لا يشمل النساء و الأطفال الذين يعيشون داخل الجدران مع أزواجهن المدانين ) 80% منهم موجودين لارتكابهم جرائم تتعلق بالمخدرات و يجب على النزلاء شراء زنازينهم الخاصة من زملائهم الآخرين لأن الزنازين لا يتم إدارتها من قبل أي مسؤول شرطى يرتدي الزي الرسمي و ينقسم سجن ” سان بيدرو ” الى مجموعة من الأقسام كل واحدا منهم يحمل أسما و هم “بوستا و بينوس و ألاموس و سان مارتن و بريفكتورا و بالمار و جواناي و كانشا ” و تعتبر أقسام ” بوستا و بينوس و ألاموس ” هى المجتمعات الراقية بداخل السجن و تتصرف على غرار الكومباوندات كما يحتوي كل قسم على تصنيف يشير إلى جودة السكن فيه و عادة ما يقوم ممثلى أقسام المجتمعات الراقية بإغلاق أقسامهم على غير المقيمين فيه حوالي الساعة التاسعة مساءً و يقال إن المجتمعات الدنيا تضم مدمني المخدرات و تعرف بأنها الأكثر خطورة في الليل حيث تحدث فيه معظم المشاجرات و حالات الطعن بالسكاكين كما يعمل كل قسم فيهم مثل القرية أو الحي الصغير و الذى يحتوى على فناء و مطاعم و أسواق و خدمات .
و تعتبر منطقة “لا بوستا” داخل سجن ” سان بيدرو ” هى الأكثر ثراء و التى توفر للنزلاء حمامات خاصة و مطبخًا و تلفزيونًا مع قنوات الكابل و تباع هذه الزنازين بحوالي 1800 بوليفيانو كما يمكن للنزلاء الأكثر ثراء و الذين يكونون من رجال الاعمال الفاسدين و السياسيين و تجار المخدرات شراء زنازين فاخرة قد تحتوي على ثلاثة طوابق بها حوض استحمام ساخن و فى احدى المرات دفع أحد النزلاء تكلفة توسعة الطابق الثاني في زنزانته بشكل أتاح له إطلالات على المدينة و مع ذلك فإن أغلب من يعيشون داخل السجن تكون حياتهم مختلفة تماما لأنهم يعيشون فى زنازين ضيقه تتسع بالكاد لخمسة أشخاص .
و تحتوي جميع أقسام السجن تقريبًا على أكشاك للتسوق و أماكن للعب الألعاب مثل البلياردو أو البوكر أو الشطرنج و حتى ألعاب الفيديو اضافة الى المطاعم التى يملكها و يديرها النزلاء بينما تبيع أماكن أخرى الخضروات و لوازم الطهى لمن لديهم مطابخ ليطبخوها بأنفسهم كما تحتوى احدى المناطق المفتوحة على ملعب كرة قدم صغير تتنافس عليه الفرق التي تمثل كل قسم بانتظام كما يوجد داخل جدران السجن أيضًا فندق لزيارة الضيوف و مستشفى و العديد من الكنائس .
حراس السجن
يحرس سجن سان بيدرو ضباط شرطة بدلاً من قوات مدنية مستأجرة كما هو الحال في العديد من الدول الغربية و تكون وظيفتهم الأساسية هي حراسة حدود جدران السجن الخارجيه و غالبًا ما يُشار إلى سجون أمريكا اللاتينية مثل سجن “سان بيدرو” باسم depósitos أو “المستودعات” لأن الحراس يهتمون فقط باحتجاز السجناء بداخل السجن و وقف أى أعمال شغب ان حدثت دون اعتبار لما يحدث لهم في الداخل حيث يرجع سبب هذا التجاهل لأوضاع السجناء فى الداخل بالافتقار إلى السلطة عليهم فما تقوم به الحراسه فقط هو تنفيذ قرار السلطة القضائية البوليفية بعقوبة ذلك المدان و عزله عن المجتمع لفترة محددة من دون أى سيطرة على ما يحدث للنزيل فى الداخل طوال تلك الفترة حيث يقول عالم الاجتماع “كريستوفر بيركبيك” أن أولئك الحراس هم مجرد أمناء على النظام القضائي فقط و لا يتحكمون بدقة في ما يفعله النزلاء داخل السجن لأنهم لا يملكون سلطة قانونية لمعاقبة سلوكهم أو مكافأته .
و نتيجة الافتقار إلى السلطة إلى جانب المصاعب الاقتصادية للعيش في بلد فقير كبوليفيا فإن ذلك يجعل الحراس عرضة بشكل خاص للرشوة من قبل النزلاء و التى عادة تكون للمساعدة في تهريب المخدرات داخل و خارج السجن كما تصل أحيانا الى رشوة المسئولين بغرض السماح بتقضية العقوبة فى ذلك السجن او نقل السجين اليه .
لجان أقسام سجن سان بيدرو
يوجد بداخل كل قسم بسجن “سان بيدرو” ثماني لجان منتخبة ديمقراطيا و هى المسئولة عن ادارة كل قسم تابع لها حيث تقوم تلك اللجان بأعمال الصيانة المختلفة مثل إصلاح الأرصفة و طلاء الجدران و تكون كل لجنة مسؤولة عن ميزانيتها الخاصة و يجب على النزلاء الذين يرغبون في أن يكونوا جزءًا من إحدى اللجان القيام بحملة دعائية لأنفسهم و تشمل المناصب المختلفة بكل قسم “المدير و أمين الصندوق و سكرتير الانضباط و وزير الثقافة و التعليم و وزير الرياضة و وزير الصحة” و لكي يكون النزيل مؤهلاً لشغل منصب يجب أن يكون قد عاش في السجن لأكثر من ستة أشهر و لديه زنزانة غير مرهونة و ليس عليه دين مستحق.
و على الرغم من الحرية التى يتمتع بها النزلاء داخل السجن من دون اى حراسة الا أنه يوجد بعض من الأفراد هم المسئولين عن الاجرائات التأديبية حال الاخلال بنظام السجن و يتمتعون بصلاحية إرسال النزلاء المخالفين إلى زنازين عزل انفراديه تشبه الزنازين الموجودة في أى سجن تقليدي كما يقومون بدوريات في المنطقة و يقدمون الوجبات للسجناء و لا يُمنح السجناء المعزولين نفس الحريات التي يتمتع بها السجناء في مناطق السجون الأخرى و اذا استمر النزيل فى اساءة التصرف يتم تقديم طلب من مدير القسم الى مصلحة السجون لنقل ذلك النزيل الى سجن أخر و هو ” سجن تشونشورو” شديد الحراسة كما تقوم “لجنة الاستقبال” المكونة من نزلاء متطوعين باستقبال الوافدين الجدد من خلال التحية عليهم عند دخولهم السجن و إبلاغهم بالقواعد التي يجب عليهم احترامها.
أقرأ أيضا : الكاتيدرال .. سجن بدرجة منتجع سياحى صممه بابلو إسكوبار بنفسه ليقضى فيه عقوبته
الإسكان و العقارات داخل سجن سان بيدرو
عندما يدخل النزيل الى السجن يمكنه إما شراء زنزانة من رئيس بلدية السجن أو من خلال سمسار و يتراوح أسعار السكن بداخل السجن بين 20 و 5000 دولار حسب الجودة و يقوم السماسرة الذين يعملون بالعمولة بوضع إعلانات في مطاعم السجون و على لوحات الإعلانات و يتم فرض رسوم غير قابلة للاسترداد كضرائب تبلغ حوالي 20 إلى 25 بالمائة عندما يشتري النزلاء زنزانة حيث تغطي هذه الرسوم صيانة القسم و الإدارة و التنظيف و التجديد و احياء المناسبات الاجتماعية مثل يوم السجين الذى يحل فى شهر سبتمبر و يقوم فيه قادة القسم بالاشراف على حفلات الشواء و استئجار فرقة موسيقية حية للحضور و العزف للنزلاء.
كما يحق لمديرين الأقسام طرد النزلاء من أقسامهم بسبب تدخين الكوكايين و يحمل كل مالك زنزانه سند ملكية يحتوي على رقم الغرفة و موقعها و وصفًا موجزًا عنها و اسم المالك السابق و سعر البيع و يقوم النزلاء الذين وافقوا على السعر بعمل نسخة و إعطائها لرئيس القسم الذي يشاهدهم و هم يوقعون عقد الشراء و البيع و يختمون العقد بالختم الرسمي للقسم و إذا كان النزيل لا يستطيع تحمل تكلفة زنزانة فيمكنه استئجار مساحة من شخص يمتلك عدة زنازين كما تسمح بعض الأقسام للسجين الفقير بالبقاء في غرفة صغيرة إذا كان يعمل في القسم .
التركيبة السكانية
بالإضافة إلى 1500 سجين و حارس فى سجن ” سان بيدرو ” الا أنه هناك العديد من السجناء الآخرين داخله و غالبًا ما تبقى زوجات و أطفال النزلاء معهم و لكن يُسمح لهم بالحضور و الذهاب كما يحلو لهم و يتم السماح بالعيش برفقتهم نظرا الى أنه بدون دخل الزوج لا يستطيعون في كثير من الأحيان تحمل نفقات العيش بأنفسهن في المدينة و غالبًا ما يوفرون اغراضهم من الخارج و يمكنهم إحضار أشياء إلى السجن ليتم بيعها فى أكشاك التسوق أو مباشرة فى الزنازين كما تتم رعاية الأطفال البالغ عددهم 200 طفل في حضانتين داخل أسوار السجن أو يتلقون تعليمهم في مدارس قريبة و يقضون بقية وقتهم يلعبون داخل اسوار السجن و الذى تعتبر الحياة بداخله غير مناسبة للنساء و الأطفال بسبب تعرضهم لسوء المعاملة و حدوث حالات للاغتصاب و قد يصل الامر لاسوء من ذلك عندما توفى طفل و قُبض على الجاني فيما بعد و ضُرب حتى الموت فيما يعرف بتنفيذ العدالة المجتمعية .
و يحدث فى سجن ” سان بيدرو ” في المتوسط أربعة حالات وفاة شهريا لأسباب طبيعية أو من هجمات عنيفة و نادرا ما تدخل الشرطة الى داخل السجن الذى يتمتع النزلاء فيه بالحق في التصويت بالانتخابات الوطنية البوليفية و يزوره العديد من المرشحين و السياسيين في محاولة لزيادة دعمهم من داخل ذلك المجتمع.
و توجد العديد من أمهات الأطفال المسجونين في سجن “ميرافلوريس” للنساء الموجود أيضًا في العاصمة “لاباز” و يضم أكثر من 400 طفل يأتون مع أمهاتهم عندما لا يكون لديهم خيار آخر حيث تتشابه الظروف داخل “ميرافلوريس” مع سجن “سان بيدرو” من حيث مسؤولية النزيل و وضع القواعد إلا أن “ميرافلوريس” يتمتع بمزيد من الأمن الشرطي و يعتبر سجنًا شديد الحراسة.
الدخل فى سجن سان بيدرو
هناك عدة مصادر دخل للسجناء و القائمين على إدارة المؤسسة حيث قام أحد مصانع الجعة البوليفية ” امبول ” و الذي يمتلك الحقوق الحصرية لإنتاج ” كوكاكولا ” في “بوليفيا” بعقد صفقة يتم بموجبها الإعلان عن منتجاته و بيعها داخل السجن و حظر العلامات التجارية المنافسة و في المقابل يقدم المصنع المال و الطاولات و الكراسي و المظلات كما يعمل معظم السجناء فى العديد من الوظائف مثل السعاة و مصففي الشعر و العمل فى المتاجر و يستفيد الكثير من السياحة نظرا الى أنهم يعملون داخل السجن كمرشدين سياحيين أو يقومون ببيع المصنوعات اليدوية للزوار كما يمارس أيضًا نشاط المراهانات بين السجناء حيث تصل قيمة المراهنة على مباريات كرة القدم الداخلية إلى 20 ألف دولار أمريكي سنويًا.
و من وقت الى اخر تخطط الحكومة البوليفية لإغلاق السجن بسبب الاكتظاظ و تفشي إنتاج المخدرات و عدم القدرة على حماية أفراد الأسرة الأبرياء من سوء المعاملة بداخله ليتم نقلهم الى سجن ” تشونشورو” شديد الحراسة الا أنه في كل مرة يتم فيها طرح هذه القضية يقوم النزلاء بأعمال شغب في محاولة يائسة لحماية منازلهم و مجتمعهم لأنه على الرغم من أن سجن سان بيدرو قد تبدو الحياة فيه سيئة إلا أنها أفضل كثيرا من تلك الموجودة في السجن الأخر .