دائما ما يقولون أن لكل محنة منحة و فى ذلك العالم الذى نعيش فيه يوجد العديد من النماذج التى تجعل تلك المقولة حقيقية واحدة منها هى لشخص يعيش فى المملكة المتحدة و هو البريطاني ستيفن ويلتشاير الذى كان مصاب بالتوحد منذ طفولته بشكل أثر بالسلب على حياته نتيجة عدم كلامه خلال سنوات طفولته الأولي و رغم ذلك الا أن الله قد هباه فى المقابل موهبة نادرة لا تتوفر لدى الكثيرين و المتمثلة فى ذاكرة حديدية تمكنه من رسم مدن كاملة و بأدق تفاصيلها بمجرد إلقاء نظرة واحدة إليها بشكل أثار ذهول جميع المحيطين به .
بدأت قصة ” ستيفن ويلتشاير ” بولادته عام 1974 و حين وصل الى عمر الثالثه شخص الاطباء حالته بأنه مصاب بمرض التوحد و اعطوا انطباع متشائم لعائلته حول مستقبله و صعوبة النجاح في حياته و هو بتلك الحاله و بعدها التحق بمدرسة “كوينزسميل” فى مدينة “لندن” و هى مؤسسة تعليمية مخصصة لمصابى التوحد و عندما وصل الى سن الخامسة بدأت موهبته فى الظهور و اثبات خطأ الاطباء و ذلك عندما أبدى اهتمامًا كبيرًا بالرسم و الذى بدأه برسم الحيوانات و السيارات و مع بلوغه السابعه من عمره انتقل الى الرسومات التخطيطية للمباني الشهيرة في “لندن” و كذلك رسم لبعض من المدن الخياليه بعد ان رأى تصورات لها فى الكتب المدرسيه ثم بدء فى تطوير موهبته برسم المدن بشكل اكثر تفصيلا و تعقيدا .
و العجيب فى الأمر أن تلك الموهبة كانت موجودة لدى ” ستيفن ويلتشاير ” و هو لم يتحدث اطلاقا و من أجل دفعه لمحاولة الكلام أخفى معلموه ادواته الفنية اعتقاد منهم انه سيتعين عليه أن يتعلم كيف يطلبها و نجحت محاولتهم و بدء الكلام بالفعل و كانت كلمته الاولى ” ورقه ” و بعدها بدء بالحديث بشكل طبيعى و هو فى سن التاسعه ثم أنتقلت تلك الموهبة من الهواية الإحتراف بعد أن بدء يأخذ اجرا عليها حيث قام بإنشاء رسم تخطيطي لكاتدرائية ساليسبري و بعد ذلك بعامين أكمل واحدة من أولى أعماله المعروفة المسماة “أبجدية لندن” و التى تضمنت عدد من الرسومات لمعالم “لندن” الشهيرة و فى عام 1987 ظهر فى برنامج شهير خاص بالمواهب حيث تم تقديمه للمشاهدين و لاظهار و اختبار مهاراته تم اخذه إلى مبنى لم يره من قبل و كان محطة قطار “سانت بانكراس” التى كانت مزخرفة بطراز من العصر الفيكتوري في وسط “لندن” و تمكن من رسمها بشكل كامل اعتمادا على ذاكرته لاحقا فى ذلك اليوم .
و اذهلت رسومات ” ستيفن ويلتشاير ” واحد من أشهر المهندسين المعماريين فى “بريطانيا” و هو السير “هيو كاسون ” و الذى وصفه بأنه أفضل طفل فنان فى البلاد و عندما بلغ الثالثة عشرة من عمره اصدر اول كتبه باسم “الرسومات ” و احتوى على مقدمه موقعه من السير ” كاسون ” و بحلول الوقت الذي تخرج فيه من مدرسة للفنون عام 1998 كان قد نشر ثلاثة كتب أخرى و هى ” المدن (1989) و المدن العائمة (1991) و حلم ستيفن ويلتشير الأمريكي (1993) و كان أشهرهم هو الكتاب الثاني ” المدن العائمة ” و الذى حقق مبيعات خياليه و وضع فى قائمة جريدة الصانداى تايمز للكتب الاكثر مببيعا فى ذلك الوقت .
و فى الوقت الراهن يقضى ” ستيفن ويلتشاير ” الكثير من وقته في رسم المدن و التى يعرضها في معرض دائم في “لندن” و العالم حيث يأخذ رحلة قصيرة بطائرة هليكوبتر فوق المكان المراد رسمه ثم يقضي فترة ما بين خمسة إلى عشرة أيام في تنفيذها على لوحة ضخمة و في بعض الأحيان يرسم حتى أمام الجمهور المتابع له بالاعتماد على ذاكرته فقط حيث تمكن رسم مدينة “سيدني” فى “استراليا” لاظهار االدعم لمرضى التوحد و أيضا مدن “سنغافورة” و “هونغ كونغ” و “مدريد” فى إسبانيا و “دبي” فى الإمارات و “فرانكفورت” فى ألمانيا اما فى “نيويورك” بالولايات المتحدة فقد حلق بمروحية لمدة 20 دقيقه فقط و منها استطاع رسم مواقع مثل جزيرة إليس و تمثال الحرية و شاطئ نهر هدسون في نيوجيرسي وجسر بروكلين اما فى مدينة “روما” بإيطاليا فكانت واحدة من اشهر اعماله و هو رسومات لعدد من أعمدة البانثيونو التى تمكن برسمها بشكل صحيح تمامًا على الرغم من رؤية المبنى لأقل من دقيقة .
أقرأ أيضا : دانييل كيش الرجل الكفيف الذى يستطيع الرؤية مثل الخفاش
و نتيجة لتلك الموهبه و المجهودات اصبح ” ستيفن ويلتشاير ” عام 2006 عضوًا في وسام الإمبراطورية البريطانية (MBE) لخدمات الفن و في العام نفسه افتتح معرضًا دائمًا في صالة الأوبرا الملكية في “لندن” و لينظر اليه الجميع بإحترام و تبجيل لموهبته .